كتاب عربي 21

أربعة مسامير في النعش الانقلابي المصري

محمد هنيد
1300x600
1300x600
مصر هي قلب الأمة العربية والإسلامية بلا منازع. هذه الحقيقة أدركتها كل القوى الاستعمارية التي تداولت على حكم مصر منذ حملة نابليون وحتى قبلها وإلى اليوم وهو ما جعل من الرهان على القاهرة رهانا على كل المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج. 

يجد هذا التوصيف أسسه الصلبة في الأثر الخطير الذي أحدثه الانقلاب العسكري الدامي في صائفة 2013 على مجمل ثورات الربيع العربي السلمية وعلى المسار الذي كان يمكن أن تسلكه. فالانقلاب المصري هو الذي سمح بتشجيع الانقلابيين في ليبيا من بقايا عسكر القذافي وهو الذي دفع في نفس الصائفة بقوى الدولة العميقة من بقايا يسار "بن علي" إلى تنفيذ اعتصام الرحيل المضمخ بدماء الشهداء من المناضلين ونجحوا في إسقاط الحكومة وفي الانقلاب الناعم على المسار الثوري.

الانقلاب المصري هو الذي ساهم بشكل كبير جدا في تحويل الثورة السورية إلى حرب إبادة جماعية وهو الذي أجهض الموجة الأولى لثورات الربيع السلمية وذلك بأن شجعت قابليةُ المشهد المصري للانقلاب الدولةَ العربية العميقة على التنكيل بالثورة والثوار. الانقلاب المصري هو نقطة الإشارة التي أطلقها الوكيل الاستعماري العسكري في مصر من أجل وأد ربيع العرب وذبح مطالبه بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. 

لكن إنجاز الانقلاب من جهة والتمكين له أمران مختلفان مثل الثورة والتمكين للثورة حيث أثبت الربيع العربي أن الإنجاز أسهل بكثير جدا من المحافظة على المُنجَز. فرغم التباين الكبير بين المُنجز الشرعي من ناحية والمنجز الانقلابي من ناحية أخرى فإن كلا الأمرين يتطلبان جهدا كبيرا جدا للمحافظة عليهما والتطبيع معهما. 

رغم كل ذلك فإن خاصية فارقة وحيدة تميّز بين الحدث الثوري والحدث الانقلابي وهي الخاصية التي تسمح بتجدد الأول وتمنع استمرار الثاني أي أنها تسمح بتجدد الفعل الثوري لكنها تمنع استمرار الفعل الانقلابي وتواصله. 

هذه الخاصية هي "مبدأ طبيعية الحركة" وهي المحدد الداخلي للفعل الإنساني عموما والاجتماعي الحضاري بشكل خاص. 

فالفعل الثوري هو فعل طبيعي ناجم عن شروط داخلية طبيعية دفعت مجموعة إنسانية ما إلى الحركة وإلى إسقاط النظام لأنه وصل إلى مرحلة نهاية الفعل وبذلك تكون الثورة كما هو حال ثورات الربيع الأخيرة استجابة طبيعية لشروط داخلية حتمت في مرحلة تاريخية من عمر الأمة إنجاز الفعل الثوري. 

الفعل الانقلابي هو فعل مخالف للطبيعة لأنه ناجم عن شروط خارجية صناعية وغير طبيعية دفعت مجموعة مسلحة عامة إلى رد الفعل على حركة طبيعية سابقة وإلغائها لأنها نجحت في الوصول إلى السلطة والحكم وهو حال كل الانقلابات التي عرفتها منطقة الربيع العربي مؤخرا. 

بناء على ما تقدم فإن الانقلاب المصري بدأ في وضع مسامير نعشه الانقلابي باكرا ونقصد بالمسامير مجموع الأسباب والشروط التي ستؤدي إلى انهيار الانقلاب وسقوطه قريبا وقريبا جدا لا بمعنى القرب الزمني فقط بل بمعنى تواتر الشروط التي ستؤدي إلى موت الانقلاب ووصوله إلى مرحلة العجز عن مواصلة الفعل.

يتمثل أول مسامير النعش الانقلابي في عملية تنفيذ الانقلاب نفسها بما هي منجَز ضد طبيعة الفعل وهو بهذه الخاصية يحمل شروط فنائه في داخله لأنه فعلٌ قام بالقوّة القاهرة ضد طبيعة الأشياء ومسارها العادي.

ثانيها هي مجموع المجازر التي ارتكبها النظام الانقلابي في حق المدنيين العزل من أبناء شعبه وفي حق الشرعية عبر ما شاهدنا من مذبحة رابعة والنهضة وجرائم الموت والتعذيب المتواصلة يوميا في كل السجون المصرية ومراكز الإيقاف التي لا تختلف كثيرا عن مراكز الاعتقال النازية. 

ثالث هذه المسامير هو تحالف الانقلاب مع ألد أعداء أمته متمثلا في الكيان الغاصب بفلسطين وتنسيقه معه بشكل علني مباشر سواء في سيناء أو في غزة أو حتى في الداخل المصري متحولا بذلك إلى وكيل استعماري علني يضع مصر تحت الوصاية الصهيونية المباشرة ويحوّلها من دولة الطوق المقاوم إلى دولة متواطئة تمثل امتداد للمشروع الاستعماري على الأرض العربية. 

أما رابع مسامير النعش الانقلابي وأشدّها إحكاما فتتمثل في الانهيار المريع لنظام العدالة المصرية بشكل تحولت معه مصر إلى أضحوكة باكية في كامل الوطن العربي بل وفي العالم بأسره. فإذا كان العدل هو مطلب الثورة ومطلب التغيير المركزي فإن إسقاط هذا المطلب والانقلاب عليه هو جوهر الحركة الانقلابية وهدفها الأساسي.

من كان يصدّق مثلا أن تصدر أحكام بالإعدام في حق أطفال لم يبلغوا سنّ الرشد؟ ومن كان يصدّق أن يتحوّل القضاء بما هو الضامن لحق الفرد والمجموعة إلى سيف مسلط على رقاب الأحرار ومشرّع أساسي للظلم؟ كيف تسجن صبايا في عمر الزهور فقط لأنهنّ تظاهرن ضد الباطل؟ من يحمي الإنسان المصري الفقير من جرائم العسكر والشرطة والبلطجية وكل العصابات المرتبطة بهم؟

إرهاب نظام الانقلاب القمعي في مصر لم يقف عند هذا الحد وها هو يتقدم نحو وضع المسمار السادس في نعشه الكبير حيث تحوّل العسكر إلى جزء أساسي من محركات الفوضى الإقليمية على مستويات عديدة خاصة بعد تحويل العقيدة العسكرية المصرية من "ضمان حدود الوطن وسيادته ضد الكيان الصهيوني الغاصب" إلى "محاربة الإرهاب" بما هو تنفيذ لأجندة صهيونية تهدف إلى تصفية المقاومة وعناصرها. 

تسبب النظام الانقلابي كذلك في تمديد الفوضى غربا نحو الجوار الليبي بدعم الجنرال الانقلابي هناك ومساندة المجموعات المتطرفة سرا وعلنا عبر المال الخليجي الفاسد والداعم للانقلاب على ثورات الشعوب.

لقد صار النظام المصري مهددا أساسيا للروابط التي لا تزال تجمع الدول العربية الشقيقة بعد تحويل علاقة الرئيس الشرعي محمد مرسي بدولة قطر العربية المسلمة إلى تهمة توجب أحكام المؤبد والإعدام في سعي صريح إلى ضرب مجلس التعاون الخليجي وإثارة ردود أفعاله. 

إن هذا التقدم نحو الهاوية لن يجرّ النظام العسكري والعصابة المرتبطة به إلى حتفهما فحسب بل سيجرّ دولا أخرى إقليمية ساعدته في تنفيذ الانقلاب أو صمتت عليه بشكل متواطئ. 

إن مجلس التعاون الخليجي بما هو المكوّن العربي والإسلامي الأصلب قادر اليوم على إيقاف المهزلة المصرية ووضع حدّ لمغامرات العسكر التي تحولت في جزء كبير منها إلى عنصر وظيفي مباشر في المشروع الإيراني الذي يستهدف أول ما يستهدف أرض الجزيرة العربية وبلاد الحرمين بشكل خاص عبر إضعاف محيطها الرخو مثلما فعل سابقا في العراق ويفعل اليوم في سوريا واليمن قبل أن ينفذ فيها مشروعه الإجرامي وحلمه الإمبراطوري القديم. 

 
6
التعليقات (6)
Dr. Walid Khier
الجمعة، 24-06-2016 04:43 م
الأخ قارئ: الثوره المصريه لم تكن ثوره بالأساس، و لكن كانت احتجاجات شعبيه استغلها العسكر لإيقاف مشروع التوريث، ثم تطورت نتيجة الضغط الشعبي ومحاولات مبارك لمقاومة الإنقلاب عليه إلي عزله و تقويض أركان دولته العميقه. و بما أن الجيش قد تورط فيما أسماه ثوره فكان لابد من إكمال التمثيليه لنهايتها بعمليه ديموقراطيه أرادوا لها أن تكون شكليه زائفه، و نتائجها تحت السيطره. و لكن الصراعات الداخليه في الجيش و أرادة الله سبحانه و تعالي قبل كل شيء جعلت الجيش يضع الإخوان في مواجهة فريق مبارك (شفيق/سليمان). فجاء محمد مرسي رئيساً شكلياً دون صلاحيات و لا مجلس شعب لتظل الأمور فعلياً في يد المجلس العسكري...و للحديث بقيه طبعاً و لكنه ليس صلب الموضوع. أما في سوريا فما تم كان ثورة شعب متكاملة الأركان إنقض عليها النظام بدولته العميقه و جيشه و عصابته، فتحولت إلي حرب أهليه ثم إلي الوضع المأسوي الذي آلت إليه. فما تم في مصر كان صراع الباطل ضد الباطل بأسهام ثانوي للحق، بينما في سوريا نجد صراع ألحق ضد الباطل و ندعو الله أن ينصر الحق و أهله.
محمد الاسكندرية
الجمعة، 24-06-2016 12:29 م
فعلا لديك كل الحق فمصر مسئولة عن ظهور داعش والمجازر بين السوريين وبين الليبيين وبين اليمنييين وذوبان الجليد فى القطب الشمالى وخروج بريطانيا من الاتحاد الاوربى وخروج البرازيل من كوبا اميريكا فنعتذر لكل دول العالم واتمنى النشر
محمد
الجمعة، 24-06-2016 10:22 ص
أخي الفاضل قارئ لك في البداية كل التحية والتقدير وأحييك على سؤالك. الثورة المصرية كانت الثورة الأساسية في الموجة الثورية الأولى وهي الموجة التي تميزت بسرعتها وطابعها المفاجئ الذي لم يكن أحد يتوقعه لهذا نجحت بسرعة البرق مثل الثورة التونسية. بدءا بالثورة الليبية أخذت الدولة العربية العميقة والقوى المتآمرة تتربص بالثورات وتحولها إلى حرب أهلية انطلاقا من الثورة الليبية الطويلة التي حسمت بالسلاح. الثورة السورية جاءت في سياق إقليمي ودولي تتقاطع فيه المصالح العالمية وكان القرار هو التضحية بالشعب والثورة والوطن على أن تنجح ثورة مشرقية تفتح باب الحرية والعدالة للشعوب واتفق الكبار على ذلك بتواطؤ الأنظمة العربية العميلة. أتمنى أن أكون قد أجبت عن بعض السؤال فأنا مجتهد مثلك والعلم لله وحده. طاب يومك وبار ك الله فيك وأكرمك وحفظ مصر والأمة من كل شر وسوء
قارئ
الجمعة، 24-06-2016 05:00 ص
الأستاذ محمد هنيد المحترم .. الملاحظات على المقال كثيرة والأسئلة أكثر ولكن سأكتفى بسؤال واحد وأثق فى ضميرك وصراحتك ومصداقيتك أمام الله أولآ ثم أمام القراء .. الثورة السورية قامت فى أوائل 2011 وثورة 30 يونيو 2013 أى عامان منهم عام كامل كان الحكم فى مصر للدكتور محمد مرسى والإخوان .. والسؤال هو لماذا طوال عامان لم تنتصر الثورة السورية وثورة مصر إنتصرت فى أحد عشر يومآ ؟ سألتزم بكلامى ولن أسرد باقى الأسئلة .. مرة أخرى أثق بضميرك وإجابتك ستكون معك يوم الحساب .. تقبل تحياتى .
مصري
الخميس، 23-06-2016 07:29 م
ياسيدي السؤال لغير الله مزله ، ولن يغير الله قوما حتي يغيوا مابأنفسهم ، وعلينا أن نغير بأيدينا نحن وليس بأيدي الخليجيين أو غيرهم وارجع إلي صور بعض حكامهم المشاركين في بطولة الفروسية في بريطانيا وقل لي ماذا تري بحق ؟