برنامج على إحدى القنوات المصرية، يقدمه من يسمى "وائل الإبراشي"، مذيع من عصر المخلوع، مؤهلات المذيعين في ذلك العصر رضى أجهزة الأمن قبل أي مؤهلات، رضى الأمن هو المؤهل الأوحد للظهور على الشاشة!
المذيع عرض مكالمة مع مواطنة مصرية سكندرية، كيميائية اسمها الأستاذة إيمان، مرت المكالمة برغم ما فيها من ألم ووجع بشري مرور الكرام، ولكنها أثرت فيّ، فوضعت هذه المكالمة على صفحتي الشخصية على الفيس بوك.
إيمان تعمل في الحكومة، تنفق جُلَّ دخلها على أدوية أمها ... بكت المواطنة، وتحدثت من قلبها حديثا يفطر القلب.
كان تعليقي على القصة (أقسم بالله الفيديو دا لوحده كافي بعمل ألف ثورة ... ملعونة دولتكم ... ملعونة مؤسساتكم ... ملعونة هيبتكم ... تسقط دولتكم).
وهذا التعليق يتماشى مع كتاباتي التي تدعو بشكل صريح إلى إسقاط دولة الأسياد والعبيد، دولة العساكر التي يلتهم فيها السادة الضباط كل شيء، ويترك المرضى والفقراء فريسة للجوع والجهل والمرض.
هذه القصة كان من الممكن أن تمر دون أن يشعر أحد، ولكن حدث أمران !
الأمر الأول: تفاعل عدد كبير من السادة أعضاء صفحتي مع تلك المواطنة تفاعلا مدهشا، وتم تداول الفيديو في مئات الصفحات والمواقع.
الأمر الثاني: أن المذيع المسمى "وائل الإبراشي" قام بعد ذلك بعدة أيام بعمل (مذكرة تفسيرية) للمكالمة، وشرح فيها كيف أن هذه المواطنة المسكينة كانت تتألم بسبب مرض أمها، ولكنها لا تسمح بأن يستخدم أي معارض سياسي لآلامها استخداما سياسيا!!
حاول المذيع المسمى "وائل الإبراشي" أن يوصل فكرة مفادها أن وجع المواطنة لا يمكن استغلاله سياسيا، وكما نعلم جميعا فإن هناك أوجاعا يمكن استغلالها سياسيا، وأوجاعا أخرى (وطنية) لا يمكن استغلالها سياسيا البتة!
ثم بدأ بالحديث عني شخصيا، وبالحديث عن والدي حفظه الله، وكالعادة بدأ خلط الأوراق، والاصطياد في الماء العكر.
وبعد ذلك تكرمت المواطنة السكندرية إيمان بمداخلة أخرى ذكرت فيها أن السيد رئيس الوزراء قد تكرم بحل مشكلتها.
وهذا هو الفيديو لمن يحب أن يستمع للمداخلة:
وأنا هنا أجد نفسي مضطرا للتعقيب!
أما التعقيب على المذيع المسمى "وائل الإبراشي" فهو أمر لا داعي له، فقد شُتمت أنا وأسرتي عبر شهور بل سنوات طوال، من أمثال هذا المذيع، ووجهت لنا التهم بالزور والبهتان، وصدرت أحكام قضائية شتى، وما زلت أرى أن غالبية ما ينشر لا يستحق الرد، فالأمر أتفه من أن يؤثر فينا، ورصيدنا عند الناس أكبر من أن يهتز، ونسأل الله أن يكون رصيدنا عنده كذلك.
الحقيقة أنني أجد نفسي مضطرا للتعقيب على الواقعة بدلالاتها الكاملة، وجزء من الواقعة يتعلق بكلام المواطنة الكريمة، الكيميائية السكندرية الأستاذة إيمان، ولكي أرد على كلامها أنقله أولا باختصار، تقول الأخت الكريمة:
(أنا عايزة أوصل رسالة للناس اللي طلعت رقصت على مشاعري ومشاعر الناس وأوجاعنا، انت لو كنت عايز تساعدني أو تساعد غيري، أو انت شايف إن البلد فيها حاجة غلط ... انت ممكن التكافل الاجتماعي .. التكافل الاجتماعي شكل من الأشكال اللي الرسول أوصى بيها، كنت ممكن تساعدني بشكل ما يجرحنيش وما يجرحش مشاعري، والتشهير بي وبأوجاع الناس، وان انت تصفي حسابات سياسية على حسابي أنا واللي زيي، ما ينفعش، انت عندك مشكلة مع الدولة يبقى تحلها بشكل بعيد عني وعن الناس اللي تعبانة وموجوعة).
هذه خلاصة ما قالته السيدة إيمان، وأنا بدوري أقول لها:
يا سيدتي الفاضلة ... كلامك يحمل معنى من اثنين، إما أنه يحمل لوما لي بصفتي أنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين (وهذا غير صحيح)، فأنا شخص مستقل، لم أنتم لأي جماعة أو حزب في أو وقت من أوقات حياتي، وكنت حريصا دائما على أن أكون شخصية مستقلة ضمن جماعة وطنية لا هدف لها سوى استقلال الإرادة الوطنية، وإقامة العدالة الاجتماعية، في إطار دولة القانون، وكل ذلك عبر إسقاط دولة الفساد بالوسائل السلمية.
أنا لا أنتمي للإخوان المسلمين يا سيدتي !
ولكن ... سأفترض أنني أنتمي لهذه الجماعة، وفي هذه الحالة سأقول لك تابعي ما يسمى بـ(لجنة حصر أموال الإخوان المسلمين)، اكتبي هذه الجملة على (جوجل) وانظري في النتائج!
السيد المذيع يقول لك وبراءة الأطفال في عينيه (ما ينشئوا مؤسسات أو مستشفيات)، واقتراح حضرتك (انزل كل شهر خمسين جنيه من مرتبك اشتري شريط برشام للمحتاجين) ... الحقيقة يا أختي الكريمة إنك لو تابعت أعمال اللجنة ستجدين أنها قد صادرت أكثر من ألف مؤسسة (جمعيات ومستشفيات ومدارس!).
غالبية ما صادرته اللجنة يقع في مساحة العمل الخيري (وهذه أمور منشورة في سائر الصحف الحكومية والخاصة).
لذلك ... أستطيع أن أقول لك بكل ثقة إن نصيحتك لا تسمح بها (شبه الدولة المصرية)، لقد جربها آلاف المصريين، وكانت النتيجة هي المصادرة، وهم الآن في السجن، بتهم تمويل الإرهاب (لن أتحدث عمن قتل منهم)!
أما إذا كنت تتحدثين عن شخصي أنا بصفتي عبدالرحمن نجل فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي ... فإنني أحب أن أقول لك بكل أسف ... إن أسرة القرضاوي قد أعطت قدر ما تستطيع (لا تصدقي الأحاديث الوهمية عن ثرواتنا المزعومة)، وكنا دائما نعاني من تضييق أمن الدولة في كل عمل خيري نحاول أن نقوم به، والناس يلوموننا لأننا لا نبذل لأهل بلدنا، والحقيقة أننا نريد، ولكن "قرف" أمن الدولة والمخابرات، والتعقيدات التي يتسبب لنا بها السادة الضباط جعلتنا عاجزين عن الاستمرار في أي مشروع، لذلك اكتفينا بالتبرعات التي تصل من خلال قنوات محدودة.
وبعد قيام ثورة يناير، بدأنا فورا بتأسيس عمل خيري منظم، وأنشأنا مؤسسة الإمام القرضاوي في قرية "صفط تراب"، مسقط رأس والدي حفظه الله في الغربية، وكان ذلك بداية لعمل كبير ننويه، فما الذي حدث؟
لقد صودرت المؤسسة، وتوقف عملها بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013!
الغريب ... أن إحدى القنوات التلفزيونية أذاعت حلقة مباشرة من قريتنا، ليس لها هدف إلا التشهير بالشيخ وبالأسرة، وكيف أن هذه الأسرة لم تتبرع بمليم واحد لأهل مصر!!
يقولون ذلك وعلى بعد أمتار منهم مشروع كامل، ومؤسسة كاملة، تشرفت أنا شخصيا بأن كنت رئيس مجلس أمنائها ... صادرتها أجهزة الأمن، وحرمت البسطاء من ماكينات الغسيل الكلوي التي كنا سنحضرها، ومن مشاريع تعليمية، وتثقيفية، ومن مشاريع خدمية لنقل القمامة خارج القرية ... الخ.
أختي الكريمة..
هناك حقيقة لا بد أن تعلميها جيدا ... هذه الدولة - أو شبه الدولة كما جاء على لسان رئيس جمهورية الأمر الواقع – لم تكن لتدفع مخبرها المخلص لإعلان الاستجابة لشكواكِ إلا من خلال انتشار الفيديو على صفحتي بطريقة مذهلة، وتجاوز مشاهدته حاجز الـ 2 مليون مشاهدة في وقت قصير، وتعاطف مئات الآلاف معك، يا سيدتي.. ضجيج المعارضين في واقع الأمر هو من فعل، هناك مئات الآلاف من المصريين المطحونين غيرك يشكون يوميا ولا يأبه لأمرهم أحد.
الهمس ... لا يجدي ... الصراخ ... قد يجدي أحيانا مع هؤلاء المسؤولين المعزولين عن أوجاع الناس!
أنا سعيد بحل مشكلة والدتك، وأحمد الله أنني كنت سببًا في حل مأساة والدتك.. ولو كان بإمكاني أن أنشر كل مآسي المصريين لحلها لفعلت فورًا، ولكن ذلك لا يجدي، ولذلك لا أنصح أحدا بأن يقوم بأعمال خيرية، بل أنصح الناس جميعا أن يأخذوا حقوقهم من الدولة، لا من الجمعيات.
أنا أنصح الشعب المصري كله أن يسقط هذا النظام العنصري، الذي يسمح لمذيع يحصل على أجر سنوي يتجاوز الـ15 مليون جنيه، أن يعطي لنفسه الحق في الحديث عن آلام البسطاء!
أنا أنصح كل المصريين أن لا يقبلوا بحل مشاكلهم فرادى، بل أن يعيش الجميع بكرامتهم، وتأكدي أن خيرات مصر تكفي كل المصريين، ولكن سرقات المسؤولين لا تكاد تترك لهذا الشعب سوى فتات الفتات.
أنا لا أستغل جراحك يا أختي الكريمة، ولا أعرفك، ونصيحتك جربتها، وجربها آلاف سواي، وكانت النتيجة كما شرحت لك.
يا سيدتي ... هذه ليست مشكلتك ... هذه مشكلة ملايين المواطنين ... وما أنت سوى نموذج مؤثر، وحين عرضتُ مشكلتك على صفحتي لم أكن أقصد تشهيرا، أو إساءة، ولا أبالغ حين أقول إنني لم أكن أقصد أن أحل مشكلتك ... بل أقصد أن أحل ملايين المشاكل التي تشبه مشكلتك.
يا أخت إيمان: لست أنا من يرقص على جراح الناس، بل المسؤول الذي يهدد مواطنا بسيطا ويساومه بحل مشكلته بمقابل ما.
يرقص على جراح الناس مذيع لا هم له سوى جمع المال وإرضاء السلطة، ويزعم أنه يعمل من أجل الغلابة!
يرقص على جراح الناس مسؤول أمر بحل مشكلة مواطن واحد لأنها ظهرت على التلفزيون، دون أن يتخذ قرارا واحدا يتعلق بملايين المواطنين الذين يعانون بالشكل نفسه.
يرقص على جراح الناس رئيس يدعي أنه قد جاء لإنصاف البسطاء ثم نكتشف أن غريزة البذخ جعلته يشتري أربع طائرات خاصة فاخرة لنفسه وللمسؤولين بثلاثمائة مليون يورو، في وقت يسف الناس فيه التراب!!!
إن علاج السيدة والدتك (أسأل الله لها الشفاء العاجل الكامل) ليس أكثر من (رشوة) للرأي العام، ومشكلتك ليست مشكلة (شخصية)، بل هي مشكلة سياسية في المقام الأول.
السياسة في نظري ... هي أوجاع الناس ... وكل هدفنا من السياسة ... هو تضميد جراح الناس ... وإعطاؤهم حقوقهم، دون أن يحتاجوا إلى البكاء على الشاشات!
سيدتي الفاضلة الكيميائية إيمان ...
نصيحتي إليك أن تفهمي أن المشكلة لم تحل، ولا حل لها سوى بإقامة دولة العدل والقانون، وهي بعيدة كل البعد عن هؤلاء اللصوص الذين يحكموننا، وعن هؤلاء المخبرين الذين يتظاهرون بأنهم إعلاميون.
أن ممارسة السياسية و الديمقراطية لهما ظهير لا يتغير هو مستويات الخدمات و مستويات المعيشة للمواطن فإن كان بجعبة الجنرالات هذا الظهير بمصداقية واقعية فمرحباً بهم أما إذا ما كان بجعبتهم تصورات مغلفة بدعاية كاذبة لا تغنى و لا تسمن من جوع فالأفضل لهم قبل أن يكون الأفضل لمصر و المصريين أن يتركوا الساحة لرجالات لديهم ما يقدموه لمصر