كتاب عربي 21

الشفافية "لا تلزمنا"

جعفر عباس
1300x600
1300x600
في مسح استطلاعي أجرته منظمة الشفافية الدولية في تسع من الدول العاربة والمستعربة خلال عام 2015، جاء أن 61% من المواطنين يعتقدون أن بلادهم تعاني من الفساد، ويقيني هو أن الـ39% الذين لم يوافقوا الغالبية الرأي، إما ضالعون في الفساد، أو ضائعون ولا يميزون بين الفساد والرشاد، أو أصحاب عيال و"العيال مبخلة ومجبنة".

ومعظم حكوماتنا ترفض منظمة الشفافية من منطلقات أخلاقية، لأنها محافظة، وتستاء من "الشفافية" في ملابس الراقصات الشرقيات والمطربات، فكيف تريدون لها أن "تتشفشف" وتتقشف، بل إن كبار المتنفذين عندنا، يغلقون الأبواب والنوافذ والستائر على أنفسهم كلما أرادوا تغيير آرائهم، ولأنهم يفعلون ذلك كثيرا فإن المرجفين من أعداء الوطن وعملاء بوركينا فاسو، يتهمونهم بالعيش في عزلة من المواطنين في أبراج عاجية. أي عاجية الله يهدينا وإياكم، والعاج أبيض وهم يعيشون في غرف سوداء مظلمة لا تدخلها شمس الصباح، ولا شمس العصر الذي هم فيه في خُسر.

الشفافية مثل الديمقراطية بضاعة استعمارية استكبارية يريد الغرب الكافر تسويقها في المنطقة العربية لزعزعة الاستقرار والرفاهية (الكاتب اليمني المبدع عبد الكريم الرازحي– استعينوا بالسيد غوغل ليدلكم على ما يكتب - يقول إن كل مسؤول عربي ينطق بكلمة "رخاء" يعلم أنه تعمّد خلط حروف الكلمة! والمعنى في بطن كل ذي عقل، وليس في بطن الشاعر وحده).

والشاهد: الشفافية "عيب"، ونحن قوم نرفض كشف الحال الذي يغني عن السؤال، ومن حق منظمة الشفافية أن تعايرنا بأننا محتشمون في أمور الحكم، فهي تقيم في برلين، حيث التبرج والسفور، وتنظر إلينا "من فوق"، وترى رجالنا بجلابيب طويلة، ونساءنا بعباءات من الرأس إلى التراب، فتحسب أن تحت السواهي دواهي، وأن غالبيتنا ماء تحت تبن.

أخذ آخر تقرير لتلك المنظمة علينا، أن واحدا من كل ثلاثة منا، دفع مبلغا من المال لمسؤول حكومي كبُر أم صَغر، لقضاء أمر ما، واعتبروا ذلك رشوة، بينما نحن نسمي مثل ذلك المبلغ "إكرامية" وهي كلمة فيها عناصر الكرم والتكريم.

وأهل الغرب يشربون الخمر في الحانات، ثم يقدمون للنادل/ الجرسون مبلغا ماليا إضافيا فوق سعر الخمر الذي يطفحونه، ويعتقدون أن ذلك قمة الذوق والتهذيب. يا أولاد الذين، النادل يقدم لكم سائلا يذهب العقل والعافية، وقد يؤدي شربه إلى ارتكاب جريمة، فلماذا تكافئونه على ذلك؟ أوكي، أنتم أحرار، ومن جماعتنا من يزوركم ويدفع للنادل ما يعادل راتبه الشهري بعد شرب ماء الشعير أو ماء العنب أو عصارة البصل (الويسكي)، ولكن لماذا تسمون ما تقدمونه للنادل "تيب tip"، وما نقدمه نحن لموظف حكومي رشوة؟ أليس التيب (البقشيش) والإكرامية نظير خدمة ما؟ ثم أنكم تدفعون "التيب" نظير خدمة استفدتم منها سلفا، ونحن ندفع الإكرامية كعربون لنيل الخدمة، فمن منا الأعقل؟

مثلا: أريد الحصول على مستند يثبت أن بيتي الذي شيدته وأقيم فيه منذ ثلاثين سنة ملكي، لأنني أعتزم بيعه، أليس من حق فريق الموظفين الذين سيبذلون جهدا خارقا لتزويدي بذلك المستند المهم، والذي سيعود علي ببعض المال، أن يحصلوا على عربون، أخذا في الاعتبار أن بعض أولئك الموظفين من مستحقي الزكاة، لأنهم يتقاضون رواتب لا تكفي حتى للتغذية الوريدية، لأكثر من "جلستين"؟

يا جماعة، حكوماتنا خيرية، ولها جهود مقدرة لحل مشكلة البطالة، ولهذا تسند مهام الوظيفة الواحدة لنحو عشرة أشخاص، ولا يقوم بتلك المهام سوى اثنين أو ثلاثة منهم، فما البأس في أن يتقاضى من يقومون بتصريف الأمور حوافز إضافية من الجماهير؟ سأعطيكم مثالا يا جماعة الحرية والشفافية والرفاهية وحقوق الإنسان على أنكم تتعمدون الإساءة إلى بعض حكوماتنا: ألستم من أتى بنوري المالكي رئيسا لحكومة العراق لولايتين؟ فماذا عمل لتعزيز الأمن والاستقرار في بلاده؟ أتحداكم أن تأتوني بإنجاز إيجابي واحد له.

طبعا سيجد الأوربيون والأمريكان الأعذار للمالكي، ويقولون إنه يعاني من اضطراب نفسي سبب له ازدواجية في الولاء (عواطفه موزعة بين بغداد وطهران)، وازدواج الشخصية، لأنه كان يسمى "جواد" قبل وصوله إلى كرسي الحكم، ثم صار "نوري" بعد أن تسلم مقاليد السلطة، ولماذا نوري بالتحديد؟ عليك نور... لأنه اسم يوحي بحسن الفأل والأمل.

وجواد/ نوري المالكي هذا، شكل جيشا ضخما، ولكنه جعل القتال فيه بحكم صلاة الجنازة: إذا قاتل البعض سقط القتال عن الباقين، ولهذا لم ير بأسا في أن يضم الجيش 150,000 من الجنود الأشباح: عساكر على الورق، وليس على الأرض، يتقاضى رواتبهم "وكيلهم"، ولهذا قرر الجنود الحقيقيون أنهم يظلمون أنفسهم وعائلاتهم إذا اشتركوا في عمليات قتالية ضد "داعش"، فافتدوا أرواحهم بالدبابات والراجمات والذخائر التي سلموها لهذا التنظيم، وقرأت تقرير منظمة الشفافية الدولية للأعوام 2013 و2014 و2015 ولم أجد فيها ذكرا لنوري التعيس هذا، ولكنها تحدثت عاما تلو عام عن الفساد المؤسسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لأن موظفين صغارا يتقاضون إكراميات نظير خدمات جليلة يقدمونها للمواطن، ولأن موظفين كبارا يتقاضون عمولات نظير تنفيذ مشاريع لخدمة المواطن، فلماذا عمولات جماعتنا "رشا" وعمولات الغربيين "كوميشن"؟

أتركونا في حالنا، يا من تسمون مصر وسوريا واليمن دول الربيع العربي، ولم تتدخلوا عسكريا إلا في ليبيا لأن فيها الزبدة، ولو أردتم الحديث عن الشفافية بمعناها الإيجابي هاتوا "أتخن رأس" عندكم، ليجلس مع أصغر صحفي عندنا في مناظرة، وسنرى من الذي يتستر بثوب شفاف فاضح، ويستر المفضوحين.
1
التعليقات (1)
محمد من هزلندا
الأحد، 08-05-2016 06:28 م
الله عليك يا استاذ جعفر. بسطت وكشفت لهم المستور عنهم... فهل يتعظون يا ترى...