نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن الاتحاد العام
التونسي للشغل، المنظمة النقابية التونسية، التي راوحت، في الفترة الأخيرة، بين المطالب الاجتماعية والعمل السياسي.
وقالت المجلة في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21" إن
الحراك الاجتماعي في تونس نظم إضرابات متكررة، وصاغ مطالب كثيرة طالت كل الميادين، وهو ما أثر سلبا على الاقتصاد التونسي المتضرر من نتيجة الأوضاع المحلية والدولية.
وأشارت المجلة إلى أن النداءات التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة، منذ نجاح الثورة التونسية في كانون الثاني/ يناير 2011، للتخفيف من حدة التحركات الاجتماعية التي تقودها هذه المنظمة، لم تؤد إلى أي نتيجة.
وفي عام 2015، أعلنت هذه المنظمة عن تراكم 270 ألف يوم إضراب عن العمل في القطاع العام. وكانت أغلب الإضرابات فاشلة، ولم تحقق الهدف الذي نظمت لأجله. ودفع الضغط الذي يمارسه هذا الهيكل النقابي؛ إلى الشك في الأهداف الحقيقية التي تختفي وراء استراتيجيته.
ونقلت المجلة عن بلقاسم العياري، نائب الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل قوله: "نحن نريد تطبيق الاتفاقات المتعلقة بالمفاوضات الاجتماعية"، إلا أنه يحاول بذلك إخفاء الدور "السري" لهذه المنظمة.
ومنذ إنشائها في عام 1946، كان لـ"منظمة العمال" (اسم الاتحاد سابقا)، وريثة التقاليد النقابية الفرنسية، مواقف غير نمطية، فقد ساهمت قواتها في النضال من أجل الاستقلال سنة 1956. كما واجهت دولة بورقيبة في عام 1978 (أثناء أحداث ما يسمى بالخميس الأسود)، وقادت "ثورة الخبز" في عام 1984. ثم تحولت النقابة من حليف للحكومة إلى معارضة نشيطة، قبل أن يقوم الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي بقمع زعمائها والحد من نشاطاتها.
وقالت المجلة إن الاتحاد العام التونسي للشغل استغل فرصة الثورة التونسية، لتجعل من نفسها شريكا ملازما لجميع الحكومات، وهو ما دفعها لكسب المزيد من النفوذ. ولكنها كانت قادرة أيضا على امتلاك دعم شعبي؛ نظرا لأنها صارت تمثل الملجأ الوحيد للمتظاهرين. وهكذا نظمت أهم التحركات منذ عام 2011 في بطحاء محمد علي، حيث يوجد مقر المنظمة في تونس العاصمة.
وكشفت إحدى المدافعات عن حق الشباب من أصحاب الشهادات العليا في التوظيف؛ أنه "منذ قرار هذه المنظمة عدم النزول إلى الشوارع، بدت أصوات المحتجين مختنقة؛ لأنه من الصعب أن تصل شكاويهم دون الدعم الذي تقدمه هذه النقابة".
وبينت المجلة أنه، في الفترة الأخيرة، راجت أسئلة حول تحديد مسؤوليات الاتحاد وعواقب الاضطرابات الاجتماعية المتكررة التي يشرف عليها. فمنذ عام 2011، عارض كل الحكومات. وتمكن بفضل الضغوطات التي فرضها مع منظمة الأعراف "الأوتيكا" (اتحاد الصناعة والتجارة) من التدخل لفرض إقالة رئيس الوزراء حمادي الجبالي في عام 2012.
وكان هذان الهيكلان قد تقاربا، أو بالأحرى قد تجاوزا خلافاتهما، وتمكنا من الوصول إلى بعض التوافقات. إلا أنهما عادا في الفترة الأخيرة إلى التنازع حول قضايا كثيرة.
وأضافت المجلة أن الاتحاد العام التونسي للشغل يضم نحو 500 ألف عضوا تقريبا من القطاع العام، من جملة 750 ألف عضو. ولهذا السبب، عادة ما تُنسب إليه مسؤولية جميع الثورات الاجتماعية، وأحيانا عن طريق الخطأ.
وفي هذا السياق، قال بلقاسم العياري محتجا: "نحن متهمون بوقف عمل شركة فوسفات مدينة قفصة، إلا أن العاطلين عن العمل لا علاقة لهم بمنظمتنا، هم المتسببون الرئيسيون في الوضع الذي وصلت إليه الشركة حاليا".
وأوضحت المجلة أن المنظمة واصلت حملات التصعيد التي تقودها إلى أن توصلت، في المجال التعليمي، إلى مواجهة قرارات الحكومة دون أن تعطي أي أهمية لوعود الهدنة التي قطعتها. وقد أدى الاحتقان بين الطرفين إلى إضراب مطول في صفوف الأساتذة، لكن تحداه وزير التربية ناجي جلول؛ وأمر بإجراء الامتحانات الوطنية.
أما الحكومة التونسية السابقة؛ فلم تستسلم أمام ضغوط الاتحاد. كما أن قراراتها بدت متناقضة، فقد أمرت بتطبيق القانون الذي يسمح باقتطاع أيام الإضراب من أجور العمال المشاركين في الإضراب. ولكنها، اعتمادا على قانون التعددية النقابية المنصوص عليه في الدستور، حرمت الاتحاد العام التونسي للشغل من مركزه الاحتكاري والقيادي للمطالبة بالمستحقات النقابية، فللعمال حق اختيار النقابة التي تمثلهم للدفاع عن حقوقهم.
وشددت المجلة على أن قيادة الاتحاد تلعب لعبة خفية. فالصراع الظاهري بين الأمين العام للمنظمة، حسين العباسي، ورئيس الوزراء السابق، الحبيب الصيد، يعكس في الحقيقة خلافا داخل المنظمة نفسها. فقد كانت المستجدات السياسية، المتمثلة في سحب الثقة من حكومة الصيد وتعيين رئيس جديد لحكومة الوحدة الوطنية؛ فرصة لها لإعادة ترتيب أوراقها، ذلك أن منظمة العمال لا توقف التفكير في جدولها الخاص وفي مؤتمرها الثالث والعشرين الذي سينعقد في كانون الثاني/ يناير سنة 2017.
وأكدت هالة يوسف، المختصة في الحراك النقابي، أنه "يوجد داخل الاتحاد صراع بين المساندين لمشروع المصالحة الوطنية وبين الراغبين في فرض سياسة أكثر حزما للتعامل مع هذا الموضوع".
وقالت المجلة نقلا عن هالة يوسف إن مساعي هذه المنظمة تتمثل في الحفاظ على مقاليد الحكم، في وقت تعاني فيه الساحة السياسية التونسية من تقلبات متواصلة، وهو الذي يفسر تأرجح سياساتها بين المفاوضات والمواجهات الشعبية. فالاتحاد العام التونسي للشغل لا يفصل بين المطالب الاجتماعية والانخراط في العمل السياسي.