كتب مراسل شبكة "سي أن أن" الأمريكية تيم ليستر تقريرا، يقول فيه إن
تنظيم الدولة بات ينفذ هجوما كل 84 ساعة، وينشر القلق والخوف في
أوروبا.
ويقول الكاتب إنه شاهد الأسبوع الماضي ورودا وشموعا غطت شارعا في مدينة بافارية صغيرة مثل السجاد، بعدما هز هجوم انتحاري البلدة، مشيرا إلى أن قسا كبيرا في العمر قتل في بلدة ريفية في فرنسا، وقبل هذه الأحداث قام مهاجر يحمل سكينا بالهجوم على ركاب في قطار ألماني، بالإضافة إلى
الهجمات القاتلة في نيس وبروكسل، وقبلها في باريس.
وتنقل الشبكة عن تقرير لمركز استخبارات "إنتلسينتر"، قوله إن هذا العام شهد عددا من الهجمات المتزايدة المنسوبة لتنظيم الدولة في أوروبا وتركيا والولايات المتحدة وأندونيسيا وبنغلاديش، ويضيف المركز، الذي يقوم بمتابعة الهجمات الإرهابية، أن أوروبا شهدت منذ 8 حزيران/ يونيو هجوما كل 84 ساعة نفذها التنظيم، أو استلهمها المنفذون من دعايته.
ويعلق التقرير قائلا إن "متابعة شبكة (سي أن أن) تدعم هذه النتيجة، حيث لاحظ المركز أن أكثر من نصف هذه الهجمات حدثت في مراكز صغيرة بعيدة عن المدن الكبيرة، ولا (تتعرض تقليديا لتهديدات تنظيم الدولة)، وأدت هذه الهجمات المتعجلة، والعشوائية، وذات التقنية المتدنية، إلى هز ثقة المواطنين الأوروبيين بالحكومات وبقدرتها على مواجهة التهديد الإرهابي، كما بددت الثقة بالنظام القضائي في الدول الأوروبية، تاركة عددا كبيرا من الرجال الخطيرين أحرارا يسرحون ويمرحون، فقاتل القس الفرنسي خرج من السجن، وسمح له بالخروج من بيته كل يوم أربع ساعات، كما أن محاولات ترحيل مهاجم أنسباتش المتكررة باءت بالفشل، ولا يزال المهاجم في ألمانيا".
ويقول ليستر: "في الأسبوع الذي قضيته في شمال أوروبا، لم يكن قلق الرأي العام بعيدا عن السطح، كما هو باد اليوم، فالذين يتصلون بمحطات الراديو في ألمانيا يعبرون عن قلقهم من زيارة مراكز التسوق، وقال أستاذ عرف أحد المهاجمين في فرنسا لـ(سي أن أن): (لم أكن أتوقع في حياتي أن يقوم شاب بهجوم في شارع سانت إيتين دو روفاري في نيس)".
ويشير الكاتب إلى أن السكان المحليين في أنسباتش، المدينة الجميلة في بافاريا، عبروا عن دهشتهم من مشهد العملية الانتحارية في المقاهي والبارات، حيث كانوا يتناولون المشروبات ويلعبون الورق، لافتا إلى أن هذه الهجمات أثارت القضايا الاجتماعية الأساسية؛ فاحترام الانفتاح والديمقراطية الليبرالية قد تبدد؛ بسبب مزيج من التطرف المسموم والجنون.
وتنقل الشبكة عن المؤسسة التي تحلل الشؤون الأمنية "فلاش بوينت بانثر" قولها إن "هناك تنسيقا كبيرا بين منفذي الهجمات الفرديين أو الخلايا غير الرسمية مع الإعلام الجهادي، بصفته وسيلة من أجل ضمان وصول الرسالة ونشرها، والتأكيد على ولائهم لتنظيم الدولة، دون الانضمام إلى صفوف التنظيم"، وتضيف أن "الرسالة المتكررة خلال السنة الماضية كانت: لا تحضروا إلى سوريا واقتلوا الكفار في بلادهم".
ويعلق ليستر بأن "هذه الهجمات أدت إلى تغذية القلق المتزايد، وأصبحت جزءا من النقاش السياسي الملتهب، وشاهدت هذا في شكله السلس والخام عند مشهد الهجوم في ميونيخ، حيث قام احد أقارب الضحايا الأتراك بإطلاق هتاف (الله أكبر)، الذي لقي سيلا من السباب من دعاة اليمين المتطرف الذين كانوا موجودين في مكان الهجوم، ما دفع الأتراك الحاضرين للرد، وقالوا: (ستكون أخواتكم الهدف المقبل)، فتدخلت الشرطة بسرعة للفصل بين الطرفين".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن استطلاعا فرنسيا جرى بعد هجوم مدينة نيس، أشار إلى أن نسبة ثلثي الفرنسيين قالوا إنهم لم يعودوا يثقون بقدرة الحكومة على مواجهة الإرهاب بطريقة فعالة، مشيرا إلى أن هذه زيادة نسبية عن العام الماضي، حيث تعرض رئيس الوزراء مانويل فال لهتافات معادية من الجماهير، التي احتشدت لإحياء ذكرى الضحايا في مدينة نيس، وتساءل الرئيس السابق نيكولا ساركوزي قائلا إن "الحكومة يجب أن تجيب عن السؤال الآتي: كيف قام أفراد ملاحقون، بمن فيهم من كانوا تحت رقابة قانونية؛ بسبب الجهاد في سوريا، وتركوا للتحرك بحرية، بارتكاب هذه الهجمات؟".
وتلفت الشبكة إلى أن فرنسا نشرت أربعة آلاف جندي في باريس، وستة آلاف آخرين خارجها، ودعا وزير حكومة بافاريا هورست سيهوفر إلى إجراءات مماثلة في ألمانيا، مؤكدة أنه حتى لو وجد 100 ألف جندي في الشوارع، فإنهم لن يمنعوا حصول هجمات عشوائية مثل هذه.
ويجد الكاتب أن "الإجابة عن سؤال ساركوزي وغيره من اليمين المتطرف، تكمن في احتجاز كل شخص يشتبه بعلاقته أو تعاطفه مع الجهاديين دون محاكمة، ولو تم العمل بهذا فإنه سيكون تحولا عن الإجراءات القانونية، التي طالما افتخرت بها الديمقراطيات الغربية، لكن الاستطلاعات التي أجرتها مجلة (لوفيغارو) وجدت أن هناك نسبة عالية من الفرنسيين تدعم إجراءات كهذه".
ويتساءل ليستر عما إذا كانت موجات المهاجرين قد أدت دورا في الإرهاب، ويرى أن الهجمات التي حصلت في شمال أوروبا قد ترجمت المشاعر المعادية للمهاجرين، مستدركا بانه رغم تأكيد وزير الداخلية الألماني توماس دي مازري أن الهجمات الأخيرة لم ترتكب على يد مهاجرين، ولا الهجمات في فرنسا، إلا أن هذا لم يغير من التصور الذي يرى أن موجات المهاجرين تركت أثرا سيئا، حيث حصل حزب البديل الألماني على نسبة 20% دعما في ميكلينبيرغ، وهي ولاية المستشارة الألمانية أنغيلا
ميركل، وذلك قبل الانتخابات المقررة في أيلول/ سبتمبر.
وينوه التقرير إلى أن ميركل أكدت أن سياسة الهجرة لن تتغير، وقالت "إننا نستطيع إدارة" موجات اللاجئين، ودمجها في المجتمع الألماني، مشيرا إلى أن قرار المستشارة العام الماضي عدم إرسال المهاجرين من سوريا والعراق ومناطق أخرى إلى الدول الأولى التي وصلوا منها، أدى إلى تدفق أعداد كبيرة منهم إلى ألمانيا.
وتذكر الشبكة أن شعار "أهلا في ألمانيا" قد علق في المجالس البلدية، وملاعب كرة القدم، وعبر عن كرم تجاه اللاجئين، الذين فروا من العنف والتعذيب، مستدركة بأن الترحيب تراجع، وأصبحت ميركل في حالة دفاع، مثل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وستواجه الناخبين العام المقبل إن أرادت الفوز بولاية مقبلة، ويقول لها الآن عدد من داخل حزبها: "لقد حذرناك"، ومن بينهم وزير بافاريا سيهوفر، ووعدت ميركل باتخاذ إجراءات قانونية مشددة من أجل ترحيل من فشلت طلبات لجوئهم، واتخاذ الإجراءات المناسبة؛ للتعرف على ملامح التشدد عند اللاجئين.
ويعلق الكاتب قائلا إن "حجم المشكلة ضخم، وبحسب الإحصائيات، التي نشرتها الحكومة الألمانية، فإن هناك حوالي 400 ألف طلب لجوء لا يزال ينظر فيها، لكن نصف هذه الطلبات رفضت، أي حوالي 170 ألفا، ولا يزالون في ألمانيا، ومن بينهم منفذ الاعتداء الإرهابي دليل محمد".
ويورد التقرير نقلا عن أمين ناصحي، الذي يقوم بدراسة الأرقام حول الهجرة في جامعة ماكسميليان في ميونيخ، قوله إن الشباب المهاجرين هم أكثر عرضة للتلاعب وعدم الاستقرار العاطفي، وأضاف: "المشكلة الرئيسة هي أن اللاجئين يواجهون وضعا حياتيا معقدا، فهم أناس لديهم تجارب وصدمات من ناحية، ولا يعرفون ماذا سيحدث لهم من ناحية أخرى".
ويخلص ليستر إلى القول إن "المشكلة الرئيسة هي المدى الذي ستكون فيه أوروبا مستعدة لتتخلى فيه عن طريقة حياتها، الحرية والحقوق المضمونة للأجيال كلها؛ من أجل مواصلة معركتها مع الإرهاب العشوائي، وكيف ستصبح فيها المؤسسات العامة قلاعا محصنة؟، وكم هو عدد المناسبات التي سيتم إلغاؤها؛ خوفا من الهجمات، في حال لم يتم توفير الأمن المناسب لها؟ وكم هي الميزانية التي ستنفق على عسكرة المجتمع وحراسته؟ وما هي صلاحيات الحكومة للاعتقال دون العودة إلى المحاكم؟ وستمدد الحكومة الفرنسية قانون الطوارئ لثلاثة أشهر أخرى على الأقل".