كتاب عربي 21

زيكا في بلاد السامبا والمزيكا

جعفر عباس
1300x600
1300x600
بعد شهر وبضعة أيام، تبدأ دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو في البرازيل، حيث عدد المصابين بفيروس زيكا يقارب المليونين، وينتقل هذا الفيروس من شخص إلى آخر بواسطة جنس من البعوض برازيلي الجنسية، وتنقل أنثى البعوض المسماة أنوفيليس طفيل الملاريا من شخص مصاب إلى آخر، بينما ذكر البعوض غير شرير وليس فيه خبث أنثاه، أما البعوض الناقل لزيكا فذكره مثل أنثاه وهو موجود في أماكن متفرقة من الأمريكتين وآسيا وأفريقيا، ويصنف بالعربية بالبعوض الزاعج (منه صنف يحمل الجنسية المصرية ولكنه ابن ناس مقارنة بالصنف البرازيلي).

بصفة عامة، فإن زيكا يسبب الحمى وآلام المفاصل والبثور الجلدية التي يمكن علاجها في معظم الأحوال، ولكنه خطر على الحوامل، فإذا أصيبت به امرأة حبلى، فإنها في غالب الأحوال تنجب طفلا يعاني من ضمور في حجم الراس والمخ، وأمراض مثل الملاريا وحمى الضنك والحمى الصفراء تنتقل من شخص إلى آخر عندما تشفط بعوضة دما من شخص حامل للطفيل ثم تنقله إلى شخص آخر، ولكن فيروس زيكا ينتقل أيضا بالاتصال الجنسي.

وحتى مستر بين Bean يعرف أنه من المؤكد أن ألعاب ريو الأولمبية التي سيشارك فيها نحو عشرة آلاف رياضي وسيشهدها نصف مليون زائر من خارج البرازيل، ستوفر للبعوض الزيكاوي فرصة/ ميدالية ذهبية لنشر الفيروس في كل القارات، ولكن اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية قالت إن شهر آب/ أغسطس الذي ستقام خلاله المنافسات الأولمبية يتسم بالبرودة وإن البعوض لا يتناسل ويتكاثر في الطقس البارد.

وهذا كلام يرفضه مستر بين لأن الأطلس يؤكد أن خط الاستواء يمر بأجزاء من البرازيل ولا يوجد شيء اسمه طقس بارد في أي بلد قريب من خط الاستواء، وبما أنني من بلد يعتبر في طليعة الدول المنتجة للبعوض (السودان) فإنني أعرف أن البعوض ينشط في الأجواء الباردة والمعتدلة، لأن حرارة شمس الصيف تهرس بيض ويرقانات البعوض في البرك والمستنقعات، فتمنعها من إكمال دورة حياتها، ولكن من الواضح أن اللجنة الأولمبية معنية بالإيرادات المليارية وليس بما ستعاني منه البشرية.

لا بأس. فهناك هيئة الصحة العالمية، التي ترصد الأوبئة وتطلق التحذيرات وتتصدى لمحاربة الأمراض شديدة العدوى، قبل أن تستفحل وتصبح عابرة للقارات، ولكن وفيما يتعلق بزيكا ودورة البرازيل الأولمبية فإن هذه الهيئة آثرت "التقيّة"، وقالت إن فيروس زيكا سينتقل من بلد إلى آخر بسبب الألعاب الأولمبية وبدونها، ونصحت الذين يعتزمون السفر إلى ريو في آب/ أغسطس بالاحتياط باستخدام المبيدات الحشرية وارتداء ملابس من الرأس إلى القدم تكون فاتحة اللون (وعندما ترتدي نساؤنا الملابس المحتشمة يصبح الأمر قضية تناقشها البرلمانات وتصدر بشأنها الفرمانات)، ونصحت النساء الحوامل باجتناب البرازيل.

ولأن هيئة الصحة العالمية فيها الخير وفاعلة خير، ولأنها تعرف أن البرازيل بلد ترقص بناتها السامبا في الشوارع وهن لابسات من غير هدوم تقريبا، كما أنهن "ع الهبشة"، وبما أن فيروس زيكا ينتقل مثل الإيدز عن طريق الاتصال الجنسي، فقد قررت مشكورة توزيع نصف مليون واق ذكري على جمهور الأولمبياد ليمارسوا "التواصل الجماهيري" الحميم دون خوف من الإصابة بالفيروس، ثم نصحت من سيشهدون دورة ريو الأولمبية بهجر المضاجع الزوجية وغير الزوجية، لأربع أسابيع بعد انتهاء الدورة.

بروفيسور أمير أتران من جامعة أوتاوا الكندية، كان ضمن مجموعة من علماء الصحة ومكافحة الأوبئة الذين أصدوا مذكرة يطالبون فيها بإلغاء أو تأجيل أولمبياد ريو، لمنع انتشار زيكا في مختلف البلدان. ويقول أتران إن الزعم بأن حالات الإصابة بزيكا ستتضاءل إذا صار الطقس معتدلا في البرازيل في آب/ أغسطس المقبل، باطل تماما، لأن حالات الإصابة بحمى الضنك التي تسببها البعوضة الزيكاوية نفسها، ارتفعت في البرازيل بنسبة 600% خلال النصف الثاني من عام 2015، وهو النصف الذي يقع فيه شهر أغسطس.

مارغريت تشان ظلت المدير التنفيذي لهيئة الصحة العالمية منذ عام 2006، وهي التي قالت عند ظهور إنفلونزا الطيور (سارس)، إنه نزلة شعبية عادية وإن كانت أعراضها "قوية"، وهي التي أيضا استخفت بالإيبولا، وربما كان هذا كله ناتجا عن سوء تقدير، ولكن موقف الهيئة السلبي تجاه زيكا فيه "إنّ" أكثر من مواقفها تجاه وبائيات أخرى، لأن الهيئة موقعة مع اللجنة الأولمبية الدولية على مذكرة تفاهم (اقرأ "رعاية") منذ عام 2010، ولا بارك الله في من نفع واستنفع في مثل هذه الحالات، لأنه نفع – مجازا - لفئة محدودة وفيه ضرر شديد لملايين البشر.

وأنصح الاتحادات الأولمبية العربية بعدم المشاركة في أولمبياد ريو وما يتلوه من أولمبيادات لأن أداء لاعبيها يسبب لنا كجماهير اضطرابات نفسية وهضمية، و"مو ناقصين" كي يجلبوا لنا زيكا من أمريكا (ولو كانت الجنوبية).
0
التعليقات (0)