شهدت سياسات اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط تقلبات مهمة وإستراتيجية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وتمثلت معظم هذه السياسات بالغموض فيما يتعلق بحل الأزمات الساخنة مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، والتدخل الأمني غير المباشر، وتقديم السلاح لفريق وخصمه، وأخيرا التدخل العسكري المباشر كما بدى من توجهات روسيا وأمريكا وفرنسا.
تقلبات استراتيجية
ورغم تفاقم الأزمات إلى حروب دموية طاحنة غير أن أطرافا فاعلة في النظام الدولي (أوروبا وروسيا وأمريكا) تبدو غير قلقة على مصالحها من هذه الأزمات، وتمارس سياسات متناقضة حتى مع مبادئ القانون الدولي؛ من ضرب بالطائرات ودعم لإرهابيين، وتشجيع للعنف المتبادل، ولا مبالاة باللاجئين في المنطقة الذين بلغ عددهم أكثر من 12 مليون لاجئ حتى حزيران/ يونيو 2016 نتيجة الحروب الداخلية.
وهي بهذه السياسات تضع الشرق الأوسط في أتون حرب تحرق الإنسان والحضارة، وتستنزف الجيوش والجماعات والأفكار والمجتمعات، وتُحيلها إلى كيانات هشة ومقسمة لا تكاد تؤمن بأنها موجودة في عملية تفكيك وإضعاف ممنهجة بعد أن أصاب التمزق الداخلي هذه الدول والجماعات، وبالطبع تبتعد هذه الديناميكيات العنفية عن إسرائيل، وتحقق بالتالي هدوءا وارتياحا أمنيا واقتصاديا لها، رغم الحذر الذي يشوب ذلك بسبب ضعف السيطرة على مخرجات هذه السياسات متعددة الأطراف والأبعاد والأهداف حتى بين الدول الكبرى.
وتشهد المرحلة الحالية وللعامين القادمين تحولا في هذه السياسات للانتقال من تشجيع الصراع الداخلي وتزويده بالوقود اللازم واللامبالاة السياسية؛ إلى مرحلة تعديل ميزان القوى بين الفرقاء لصالح حلول سياسية تُرسَم بين هذه القوى، وربما بمشاورة بعض الأطراف الشرق أوسطية.
وقد تهدف هذه التحولات في النهاية إلى إعادة تموضع عميقة بين القوى السياسية والاجتماعية الشرق أوسطية المحلية والإقليمية، ولتجعل من هذه الدول "المتأزمة" دولا فاشلة للعقدين القادمين، سواء بالفيدرالية أو الحكم الذاتي، أو المحاصصة الطائفية والإثنية والقبلية والجهوية، أو بتوازن المليشيات المسلحة للأحزاب السياسية، وتُضفي على أي شكل من ذلك صفة الديمقراطية. ويبدو أن كلا من العراق وأفغانستان بعد الاحتلال الأمريكي يشكل نموذجا حاضرا لدى صناع القرار، وبرغم عدم توفر معلومات دقيقة حول التوجهات النهائية غير أن التوقعات لا تكاد تبرح هذه المجالات، ولعل العديد من الأحداث يمكن تفسيره في ظل هذه التوقعات الأولية.
حراك لافت للسياسات
ولذلك تتحرك السياسات الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط بشكل لافت للانتباه، ويبدو أن تنامي مجموعات الإرهاب بدعم وتشجيع أو اختراق وتوظيف استخباري لم يستنفد أغراضه السياسية والأمنية لهذه الدول بعد، كما أن تأزيم المنطقة وتدمير بنيتها السياسية والتحتية، وتشريد ملايين السكان في عملية تحول ديمغرافي خطيرة عبر الترحيل القسري، لا تزال تؤسس لسياسات ومصالح دول معينة ترسم بين هذه الاطراف.
ولذلك وبرغم تفاقم الأزمات والاختناقات التي مرت بها المنطقة، ورغم الاستنزاف الذي يؤثر على اقتصاديات الجميع، وبرغم القتل والدمار وحرائق الإرهاب الممتدة، بل وانتقالها إلى دول أوروبا بمستوى منخفض، غير أن العديد من المعنيين الأمنيين والسياسيين في المنطقة لم يصلوا بعد لدرجة التشبع والاستعداد للتحول إلى سياسات وبرامج الاستقرار واستئناف الحياة والبناء وإعادة النازحين إلى بلادهم، على الأقل وفق ما هو متاح من التحليل للوقائع والمعلومات.
وتجري الاختبارات السياسية المتلاحقة للتأكد من طبيعة المخرجات الممكنة لأي توجه بوقف الفوضى وإعادة الاستقرار للتأكد من تحقيقه لمصالح هذه الدول، ولعدم قدرته على المدى المتوسط على التمرد على سياسات هذه الدول كما حصل في لحظات تاريخية سابقة، وللتأكد من أن القوى السياسية والاجتماعية غير قادرة على تحمل أعباء إعادة بناء هذه الدول، وأن الحاجة إلى دعم الدول الكبرى وحمايتها والاستقواء بها على الفرقاء والخصوم سيبقى كذلك هو البيئة السياسية والاقتصادية والأمنية السائدة لذات الفترة لمن كان في الحكم أو المعارضة على حد سواء.
وقد أثار هذا الجمود والتصلب لدى السياسيين والأمنيين المعنيين اهتماما شديدا لدى المراقبين لدرجة الشك بأن هذه الفوضى "المصنوعة" في أغلبها، وهذا الإرهاب المُوجّه من بعض الدول - بما في ذلك الجماعات الإرهابية التي نشأت نتيجة ردود فعل في بداياتها - يحقق لها أرضية مستقبلية لسياسات قادمة ذهب الكثيرون للتخمين والتحليل فيها، سواء فيما يتعلق بالتقسيم أو إعادة التموضع لمناطق النفوذ، وغيرها.
غير أن تحولات سياسات الدول وانتقالها من حال إلى حال، كما هي السياسات الروسية والأمريكية والأوروبية بل وبعض العربية والإيرانية والتركية، يشير إلى أنها تتجه إلى واقع غير مرسوم الأبعاد، ولا زال قيد التشكّل، وأن التفاعلات الإقليمية الإستراتيجية والتكتيكية ونوايا القائمين على الفوضى والإرهاب - من اللاعبين الإقليميين والدوليين - هي التي ستحدد اتجاهاته ووقائعه النهائية.
لذلك فإن القراءة الأولية لخارطة التحول والانعطاف في السياسات لدول الإقليم والدول الكبرى تشير إلى ملامح متعارضة المصالح والأهداف أحيانا، وتصل إلى تلاقي الأهداف والمصالح أحيانا أخرى.
الحالتان السورية والعراقية
تُشكل الأزمتان السورية والعراقية محضن السياسات الدولية والإقليمية الأكبر منذ ثلاث سنوات، وربما أصبحت المحدد الأساس للتحولات فيها، حيث تدافعت العمليات الاستخبارية لصناعة تنظيمات الإرهاب في حركة متعارضة مع حركة الشعوب الطبيعية للتحرر والإصلاح السياسي والاقتصادي في بلادها، والتي حملها
الربيع العربي (2011-2013)، حين تم الزج بعدد منها في العراق وسوريا.
كما أن التدخل الدولي تحت شعار محاربة ذات الجماعات الإرهابية قد أصبح السمة الأبرز لواقع البلدين، وخاصة عندما تم تأسيس مظلة عرفت بالحملة الدولية للحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، زُجَّ فيها بأكثر من ستين دولة بطيران وقوات خاصة ومدفعية وخبراء منذ حزيران/ يونيو 2014.
ولم تتمكن هذه القوة الدولية الهائلة من القضاء على هذا التنظيم "الأسطورة" أو "الشبح" خلال عامين كاملين من العمل، وهو تنظيم يعد بعشرات الآلاف على أحسن تقدير، ويتحرك في دولتي العراق وسوريا بأسلحة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة، ما أثار شكوكا متصاعدة لدى المحللين حول جدية التحالف أصلا، وخلفيات هذا الحشد الدولي، ولماذا يركّز على تنظيم إرهابي واحد، فيما يسمح بمليشيات شيعية تُتهم بالطائفية بالمشاركة في المعركة ضده، ويغضُّ الطرف عن تقارير حول أعمال إرهابية وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وتدمير منازل ومساجد ومستشفيات، بل والقيام بعمليات تغيير ديمغرافي وحشية في العراق وإلى حد ما في سوريا من قبل هذه المليشيات.
كما كان للتدخل الروسي في سوريا برضا أمريكي وأوروبي وإسرائيلي دور مهم في كشف حقيقة نوايا إدارة الأزمتين من قبل النظام الدولي ودول الإقليم، باعتبار ساحتي البلدين مناطق صراع ونفوذ دولي وإقليمي مع السعي لتدميرهما تجهيزا لأعمال شركات عملاقة في هذه الدول لجني مئات المليارات، وإضعاف الدولتين، حكومة وجيشا وشعبا وقوى سياسية، وتحويلهما إلى دول فاشلة تبقى تقتات على الدعم الدولي إلى عقدين على الأقل.
ويُنظر إلى طبيعة الحرب الجارية في كل من سوريا والعراق بوصفهما حواضن سياسية وعسكرية وأمنية واجتماعية لتعديلات في سياسات دولية وإقليمية ومحلية، من أبرزها: تزايد الاعتماد على الدعم الدولي والإقليمي لمكونات كل منهما، وتراجع الفكر الاستقلالي، إضافة إلى تعديلات ديمغرافية إستراتيجية تقوم على أسس طائفية وجهوية غير وحدوية سواء بالتقسيم أو بدونه، وكذلك إعادة بناء الجيوش بحيث لا تستطيع تهديد أمن إسرائيل، فضلا عن خوض معركة معها في أي وقت في المستقبل.
الصراع العربي الإسرائيلي
تضمن هذه التحولات دعم عمليات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وتجفيف منابع دعم المقاومة المسلحة ضد إسرائيل والقوى المناهضة للتسوية السياسية الجارية، وتوفير الفرصة لتحرك عربي وفلسطيني قوي إزاء التطبيع والحل السياسي مع إسرائيل، بما في ذلك تحرك دول ليست لها حدود مع إسرائيل.
وستبنى هذه التحولات على واقع الاستنزاف البشري والاقتصادي والاجتماعي والفكري، ناهيك عن استنزاف قوة السلاح لدى بعض الأطراف التي كانت داعمة للقضية الفلسطينية، وتشكل حركة تغيير عربية تقدمية متوافقة مع توجهات الربيع العربي الأولى قبل الحروب الأهلية، وخاصة فيما يتعلق بكل من سوريا وإيران وحماس وحزب الله وحلفائهم، كما أنها تضعف القدرات المالية الضخمة للدول الخليجية عبر التمويل الواسع لعمليات خارج حدودها وخاصة في سوريا، ولاحقا في اليمن.
كما تمنع نتائج الحرب
تركيا من تحقيق أهدافها الاقتصادية التي وقعتها مع كل من
إيران وسوريا في وقت سابق، وانفتاحها الواسع على دول الخليج ومصر ودول المغرب العربي، الأمر الذي يحقق إضعاف القوى الإقليمية الإسلامية والعربية، ويتسبب بزيادة النفوذ الدولي الروسي والأمريكي المنسق في أغلب الحالات، ويحقق المحافظة على إسرائيل قوة ضاربة وحيدة في المنطقة، مقابل إضعاف قوى المقاومة الفلسطينية لتصبح أقل تهديدا من الناحية الإستراتيجية للأمن الإسرائيلي أو لوجود إسرائيل.
لقد أنهكت الأزمتان السورية والعراقية العمق الإستراتيجي في الجبهة الشرقية العربية التقليدية ضد إسرائيل، وهما تضعفان اليوم العمق الجنوبي في الخليج والعمق الغربي في شمال أفريقيا ومصر والسودان، ولذلك تُعتبر الأزمتان مختبرا خطيرا لصناعة السياسات.
ويبدو أن صحوة إيرانية سعودية تركية، وربما مصرية لاحقا، هي السبيل الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وذلك بهدف إضعاف مثل هذه التحولات الإستراتيجية المناهضة لمصالح الأمة الإسلامية والعربية، وربما تعمل الاستدارات التركية الجديدة بتقوية العلاقات مع روسيا وإيران، ثم مصر وسوريا، على تحقيق أرضية مناسبة لهذه الصحوة الجماعية، والتي أساسها حماية المنطقة من الفوضى المدمرة وإعادة الاستقرار إليها، والمحافظة على ما تبقّى من مصادر القوة، وإضعاف تنامي النفوذ الدولي بحجج مختلفة، والحدّ من توجهات أوروبية وفرنسية على وجه الخصوص لاستعادة نفوذها في ليبيا وتونس على حساب المصالح العليا والأمن القومي للأمة العربية والإسلامية والعلاقات العربية الأفريقية، ناهيك عن إضعاف المقاومة الأفريقية لمحاولات التطبيع مع إسرائيل.
الانعطافات المأمولة
وفي حال تحققت الانعطافات الإقليمية والعربية (إيران، تركيا،
السعودية، مصر) وغيرها، في السياسات نحو المصالحة والتعاون ووقف الفوضى والعنف والإرهاب، والبدء باستعادة الاستقرار والبناء وفق تصور مشترك بين دول الإقليم الكبرى على مختلف الصعد، فإن ذلك سوف يضغط باتجاه تعديلات أساسية في السياسات الدولية والسياسات المحلية للقوى الاجتماعية والسياسية في المنطقة، وينعكس على العديد من الملفات المفتوحة الجارية، وأهم هذه الانعطافات:
1- يمكن لهذه السياسات أن تعبر مرحلتين، الأولى: تقوم على البعد المرحلي القاضي بتشكيل طاولة حوار إقليمي وأخرى قُطرية في كل بلد لتفكيك الأزمات والتوصل إلى حلول وسيطة بين مصالح وتوجهات الأطراف المعنية، وبما يحقق أغلب الصالح العام، ويُشكّل حالة من الشراكة الوطنية من جهة والتعان والإقليمي والتكامل الاقتصادي من جهة أخرى، وبما يحقق نهضة ووعيا جديا في إدارة الموارد والطاقات، و تحقيق إصلاح سياسي واقتصادي، وبما يقّوي جميع الأطراف أمام المجتمع الدولي وإسرائيل.
والثانية: على الصعيد الإستراتيجي، بتأسيس لحالة نهضة عربية إسلامية شاملة لإعادة تكوين الشخصية الإقليمية والدولية للأمة، وتفعيل دورها ومشاركتها في رسم سياسات العالم، بما في ذلك احتواء الخطر الصهيوني، وإنهاء المظلمة الفلسطينية عبر المجتمع الدولي أو بالجهود العربية والإسلامية في دعم كفاح ونضال الشعب الفلسطيني المباشر، وهو ما سيُقلل من مصادر الخطر والتهديد على الأمن القومي للأمة والأمن القُطْري لدولها إلى الحد الأدنى، ويفتح الآفاق نحو أدوار أفريقية وآسيوية وأمريكية لاتينية أوسع للأمة ببعد دولي حضاري عميق، وهو ما تتطلع له المجتمعات العربية وشبابها.
"إن النظر بإعادة التموضع الذي تشهده سياسات العديد من دول المنطقة والعالم تجاه المنطقة، والتفاعل المعقد بينها، وارتفاع أصوات المنظمات الإرهابية، وارتفاع أصوات الرصاص والمدافع، واتساع مشاهد الدمار والقتل واللجوء، تمثل -رغم آلامها- فرصة لتوجيه وتسديد اتجاهات التحول نحو البناء بدل الهدم، ونحو التعاون بدل الخصام"
2- استكمال التحولات الديمقراطية والإصلاح السياسي في المنطقة باتجاه الاستجابة لمطالب الشعوب بالحرية والرفاه وتحقيق الوحدة الوطنية في كل قطر، وتحقيق التكامل والتعاون الإقليمي بين دول المنطقة، واعتماد الانتخاب أساسا لإعادة بناء وتفعيل النظام السياسي سواء في الدول الجمهورية أو الملكية كلٌ وفق دستوره ونظامه وتوجهات شعبه، وبالتالي تحقيق أهداف الربيع العربي وإعادة الاستقرار وتحويل الصراعات إلى تنافسات سياسية وفق القانون، بما في ذلك فتح المجال لنمو القوى السياسية الوطنية والعروبية والإسلامية المعتدلة والمستنيرة لتكون شريكا في النهضة.
3- تشكيل رافعة مهمة للتأثير على سياسات النظام الدولي سواء روسيا أو أمريكا أو أوروبا تجاه المنطقة، وبما يحقق تبادل المصالح لا الاستغلال والهيمنة كما تحاول هذه الدول أن تفعل بدعم طرف على حساب طرف آخر لإضعاف الجميع، وبالتالي التعديل في بعض هذه السياسات بما يحقق ذلك.
4- وقف تنامي الجماعات المتطرفة في ظل تراجع استخبارات إقليمية متعددة عن العمل على خلقها أو دعمها بأسماء مختلفة، وفي ظل احتواء حركات الإسلام السياسي المعتدلة في النظام السياسي المحلي والإقليمي على حد سواء حيث يتوفر البديل "الإسلامي" للشباب المتطلع إلى هذا التيار، وفي ظل التماسك في الموقف إزاء المجتمع الدولي بخصوص القضايا العربية والإسلامية، ناهيك عن استعادة الزخم للفكر المعتدل الوسطي العربي والإسلامي، وهي العوامل التي سيقت لإقناع الشباب نحو التطرف والإرهاب أصلا من مختلف هذه المجموعات، وبذلك تتخفف كل الدول من أعباء محاربة الإرهاب المنظم المدعوم من خصومها إلى برامج تنوير الشباب وخفض مستوى البطالة، ورفع مستوى التعليم العام والديني المنهجي على حد سواء، وتحقيق مطالب الشعوب بالحرية والديمقراطية، وهو ما يُضعف المبررات الفكرية والواقعية لوجود هذه المنظمات بهذا الزخم وهذه القوة إلى حد كبير.
5- استعادة القضية الفلسطينية لمكانتها السياسية، وتزايد حضور مظلمة الشعب الفلسطيني، والإسهام العربي في تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، والضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها في الأراضي المحتلة وتمردها على القانون الدولي، وخاصة فيما يتعلق بالقدس والمسجد الأقصى.
إن النظر بإعادة التموضع الذي تشهده سياسات العديد من دول المنطقة والعالم تجاه المنطقة، والتفاعل المعقد بينها، وارتفاع أصوات المنظمات الإرهابية، وارتفاع أصوات الرصاص والمدافع، واتساع مشاهد الدمار والقتل واللجوء، تمثل - رغم آلامها - فرصة لتوجيه وتسديد اتجاهات التحول نحو البناء بدل الهدم، ونحو التعاون بدل الخصام، وتوفير الجهد والمال بدل استنزافه عبثا، والتلاحم والوحدة الداخلية بدل الاستعانة بالأجنبي على الشقيق، ولذلك فإن الجماعات الفكرية العربية والإسلامية وحلفاءها، سواء في الحكم أو المعارضة، وحتى التي تتعرض لمظلمة من حكوماتها، مدعوة اليوم إلى مراجعة نفسها نحو استدارات جادة وبرؤية عربية وإسلامية، لتقديم التنازلات والتضحيات اللازمة، والارتفاع إلى مستوى المسئولية التاريخية لتغيير واقع الأمة بالتعاون والتفاهم والحوار والمصالحة بدل الخصام والاقتتال.
ولعل القوى الاجتماعية والسياسية والدول المعنية تلتقط الرسالة لتحقق كثيرا من الأهداف التي تطمح إليها بالحكمة والرحمة والتعاون بدل الارتهان لأفكار الإقصاء والتهميش والاجتثاث التي فشلت عبر التاريخ، والتي قد تطيح بأصحابها في أي وقت، والتي كانت من أهم وعوامل الدفع بالثورات العربية وحراكات الربيع العربي الذي لم يتوقعه أحد، ما يعني أن عامل الوقت والزمن عامل مهم وأساسي لوقف حمامات الدم والمسارعة إلى عملية سياسية واسعة وكبيرة تقودها دول المنطقة الكبرى وعلى رأسها تركيا والسعودية وإيران، وربما مصر إن استعادت بعض عافيتها الوطنية.
وتعتبر الظروف والمعطيات آنفة الذكر عوامل محفزة ومحددات نجاح أولية محتملة، نحو رسم سياسات عربية إسلامية ضابطة لعمليات التحول لتحقيق مصالح الأمة والاستقلال عن التخطيط والأهداف الغربية المعادية.