نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا، للصحافيين مسي ريان وغريغ جافي، يقولان فيه إنه عندما أغار المسلحون على قوات الأمن، وقتلوا ضابطين على بعد ميل من مخزن صحراوي عليه حراسة متواضعة، كان ذلك إشارة إلى أنه حان الوقت لفعل شيء ما.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن وصول
تنظيم الدولة إلى محيط مخزن صحراوي، بالقرب من واحة تقع فيها بلدة ودان في
ليبيا، دق أجراس الخطر؛ لأن المخزن يحتوي على 500 طن من المواد التي تستحضر منها
الأسلحة الكيماوية، فسارعت الولايات المتحدة، وأوروبا، والأمم المتحدة، إلى القيام بعملية نزع للأسلحة.
ويقول الكاتبان إن هذا الجهد الدولي، الذي انتهى الأسبوع الماضي، حيث قامت سفينة دنماركية بتفريغ حمولتها من تلك المواد في مرفأ ألماني للإتلاف، كان أحد النجاحات القليلة التي حققها الغرب في ليبيا، منذ أن أدت الإطاحة بالديكتاتور معمر القذافي عام 2011 إلى وقوع البلد الشمال أفريقي في دوامة حرب أهلية، وغياب للقانون، مشيرين إلى أن هذه المهمة عكست المخاطر المرتبطة بهذه المواد الكيماوية في بلدان حكمها ديكتاتوريون، وبلدان فاشلة، حتى وإن لم تحول إلى أسلحة كيماوية.
وينقل التقرير عن وزير خارجية حكومة الوفاق الوطني محمد طاهر سيالة، قوله: "كنا قلقين من هذه المواد الخطيرة"، وأضاف أنه "لو وقعت تلك المواد في أيدي تنظيم الدولة، فإنها ستشكل خطرا، ليس علينا فحسب، وإنما على المجتمع الدولي".
وترى الصحيفة أن مسارعة الولايات المتحدة والأوروبيين لمساعدة ليبيا في التخلص من المواد الكيماوية المخزنة في موقع الرواجحة، يعكس عدم ارتياح إدارة أوباما لكفاءة الحكومة الليبية في حماية تلك المواد، التي يمكن تحويلها إلى غاز الخردل القاتل، وقال مسؤول أمريكي كبير: "اهتممنا كثيرا بنقل تلك
الكيماويات من ليبيا، فقد ركزنا عليها منذ أن علمنا بوجودها".
ويلفت التقرير إلى أن إزالة هذه المواد تأتي في الوقت الذي تستمر فيه الطائرات الأمريكية بشن الغارات اليوم على مدينة سرت الليبية الساحلية، حيث استطاعت مجموعة صغيرة من تنظيم الدولة مقاومة مليشيات مرتبطة بالحكومة المدعومة غربيا لأشهر طويلة.
ويبين الكاتبان أن التقدم الذي حصل مؤخرا لإضعاف تنظيم الدولة، لم ينه الأزمة السياسية الممتدة، التي ولدت حكومتين في شرق ليبيا وغربها، والتي دفعت البلاد إلى شفير حرب أهلية، لافتين إلى أن قائدا عسكريا من شرق ليبيا قام بالسيطرة هذا الأسبوع على موانئ نفط رئيسة، ما زاد في التوتر الذي منع حكومة الوحدة الوطنية، التي تراها أمريكا وحلفؤها طريقا وحيدا للاستقرار، من تعزيز سيطرتها.
وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤول أمريكي آخر، قوله إن العلاقة بين المسؤولين عن موقع الرواجحة وحكومة الوحدة الوطنية كانت ضعيفة في أفضل الأحوال، ما أضاف إلى خطورة تلك الكيماويات المخزنة، ويضيف المسؤول: "لا أقول إنه كان هناك احتكاك، لكن لم يكن لديهم شخص واضح في سلسلة قيادة يستطيعون الرجوع إليه".
وينوه التقرير إلى أن المواد المخزنة في الموقع تضمنت ثالث كلوريد الفسفور، وإيثانول الكلور، وكانت هي كل ما تبقى من برنامج كان كبيرا في وقت من الأوقات عندما أنشأه القذافي، مشيرا إلى أنه عندما انضمت ليبيا إلى اتفاقية الأسلحة الكيماوية عام 2004، اعترفت حكومة القذافي بما تمتلكه من أسلحة كيماوية، بما في ذلك كميات من عامل الخردل الكبريتي، وبعد الإطاحة بالقذافي وجدت الحكومة الجديدة أسلحة كيماوية أخرى، معظمها عبارة عن قنابل مدفعية معبأة بغاز الخردل، التي تم إعلام منظمة حظر الأسلحة الكيماوية عنها، وتم تدمير كل ما تبقى من تلك الأسلحة مع بدايات عام 2014.
ويكشف الكاتبان عن أنه في الوقت الذي تم فيه تدمير بعض السلائف الكيماوية عام 2015، بقي حوالي 500 طن من المواد ثنائية الاستخدام، التي تعد كيماويات صناعية سامة في الرواجحة، بالإضافة إلى أن تلك المواد شكلت خطرا بيئيا، حيث كانت البراميل التي تحويها متآكلة، لدرجة أن المواد كانت تسيل منها، ويتشربها التراب.
وتفيد الصحيفة بأن المسؤولين الليبيين في المكتب المسؤول عن الأسلحة الكيماوية، كانوا يأملون بتدمير السلائف محليا، باستخدام تكنولوجيا البلازما المتقدمة، لكن ذلك لم يكن ممكنا؛ بسبب موجة الاختطافات التي انتشرت في البلاد، وهجمات المتمردين، واشتباكات المليشيات المختلفة.
وينقل التقرير عن ممثل ليبيا لدى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية منذ عام 2010، علي جبريل، قوله إن القلق الرسمي حول ما تبقى من مواد ازداد منذ شهر كانون الأول/ ديسمبر 2015، عندما قام مقاتلو تنظيم الدولة بمهاجمة حاجز على بعد 45 ميلا من الرواجحة.
ويستدرك الكاتبان بأنه في الوقت الذي اعتقدت فيه أمريكا والمسؤولون الليبيون بأن تنظيم الدولة لم يكن يعلم بوجود الكيماويات، إلا أنهم كانوا يخشون من أن يهاجم التنظيم الموقع، الذي يحتوي على أسلحة تقليدية أيضا، بالإضافة إلى أنه يشك بأن مقاتلي تنظيم الدولة قاموا بهجمات كيماوية في كل من العراق وسوريا، لافتين إلى أن الطائرات الأمريكية قامت هذا الأسبوع بتدمير مصنع للكيماويات في شمال العراق.
وبحسب الصحيفة، فإن قلق المسؤولين ازداد عندما تمت مهاجمة حاجز آخر في شهر أيار/ مايو، على مسافة تزيد قليلا على الميل من المخازن، فيقول جبريل: "بدأنا حينها بالتفكير بشكل جاد في كيفية إزالة تلك الكيماويات من مكانها"، أو على الأقل نقلها من مكانها المهدد، مشيرة إلى أنه في منتصف تموز/ يوليو، جددت حكومة الوحدة طلبا من منظمة حظر الأسلحة النووية، للمساعدة في إزالة الكيماويات، وأشارت الحكومة هذه المرة إلى استعجال هذا الطلب.
ويشير التقرير إلى أن نقل الأسلحة الكيماوية عبر الحدود يحتاج إلى موافقة من الأمم المتحدة، مستدركا بأن خشية المسؤولين من أن إشراك الأمم المتحدة في المهمة سيثير الانتباه غير المرغوب به لوجود تلك الكيماويات، خاصة من تنظيم الدولة.
ويذكر الكاتبان أنه كان لدى المسؤولين الليبيين نموذج تمثل في التعاون الدولي لإزالة الأسلحة الكيماوية السورية عام 2014، ويعلق جبريل قائلا: "قلنا لهم إن ذلك سيكون استثمارا في السلام والأمن الدوليين.. وحصلنا على تأييد كبير".
وتورد الصحيفة نقلا عن المسؤولة السابقة في البنتاغون، التي تعمل حاليا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ربيكا هيرسمان، قولها إن عملية ليبيا كسابقتها في سوريا، أثبتت أن تكلفتها مقبولة، وأنها آمنة، "بدلا من جلب أشخاص وإمكانيات إلى بيئة خطيرة"، للقيام بتدمير تلك الأسلحة في مكانها.
ويلفت التقرير إلى أن المسؤولين في واشنطن كانوا يتابعون المعلومات، وصور الأقمار الصناعية، وقام المسؤولون الليبيون بتحميل 20 برميلا، بعد أن ساعدت كندا الحكومة بشراء براميل جديدة، على مجموعة من الشاحنات، سارت عبر الصحراء إلى مدينة مصراتة الساحلية، ويقول جبريل: "ظن العديد من الناس أننا لن ننجح في نقل الكيماويات".
ويقول الكاتبان إن المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين كانوا يتسابقون للتنسيق لإخراج الكيماويات من ليبيا، وتبنى مجلس الأمن في 22 تموز/ يوليو مسودة قرار بريطانية، تسمح للدول الأعضاء بنقل المواد من ليبيا، مشيرين إلى أن البيت الأبيض حرص على عدم جلب الانتباه لقرار مجلس الأمن بالإجماع حتى تغادر المواد ليبيا، وتم تحميل المواد من ميناء مصراتة على سفينة دنماركية في أواخر آب/ أغسطس، صاحبتها في البحر الأبيض سفن تابعة للبحرية البريطانية والدنماركية، واتجهت تلك السفن نحو ميناء مونستر الألماني، حيث سيتم تدمير الكيماويات في مصنع تجاري على مدى ستة إلى تسعة أشهر.
وتستدرك الصحيفة بأنه مع أن ليبيا تبقى غير مستقرة، فإن المسؤولين الأمريكيين يأملون بأن تقوي هذه العملية حكومة الوحدة، في وقت بات فيه مستقبلها غير واضح.
ويقول المسؤول الأمريكي الأول: "الدرس الذي تعلمناه هو أن المجتمع الدولي لا يزال يهتم في إزالة التهديدات، مثل الأسلحة الكيماوية، ويمكننا التجمع على ذلك في ظروف صعبة، ونحقق نجاحا".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول جبريل إن إزالة المواد الخطيرة هو أمر يجمع عليه المجتمع الليبي المنقسم، حيث "كان التخلص من تلك الكيماويات وتدميرها في أسرع فرصة من صالح الليبيين جميعا".