نشرت صحيفة "صندي تايمز" تقريرا لمراسلها تومي ترينشارد، يصف فيه مأساة العرب
السنة في
العراق.
ويقول الكاتب: "في وقت متأخر من صباح ما تبقى من قرية
بشير شمال العراق، ساد صمت ثقيل معلق في الهواء، كانت بلدة يسكنها خمسة آلاف نسمة، لكنها اليوم بلدة أشباح. وفي كل جانب بيوت مهدمة، وأرض يباب من أنقاض العمارات والزجاج المهشم والبيوت المتصدعة، وبين أنقاض محطة مياه القرية أنابيب معوجة بطريقة غريبة، ودمية طفل ملقاة على الأرض، حيث تحرق الشمس جلدها البلاستيكي".
ويشير ترينشارد إلى أن دليله كان من قوات الأمن، حيث أرشده بين الجدران المتداعية والمحلات المنهوبة والأعلام المرفوعة، للقوات الكردية والمليشيات الشيعية، التي قامت بطرد مقاتلي
تنظيم الدولة هذا الشهر، الذي سيطر منذ هجومه السريع على البلدة في منتصف عام 2014.
وتعلق الصحيفة بأن "مصير بلدة بشير يقدم إشارات لما سيصيب مدينة
الفلوجة، في حال استطاعت القوات العراقية استعادتها، كما ويطرح سؤالا عن مصير السكان السنة في المناطق (المحررة) من قوات متنافسة في بلد تستشري فيه الطائفية".
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن وليد مهدي، الذي قاتل في المعركة ضد التنظيم، قوله إن الجهاديين بدأوا بتدمير البيوت وتفخخيها قبل عشرة أيام من المعركة، مستدركا بأنه رغم أنهم أعادوا التمترس في غربها، إلا أن حضورهم كان واضحا في بيوت بشير، من خلال المفخخات والقنابل البدائية التي زرعت لإبطاء تقدم القوات، وجعل القرية غير صالحة للسكن.
ويقول الكاتب: "نصحني الدليل أن (أمشي بحذر على الأرض الصلبة)، محذرا من أن التراب والأنقاض قد يخفيان وراءهما ألغاما".
ويذكر ترينشارد أنه شاهد غرفة في بيت لم يصبه أذى، تحتوي على حاويات صغيرة مفخخة، ويعلق قائلا إن "العودة ليس خيارا للذين هربوا منها، وقد يحاول البعض منهم القيام بالرحلة الخطيرة عبر البحر، والوصول إلى أوروبا، لكن الكثيرين منهم سينتهون في مخيمات النازحين العراقيين، التي يزداد عدد ساكنيها يوميا، وقد يجد البعض سكنا مع أقاربهم، فيما سيسكن آخرون البيوت المهجورة، أو يحتمون في خيام اللاجئين".
وتورد الصحيفة نقلا عن شيرين ليلى رشيد حديثها عن والديها العالقين وراء خطوط تنظيم الدولة، حيث تقول إنها لم ترهما منذ عامين.
وينقل التقرير عن توم روبنسون من منظمة "أوكسفام"، قوله: "في العراق نواجه أكبر كارثة لجوء في التاريخ الحديث"، مشيرا إلى أن المؤسسة البريطانية تقيم معسكرا في بلدة دباغة، حيث وصلها مئات من العائلات التي هربت من القرى المحيطة بالموصل.
ويلفت الكاتب إلى أن "الحرب ضد تنظيم الدولة كانت بطيئة، إلا أن آثارها على المدنيين كانت كارثية، وبالنسبة للسنة، فإن الخوف ليس من تنظيم الدولة، ولكن من الاضطهاد الذي سيواجهونه على يد القوات الكردية والمليشيات الشيعية".
ويقول ترينشارد: "في كل مكان زرته في شمال العراق وشرقه، سمعت القصص ذاتها من السنة، عن تعرض أبناء طائفتهم للتحرش والمضايقات والاعتقال، وأحيانا القتل؛ بتهمة التعاطف مع تنظيم الدولة".
وتنوه الصحيفة إلى أنه قرب اسطبل، وصفت أحلام محيي (35 عاما) كيف هربت وعدد من السنة من بلدة جلولاء، التي سيطر عليها تنظيم الدولة؛ لاتهامهم بالتعاطف معه، وساروا لثلاثة أيام يدقون على الأبواب طالبين الملجأ، حتى وجدوا اسطبلا قديما، وتقول محيي: "بعد أسبوع من وصولنا، وصلت البيشمركة، واعتقلت زوجي و18 شخصا"، مشيرة إلى أنهم لا يزالون مسجونين في السليمانية، ولم يتم تقديم أي سبب لاعتقالهم.
ويفيد التقرير بأن تقرير لمنظمة "أمنستي إنترناشونال" كشف عن أن البيشمركة والمليشيات الشيعية قامت "بجرف آلاف البيوت وتفجيرها وحرقها، في محاولة لتهجير العرب؛ بتهمة التعاطف مع ما تطلق على نفسها الدولة الإسلامية".
وتختم "صاندي تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الانقسام العراقي لا يزال عميقا، حيث إن هناك من يرى أن الحرب ضد تنظيم الدولة هي التي تجعله متماسكا، وتقول محيي: "ماذا يقدم لنا العراق؟ الحياة التي نواجهها صعبة.. لا راتب لدينا ولا حتى أرض، نحن متعبون".