كلمة الحق لم تترك لنا صديقا!
ما أصعب أن تقول كلمة الحق في الأيام العادية، في أيام الراحة والسلام والدعة، أما الجهر بكلمة الحق في أوقات الاحتقان والاستقطاب، في أوقات الاقتتال الأهلي، فهو أشبه بدخول الجحيم برجليك اختيارا.
في كل شبر عش دبابير، في خطوة لغم، في كل فنجان قهوة سم، ومع كل ابتسامة حقد خفي، ومع كل سلام خنجر مسموم خلف ظهر مصافحك.
قلة من الناس يستطيعون أن يقولوا كلمة الحق في الأوقات العادية، أما الذين يقولونها في الأوقات الصعبة التي ذكرت فيهم صفوة الصفوة، ما أقل هؤلاء، إنهم من يشهدون بالحق ولو على أنفسهم والأقربين، ويقبلون بالعنت والضيق في أرزاقهم من أجل أن يضيئوا شمعة تنير الطريق للبسطاء.
ما زال الإعلام المضاد للانقلاب يتخبط بين كلمة الحق، وبين إرضاء الغوغاء!
ما زال إعلام اسطنبول يتعثر بين رسم طريق الثورة الحقيقي الذي يسقط الانقلاب، ويهدم نظام الظلم، وبين الأجندات الخاصة، والأحقاد الشخصية، والمصالح المادية.
كنت قد نويت أن أكتب في هذا الموضوع، ولكني وجدت كاتبا أمهر مني قد كتب كل ما أريد أن أقوله، لدرجة لا أستطيع معها إلا أن أقتبس مقالته كاملة، كما هي.
إنها مقالة لكاتب قال كلمة الحق، قالها في وقت من أصعب الأوقات، ولم يبال بمن يرضى أو يغضب.
إنها مقالة الأستاذ محمد طلبة رضوان، وعنوانها (فليقل نفاقا أو ليصمت).
عزيزي القارئ.. أدعوك لقراءة هذه المقالة الرائعة:
(ما المطلوب إذن؟
أن يقرأ الناس ما يريدون، أن يسمعوا ويروا ما يشتهون، أن تمسك العصا من المنتصف، حتى لو لم تضرب بها، فذلك أفضل، لسمعتك ككاتب، لتصنيفك كمثقف، لمصلحتك المادية كمذيع!
السؤال لي، والإجابة لأحد الأصدقاء الذين لا أشك في اخلاصهم، لي أو للقضية!
*** *** ***
ما الذي يريد أن يسمعه الإخوان؟
ما يرضيهم..
وما الذي يرضيهم؟
ما يرونه، حتى لو انفردوا به عن العالمين..
وماذا لو لم يكن ذلك رأيي، وما استقر في ضميري، وما انتهى إليه بحثي، وما أراه في صالح البلاد، والعباد، ومنهم، وربما أولهم، الإخوان أنفسهم؟
فليحترق بحثك، وضميرك، للنجومية هنا، في إسطنبول، قواعد محددة، زايد على كل من يخالف الصوت الأعلى في الإخوان، اصرخ في وجه الجميع، الشرعية، دونها الرقاب، الدم، تشكيلة معتبرة من السباب والشتائم للسيسي، بالأم، والأب، وسوف تبلغ الآفاق، ستتحول من إعلامي مغمور، إلى واحد من نجوم الصف الأول، ولو أردت المزيد، خدر أعصابهم: مرسي راجع، الانقلاب مؤامرة على الإسلاميين، وليس على الثورة، العالم كله يخشانا،
التيار المدني عميل، انقلابي، العلمانيون يحقدون على دين الله، مشكلتهم ليست معنا إنما مع الإسلام، الله أكبر، إلى الأمام، ثم ماذا؟
مبارك، صرت نجما وبطلا، وأكثر إسلامية لديهم من كل مخالفيهم من الإسلاميين العقلاء، حتى لو كنت لا تركعها، العبرة بموقفك الإيجابي من خرافاتهم!!!
على الجانب الآخر، يحذرني صديق عزيز: أعرف أنك لست مؤدلجا، إلا أن أفكارك عن الدولة تجعلك أقرب إلى التيار المدني، سوابقك، خبراتك، تجاربك، أصدقائك، لا تخسر كل ذلك من أجل الدفاع عن حقوق الإسلاميين الذين لم يدافعوا يوما عن حقوق غيرهم؟
لماذا تكتب عن حسام أبو البخاري مقالا متعاطفا؟ ما الذي يضيرك لو سكت، لو دعمته ضمنا مع كل المعتقلين والسلام؟
يا أخي اخرس، لماذا تتصدر إلى الدرجة التي يصنفك البعض فيها إخوانيا، أو حتى إسلامويا، دعهم وشأنهم، يحترقوا!!!
*** *** ***
ما الذي يريد أن يسمعه التيار المدني؟
التضامن الشللي، استثناء الإسلاميين، التعامل مع أفكارهم باحتقار، السخرية من مرسي، معاملته معاملة مبارك والسيسي، ترديد شعارات ساذجة ومجحفة مثل "يسقط كل من خان عسكر فلول إخوان"، مساواة مقاوم أخطأ، بمجرم أصاب، ثم ماذا؟
تصبح نجمهم!!!
*** *** ***
الجميع لا يريد سوى نفاقا، مجاراة في كلام فارغ، أو هكذا أراه، لنقل كلاما لا أراه، لا أنطق به، حقيقة، الجميع يريد مخدراته، مسكناته، جرعاته، لا أحد يريد منك إضافة، المتن مكتوب، جاهز، معلب، ما عليك سوى التوقيع في كشف الحضور، أن تقف في الطابور، خلف من اخترت أن تأكل من ورائه عيش، فلتحترق القضية بجاز، القضية لن تنفعك حين تفقد موقعك على الشاشة، ليس ببعيد، الجماهير لا تريدك، "الكيف غلاب"، "كرفك مش عالي"، لا تسلطنهم، لا تمنحهم من المقدمات النارية، والمؤخرات السياسية، ما يشفي غليلهم، ويشبع شبقهم، فلتذهب إلى الجحيم مع العلمانيين الفجرة الانقلابيين!!!
الآخرون أيضا يفعلون، العقلية هي هي، وحدها الأقنعة تتنوع، سيقرأونك ليسبونك، سيمنحونك ألقاب مثل: مايع، إخواني مستتر، من "بتوع أبو الفتوح"، أي هري، والحاصل: لا تقرأوا لهذا الكاتب والغوا فيه، خشبة في عجلة التاريخ، انتهى.
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، كم هي الآية عظيمة، تذكرت وأنا أعيد قراءتها مقولة لم أتذكر صاحبها، لعله الإمام محمد عبده، سألوه من هو أفضل من فسر القرآن؟ فأجاب: الزمن!!!
تجاربنا/ أرصدتنا/ ومصائبنا في آن، ماذا نريد بعد خمس سنوات من المخاض الصعب؟ أن نتحول إلى نسخ مكررة من "ألاضيش" مبارك، سيساوية برخصة ثورية، مستهلكون للثورة الجاهزة؟!!! أم ماذا؟
هذه الثورة تحتاج إلى النقد أكثر مما تحتاج إلى الهتافات، وكثرة الأيادي المرفوعة، والمبادرات، والمشاريع الوهمية، هذه الثورة تحتاج إلى أن نقرأ ونسمع عن أداءاتنا ما يوجعنا، لا ما يريحنا، ويثلج صدورنا، ويوهمنا أن الحل عند أطراف أيادينا، وأن النصر قادم، وأن الله سيمنحنا إياه كرامة للشهداء، أو للمساجين، أو لـ"أم هاشم"، هذه الثورة تحتاج إلى الجَلد لا إلى "لطبطبة"، وإذا كان الثمن هو كل هذا الصلف في التعاطي، والأخذ، والرد، والمزايدات الرخيصة، فما أهونه، "مكملين"، صار شعارا نرفعه في وجه رفاقنا قبل السيسي ورجاله، فاللهم أعنا على من هم منا، أما العسكر فنحن كفيلون بهم!!)
****
انتهت مقالة محمد طلبة رضوان.. وأني أكرر بكل ثقة.. لن نقول نفاقا، ولن نصمت!
سنظل نقول كلمة الحق، ضد الأقربين والأبعدين، سنقول كلمة الحق ولو على أنفسنا، سنقولها ولو كان الثمن حياتنا وأرواحنا.
عاشت
مصر للمصريين وبالمصريين..
عبد الرحمن يوسف
موقع إلكتروني: www.arahman.net
بريد إلكتروني:
[email protected]