كتاب عربي 21

لماذا لا يثق الكثيرون في حركة النهضة؟

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
كشف سبر آراء تم إنجازه في تونس عن نسبة مهمة من الأشخاص الذين شاركوا في العينة أعلنوا عن عدم ثقتهم في حركة النهضة. لقد تمت صياغة السؤال بالطريقة التالية " أي حزب هو الأبعد عن قلوبكم " وكانت الإجابة بنسبة 39.7 بالمائة الذين أشاروا لحركة النهضة. 

وبقطع النظر عن النقاش الذي سيستمر حول المنهجية التي تعتمدها شركات استطلاع الرأي العام في تونس أو في العالم، حيث يعتقد الكثيرون بأن هذه الشركات متهمة بتوجيه النتائج لصالح جهات التمويل، إلا أن ذلك يجب ألا يمنع الإسلاميين التونسيين أو من جنسيات أخرى من التفكير بعمق في الأسباب التي لا تزال تحول دون تجسير الفجوة بينهم وبين قطاعات واسعة وحيوية من مواطنيهم.

لا خلاف حول ملاحظة أن الحركات الإسلامية تتمتع بقاعدة اجتماعية واسعة في معظم البلاد العربية، وهو ما جعلها التنظيم السياسي الأكثر قدرة على الحشد والتعبئة، خاصة خلال مختلف الانتخابات التي يتوفر فيها الحد الأدنى من الشروط الديمقراطية والنزاهة. ويعود ذلك لأسباب عديدة ليس هذا مجال عرضها. لكن في المقابل لم تستطع معظم هذه الحركات أن تحافظ على شعبيتها، خاصة تلك التي مرت بتجربة الحكم واكتوت بالمشكلات الحارقة للناس دون أن تتوصل إلى معالجتها أو حتى التخفيف من حدتها.

تعتبر تجربة الإخوان المسلون بمصر في هذا السياق قاسية ومؤلمة. لا خلاف عند المرقبين الموضوعيين أن السلطة سحبت منهم عبر انقلاب عسكري، لكن المؤكد أيضا أن عموم المصريين لم يقفوا مع الحركة ولم ينحازوا لقضيتها رغم عدالتها ورغم القمع الشديد الذي تعرضوا له والذي أدى إلى مجزرة رابعة الرهيبة. على العكس من ذلك، انقسم المصريون حيث ساندت نسبة هامة منهم الانقلاب عليهم وأيدوا إزاحتهم بالقوة، وتركوهم يدفعون لوحدهم ثمنا باهضا. 

بالنسبة لحركة النهضة كان المصير السياسي مختلفا عن مصير الإخوان، إذ أدركت القيادة أن ما حدث في مصر كان بالإمكان أن يتكرر في تونس، ولهذا عجلت بتعديل خطتها وتبنت استراتيجية بديلة جعلتها أقدر على حماية نفسها ، وساهمت بذلك في إنقاذ المسار الانتقالي للبلاد. لكن رغم ذلك بقيت تفصلها عن أغلبية التونسيين مسافات هامة. بل أن هذه المسافات اتسعت رقعتها بعد الانتهاء القسري لحكم الترويكا الذي كانت تديره النهضة. 

لا تزال الحركة تواجه صعوبات في سعيها لكسب ثقة جزء هام من النخب الحديثة. فمعظم مكونات النخبة لا تثق في الإسلاميين لاعتبارات ثقافية وسياسية. وهو أمر ليس بالجديد، وإنما يعود إلى أواخر السبعينات عندما انطلقت المعركة الأيديولوجية بين النواة الأولى للطلبة الإسلاميين من جهة واليساريين والبورقيبيين من جهة أخرى. لقد تم منذ البداية اعتبار أبناء حركة الاتجاه الإسلامي امتدادا فكريا وعضويا للإخوان المسلمين، ولهذا ما حدث في مصر والمشرق العربي تكرر في تونس.

يضاف إلى ذلك أن تولي الإسلامين السلطة في أحدث صدمة في صفوف التيار الحداثي الذي لم يكن يتوقع أن تتغير موازين القوى بشكل جذري في دولة أسسها بورقيبة. ولهذا احتدم الصراع بين النهضة وبين القطاعات الأكثر حيوية في صفوف النخبة، ورغم التعديلات المهمة التي أدخلتها النهضة على خطابها وعلى خطتها السياسية، مما ميزها بوضوح عن بقية حركات الإسلام السياسي إلا أن ذلك لم يكن كافيا لبناء الثقة بين الطرفين.
من جهة أخرى لا تزال تعاني حركة النهضة من آثار مشاركتها السابقة في إدارة السلطة، خاصة وأنها أخفقت في تحقيق مجمل الوعود التي تضمنها برنامجها الانتخابي، وهو ما أحدث صدمة قوية لدى عدد كبير من ناخبيها الذين قرروا معاقبتها حيث صوت قرابة نصف مليون ناخب منهم لصالح حزب نداء تونس بدل تجديد الثقة في مرشحي " النهضة ".

يعدّ من التحديات التي ستواجه عموم الإسلاميين بالمنطقة خلال العشرية القادمة مدى قدرتهم على بناء أحزاب مدنية قائمة على برامج لخدمة الناس أكثر من اعتمادها على الولاء العقائدي. فالجمهور التونسي على الأقل أصبح جزء هام من مكوناته ملقحا ضد تسييس الدين، وبالتالي لم يعد يغريها كثيرا رفع الشعارات المتعلقة بالهوية لإقناعها بمنح أصواتها لصالح هذه الحركة أو تلك.

يمكن لحركة النهضة أو غيرها من الحركات الإسلامية أن تقلص من حجم عدم الثقة فيها إذا تغيرت بعض الظروف السياسية، لكن ذلك لن يشكل بالضرورة مؤشرا صحيا كافيا. إذ على هذه الحركات أن تفكر جديا في مسألة حيوية تتعلق بطبيعتها وبالغرض من وجودها. التنظيم مهم باعتباره أداة وليس باعتباره هدفا في حد ذاته. فهذه الحركات مطالبة بأن تتجاوز ذاتها ومصالحها الضيقة، وان تجعل مصالح شعوبها مقدمة على مصالحها الحزبية، وبالتي يجب أن تشعر مختلف الفئات المجتمعية أن الإسلاميين يدافعون بمبدئية على العدالة والحريات لأن مصلحة الناس تكمن في ذلك وليس لكونها حزبا يحتاج لتلك المبادئ حتى يحمي نفسه ويعزز نفوذه ووسع من دائرة أنصاره.
1
التعليقات (1)
محمد فوزي التريكي
الأربعاء، 14-09-2016 07:56 م
الأستاذ صلاح الدين الجورشي خرجمن رحم الإتجاه الإسلامي سابقا وركة النهضة حاليا محسوب على تيار اليسار الإسلامي ومعارضته لحزب النهضة معروفة لدى الجميع هذا موضوع سابق لأوانه صندوق الإقتراع هو الفيصل