نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا للكاتب توم رولينز، تحت عنوان لغز "
القارب الشبح"، الذي قد يكون مفتاح علاقة المهربين
المصريين بالحادث التراجيدي، الذي أدى إلى غرق عدد من المهاجرين الأفارقة كانوا على متنه.
ويقول رولينز: "في يوم الخميس، 7 نيسان/ أبريل، ظهرت مجموعة من المهاجرين وطالبي اللجوء على متن قارب في كفر الشيخ في دلتا النيل، التي أصبحت إحدى المحافظات التي يستخدمها المهربون لنقل المهاجرين من مصر إلى
أوروبا".
ويستدرك التقرير بأن خفر السواحل والقوات الأمنية اعتقلوهم قبل أن يتوغل القارب الصغير في البحر المتوسط، حيث يقول من كانوا على متن القارب، وهم 11 صوماليا وإثيوبيا وسودانيا، إن المداهمة التي تمت على القارب ربما كانت سببا في إنقاذ حياتهم.
ويشير الموقع إلى انتشار إشاعات في الأسبوع الماضي عن غرق مئات الأشخاص، عندما غرقت سفينتهم في مكان قريب من الساحل الليبي.
وينقل الكاتب عن الباحث في توثيق موجات الهجرة واعتقال اللاجئين، ويعمل مع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في الإسكندرية، محمد كاشف، قوله إن أفرادا من الذين اعتقلوا في شرم الشيخ كانوا يتوقعون الانضمام للسفينة ذاتها التي غرقت.
ويضيف كاشف للموقع: "عندما ذهبوا إلى الساحل لركوب السفينة، وجدوا خفر السواحل وقوات الجيش بانتظارهم"، حيث زار كاشف في الأسبوع الماضي مركز الشرطة الذي اعتقلوا فيه، ويقول: "بعد ذلك سمعوا من أقاربهم في القاهرة أن السفينة قد غرقت، حيث اعتقدوا أنهم كانوا سيسافرون عليها".
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه بحسب كاشف، فإن المجموعة قالت إن المهربين احتجزوهم لعدة أيام في مخزن لا يبعد عن الإسكندرية سوى ساعتين، مشيرا إلى أنه أسلوب معروف يستخدمه المهربون في مصر وهم ينتظرون تحسن الأوضاع الجوية لبدء الرحلة.
ويلفت الموقع إلى أنه عادة ما يتم تقسيم المجموعة الكبيرة إلى قسمين قبل أن يتم نقلهم إلى الشاطئ من أجل تحضيرهم للرحيل، حيث يتم تحميلهم في قوارب صغيرة قبل أن يلتقوا في "سفينة أم" أي سفينة كبيرة تقوم بنقلهم عبر المتوسط إلى أقرب مدينة أوروبية.
ويبين رولينز أن التفاصيل حول غرق السفينة لا تزال غامضة، بعد أن بدأت التقارير بالظهور في الإعلام يوم الأحد الماضي، وتشير إلى غرق ما بين 400 إلى 500 من المهاجرين الذين كانوا على متنها.
ويذكر التقرير أن وكالة أنباء "أسوشيتد برس" نقلت عن قريب لأحد الناجين في العاصمة الصومالية مقديشو، قوله إن القارب غادر الإسكندرية في 7 نيسان/ أبريل، فيما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن ناجين وصفهم كيف سبحوا باتجاه قوارب أخرى، وأنقذتهم شاحنة تجارية.
وينقل الموقع عن خفر السواحل في إيطاليا واليونان، قولهم إنهم لا يعرفون شيئا عن الغرق، فيما أرسلت المفوضية السامية للاجئين تغريدة، قالت فيها إن التقارير ليست موثوقة.
وينوه الكاتب إلى أن وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتلوني أطلق تصريحات يوم الاثنين، أشار فيها إلى مصداقية التقارير، لكنه قال إن وزارته تنتظر التفاصيل، وأضاف: "ما هو مؤكد أننا أمام مأساة جديدة في البحر المتوسط، وبعد عام بالضبط من المأساة التي حدثت في المياه الليبية"، في إشارة إلى حادث نيسان/ أبريل، الذي وقع العام الماضي، ومات فيه 800 شخص.
ويورد التقرير نقلا عن المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة قولها يوم الأربعاء، إنها قابلت ناجين، مما يمكن أن يكون أسوأ مأساة للاجئين والمهاجرين تحدث في الـ 12 شهرا الماضية، وتضيف: "إذا تأكدت (الأخبار)، فقد مات ما يقرب من 500 شخص، عندما غرق قارب كبير في مياه البحر المتوسط، وفي مكان غير معلوم بين إيطاليا وليبيا".
ويشير الموقع إلى أنه بحسب شهادات الناجين، فقد ركب ما بين 100 إلى 200 قاربا صغيرا، غادر مدينة طبرق، وبعد عدة ساعات في البحر انضمت إليهم "سفينة أكبر تحمل مئات المهاجرين مزدحمة بشكل كبير"، لافتا إلى أنه في "نقطة معينة انقلبت السفينة وبدأت بالغرق"، بحسب المفوضية السامية للاجئين، التي قالت إن "41 ناجيا، بينهم أطفال من الذين يركبون السفينة الكبيرة، والبعض الذين استطاعوا السباحة إلى القوارب الصغيرة"، حيث ظل الناجون هائمين في البحر لمدة ثلاثة أيام حتى أنقذتهم سفينة تجارية، وكانوا 23 صوماليا و11 إثيوبيا و6 مصريين وسودانيا واحدا.
ويقول رولينز إنه في حالة تأكد دور القوارب المصرية، فإنه سيكون أسوأ حادث غرق يرتبط بالمهربين المصريين منذ حادث غرق القارب المقصود، الذي كان على متنه 500 لاجئ عند شواطئ مالطا في أيلول/ سبتمبر 2014.
جنازات للمفقودين
ويلفت التقرير إلى أنه تم عقد جنازات للمفقودين في البحر، بينها جنازة لفتاتين من إثيوبيا، يعتقد أنهما سافرتا على القارب، كما يقول كاشف.
وينقل الموقع عن أفارقة يعيشون في القاهرة قولهم إن مئات المفقودين كانوا يعيشون في حدائق المعادي، وهو حي في القاهرة يعيش فيه آلاف اللاجئين وطالبي اللجوء السياسي والقادمين من القرن الأفريقي.
وبحسب الكاتب، فإنه يعتقد أن سمسارا يعيش في الحي كان وراء الترويج والإعلان عن الرحلة، حيث يقول كاشف: "لقد اعترفوا بأن أقاربهم الذين كانوا على القارب ماتوا وهم في حالة عزاء"، ويضيف: "لكنهم لا يستطيعون عمل شيء حتى يعثر أحدهم على مهرب".
ويجد التقرير أن القصص التي رواها
المهاجرون الأفارقة في مصر تشير إلى دليل قوي على تورط المهربين المصريين في المأساة الأخيرة قرب ليبيا، لافتا إلى أن تلك التقارير تأتي في الوقت الذي تقوم فيه دول الاتحاد الأوروبي بمراقبة طرق المهاجرين بعد الاتفاق المثير للجدل بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.
ويذكر الموقع أن البعض يخشى أن يؤدي الاتفاق إلى دفع المهاجرين إلى مناطق جديدة وأكثر خطورة، مثل ليبيا ومصر، مشيرا إلى أنه حتى هذا الوقت لم يحدث شيء مثل هذا، حيث إنه بحسب أرقام المفوضية السامية للاجئين، فإن أعداد اللاجئين القادمين عبر مصر وليبيا هي ذاتها المسجلة العام الماضي، مستدركا بأن موسم الذروة للمهاجرين غير النظاميين عبر المتوسط بدأ، ولن يتم فحص أثر الاتفاق الأوروبي التركي إلا بعد عدة أسابيع.
ويورد رولينز أن وكالة أنباء "رويترز" نقلت في شباط/ فبراير عن مسؤول أوروبي قوله إن موضوع التهريب من مصر أصبح "قضية"، معبرا عن مظاهر القلق من إمكانية عودة المهربين لإحياء طرق التهريب من مصر عبر المتوسط إلى أوروبا، حيث عبرت وكالة الحدود الأوروبية "فرونتيكس" على موقعها في الإنترنت عن مظاهر القلق القادمة من مصر، وتساءلت إن كانت قد لاحظت زيادة في عدد المغادرين على قوارب المهاجرين من مصر، وأجابت أن الطريق المصري يستخدم منذ سنوات، وعلقت بأن هذا الطريق موسمي، ويزيد عدد المغادرين من مصر مع تحسن الأوضاع الجوية في الربيع.
وينوه التقرير إلى أن المصريين في الغالب، رجالا وقاصرين، كانوا يستخدمون هذا الطريق ويركبون القوارب؛ بحثا عن فرص عمل وحياة جديدة في أوروبا، مستدركا بأن الطريق يستخدم منذ عام 2013، وبشكل كبير من المهاجرين السوريين والفلسطينيين من سوريا ومن غزة، بالإضافة إلى القادمين من أفريقيا.
ويقول الموقع إن "شهر نيسان/ أبريل هو الشهر الذي يبدأ فيه المهربون المصريون بفتح دكاكين لهم، وعليه، فإنه يتوقع زيادة عدد المعتقلين والمغادرين، حيث إن هناك في القاهرة ما يشير إلى وجود أعداد كبيرة تخطط للمغادرة، وأكثر من المعتاد".
وينقل الكاتب عن فرحان، وهو عامل بحث اجتماعي صومالي يعيش في القاهرة منذ عام 2002، قوله: "نجح في العام الماضي عدد كبير بالسفر إلى أوروبا من مصر"، وأضاف: "يعتقد الناس أن الوضع سيكون مشابها هذا العام".
وقال فرحان للموقع إنه يعرف عن بعض الصوماليين في القاهرة يقومون بالتحضير للرحلة عبر المتوسط، وأضاف أن عددا كبيرا من القادمين الجدد ممن لا صلات لهم في القاهرة مع الصوماليين هناك وصلوا بعد تهريبهم عبر الحدود المصرية السودانية، وتابع فرحان قائلا: "جاء الكثيرون منهم إلى القاهرة هذا العام، ويخططون لركوب القوارب، حيث إن الكثيرين يحضرون أنفسهم".
ويشير التقرير إلى أنه بحسب الأرقام التي جمعتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في الإسكندرية، فقد تم اعتقال المئات على الشواطئ المصرية مع البحر المتوسط هذا العام، فيما سجن الآلاف منهم منذ عام 2013، لافتا إلى أنه تم نقل 230 شخصا في الفترة ما بين 15 إلى 19 نيسان/ أبريل إلى مراكز اعتقالهم في البحيرة وكفر الشيخ، وهي المحافظات الثلاث التي تمتد إلى شرق ووسط الإسكندرية.
ويوضح الموقع أنه في الوقت ذاته، فإن من يواصلون وضع حياتهم في أيدي المهربين، على أمل الوصول إلى أوروبا، يعرفون أنهم قد يختفون دون أثر، حيث إن الصحافي إريك ريدي كتب العام الماضي سلسلة من التقارير حول قارب كان على متنه 243 راكبا، أبحر من ليبيا، واختفى في البحر، ولم يعثر على أي أُثر لأي ممن كانوا على "القارب الشبح"، ولا ماذا جرى لهم.
وينقل رولينز عن ريدي قوله: "إنها حقيقة مؤلمة للعائلات التي لن تعرف بالتأكيد ماذا جرى لأحبائها"، وأضاف: "إنهم يبحثون عن أي سبب يعطيهم أملا بأن أحباءهم لا يزالون على قيد الحياة، وأي خبر، ولو كان صغيرا، يمكن أن يؤخذ على أنه دليل على أن هؤلاء الناس لا يزالون على قيد الحياة، ومن هنا تفسر مكالمة هاتفية من شخص مجهول بأنها محاولة اتصال من قريب مفقود".
ويختم "ميدل إيست آي" تقريرها بالإشارة إلى قول ريدي إن القوارب التي تغادر الشواطئ في مصر وليبيا عادة ما تفتقد المعدات الأساسية، مثل الرادار وأجهزة "جي بي أس"، التي تستخدم للتواصل، وتحديد أماكن السفن وحركتها، وعليه "فطالما لم يتصلوا مع قارب آخر، فإنه سيظل قاربا شبحا، ولا أحد يعرف مكانهم".