قال ديفيد إغناطيوس في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، إن "قيمة الأحداث الفاجعة بإمكانها مساعدة الناس على مواجهة المشكلات التي يصعب التعامل معها، وقد يكون هذا هو حال الهجمات التي وقعت يوم الثلاثاء في
بروكسل".
ويضيف الكاتب: "تواجه
أوروبا تهديدا أمنيا لم يسبق له مثيل في تاريخها الحديث، في وقت تقع فيه عملتها الموحدة وأمن الحدود وتبادل المعلومات تحت ضغط كبير، ولو كانت أوروبا سلعة في سوق الأسهم، فإن أي مستثمر واقعي سيبيعها، بالرغم من تدهور السعر، وبالرغم من الارتباط العاطفي؛ لأنه ودون إعادة هيكلة فإنها شركة متجهة نحو الفشل".
ويعلق إغناطيوس قائلا إن "الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى بناء النظام الأمني، ويحتاج إلى تحطيم الحواجز التي تمنع مشاركة المعلومات وفرض القيود الحدودية وحماية المواطنين، ففي الأشهر التي سبقت الهجمات الإرهابية في بروكسل كان النظام يعطي إشارات الخطر الحمراء، مثل ما قال مسؤول وكالة الاستخبارات المركزية السابق جورج تينت، عندما وصف الحالة في أمريكا قبل هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، ومع ذلك، فإن
بلجيكا (كما أمريكا قبل 11/9) لم تستطع أن تربط بين تلك الإشارات".
ويجد الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "موجة الجهاديين وهي تتراجع نحو أوروبا تبدو مذهلة، حيث تقدر
المخابرات الأمريكية بأن هناك 38 ألف مقاتل أجنبي سافروا إلى العراق وسوريا منذ عام 2012، منهم 5 آلاف على الأقل من أوروبا، بما في ذلك 1700 من فرنسا، و760 من بريطانيا، و760 من ألمانيا، و470 من بلجيكا، بحسب المعطيات التي جمعتها مجموعة صوفان، وهي شركة استشارات أمنية، فبالنسبة لعددها تكون بلجيكا قد أنتجت أكبر نسبة من المقاتلين".
ويشير إغناطيوس إلى أن "السلطات البلجيكية لم تستطع العثور على صلاح عبد السلام، المخطط اللوجستي لهجمات باريس في تشرين الثاني/ نوفمبر، لأكثر من 120 يوما، حتى اعتقلوه أخيرا يوم الجمعة على بعد عدة أحياء من الحي الذي نشأ فيه في المنطقة العربية من مولينبيك، حيث كان مختبئا على مرأى الجميع، لكن فشل بلجيكا الأمني كان جزءا من النظام، فالجهاديون يتحركون بسرية، والبلجيكيون لم يجمعوا أو يشاركوا بما يكفي من المعلومات التي كانت موجودة، وسمحت السلطات لمولنبيك أن يصبح ملاذا أخطر على بلجيكا من ملاذات الجهاديين في سوريا والعراق وليبيا".
ويعلق الكاتب قائلا: "قد يتخيل الأمريكيون بعجرفة أنهم أقل عرضة للتهديد، حيث يستطيعون إغلاق الأبوب على أنفسهم، لكن الأعمال التي قام بها
تنظيم الدولة هو فشل أمريكي أكثر منه فشلا أوروبيا، فقد ألفت أمريكا تحالفا "لإضعاف تنظيم الدولة وفي المحصلة تدميره" في أيلول/ سبتمبر 2014، لكن هذه الإستراتيجية لم تعمل، فقلت المساحة التي يسيطر عليها التنظيم في العراق وسوريا، لكنها توسعت في أماكن أخرى".
ويلفت إغناطيوس إلى أن "فشل التحالف الذي تقوده أمريكا في احتواء الجهاديين ترك أوروبا الهشة عرضة للإرهاب والاضطرابات الاجتماعية، ويأمل الرئيس أوباما في أن يثبت التاريخ صحة سياسته الحكيمة، لكن من الصعب الحفاظ على هذه النظرة بعد هجمات باريس وبروكسل".
ويتساءل الكاتب: "كيف يمكن لأمريكا وأوروبا تطوير إستراتيجية فعالة لقتال تنظيم الدولة؟ يجب أن تبدأ بمشاركة المعلومات والقيادة العسكرية، فبعد صدمة بيرل هاربر، اجتمعت القيادة العليا لأمريكا وبريطانيا في واشنطن في كانون الأول/ ديسمبر 1941 لما سمي (مؤتمر أركاديا)، ومع أنه يذكر للعلاقة الحميمية بين فرانكلين روزفلت ووينستون تشرتشل، إلا أن أهم إنجازاته كان تشكيل قيادة عسكرية مشتركة تحد من مشاعر الغيرة التافهة بين الجيشين والشعبين، وعندما تم هذا التحالف، كان لا بد من الانتصار، كما قال تشرتشل".
ويرى إغناطيوس أن "عوائق النجاح ضد تنظيم الدولة شبيهة، فإن أجهزة مخابرات الدول الأوروبية تتفاوت من حيث الكفاءة والشدة، ويقول الخبراء إن بريطانيا وفرنسا لديهما مؤسسات استخبارتية قوية، أما مخابرات ألمانيا فلديها كفاءة، لكنها تخشى مصارحة شعبها، والبقية تعد ضعيفة، ولا يوجد جهاز مخابرات واحد يعمل على مستوى أوروبا".
ويذكر الكاتب أن "أوروبا تريد المزيد من (منتوج) تنين المخابرات الأمريكي، لكن أقل جمعا للمعلومات، حيث يتصرف الأمريكيون والأوروبيون كأنهم في فريقين مختلفين، وهذا هو ما أوصلنا إلى تفجيرات بروكسل".
وتنقل الصحيفة عن مدير الموظفين في لجنة المخابرات في الكونغرس مايكل ألن، قوله: "هناك اعتراف عام بين المحترفين في المخابرات بأن على الأجهزة المختلفة التعاون أكثر، وأن على الولايات المتحدة أن تقود عملية توحيدها".
ويبين إغناطيوس أن "إستراتيجيات المخابرات التي نجحت مع تنظيم القاعدة قد لا تعمل مع هذا العدو، لأن تنظيم الدولة لا يستخدم الإشارات الرقمية، ولذلك يجب الاعتماد على مخبرين حقيقيين يخترقون معسكر العدو، وهذا ضروري بالرغم من خطورته، وقد يكمن الجواب أيضا في استخدام الحواسيب لتحليل كميات كبيرة من المعطيات تنتج مؤشرات مهمة، مثل: من يمكن تجنيده؟ ما هي الأهداف المحتملة؟ ما هي الطريقة الأفضل لتعطيل عمل الاعداء المحتملين؟".
ويخلص الكاتب إلى أنه "على المخابرات الأوروبية أن تتوحد معا ومع أمريكا، فالغرب يحتاج مؤتمر أركاديا جديدا لبناء شراكة لاحتواء تنظيم الدولة، الذي يخطط لهجوم مشابه لهجوم بروكسل".