نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافيين بيتر بيكر ورنا سويس، حول
الانتخابات البرلمانية الأردينة، التي جرت أمس.
وبدأ الكاتبان تقريرهما بنقل صورة من مقر الإخوان المسلمين يوم الثلاثاء، حيث لم يتوقف هاتف علي أبو السكر عن الرنين، فاليوم يوم الانتخابات، وهذه المرة هي المرة الأولى التي يشارك فيها الإخوان في الانتخابات بعد عقدين من المقاطعة.
ويقول الكاتبان إن "أبو السكر، نائب السكرتير العام لجبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي للإخوان المسلمين، عدد أولويات حزبه، وهي: مكافحة البطالة والفقر، وتحسين الخدمة الصحية والتعليم، والدفاع عن حقوق الإنسان، والتطور الاقتصادي، والديون، ولم يذكر الدين، وفي الواقع، فإنه تخلى عن شعاره السابق: (الإسلام هو الحل)، ورفع شعار (الإصلاح)".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الإخوان المسلمين، الذين هم في تراجع في أماكن أخرى من الشرق الأوسط، يأملون بأن يحققوا عودة في المملكة المعتدلة، بإعادة صياغة رسالتهم، والتخلي عن الخطاب المتشدد للإسلاميين في أماكن أخرى من المنطقة، والتركيز بدلا من ذلك على الخبز والملح، لافتا إلى أنه تم ترشيح نساء ومسيحيين على قوائمهم.
وتنقل الصحيفة عن أبو السكر قوله أثناء المكالمات: "شعارنا الإصلاحي لا يتعارض مع قيمنا الإسلامية .. فلا تعارض بين الأمرين"، مضيفا أن الأردنيين لا يريدون التشنجات التي تحصل حولهم، فهم "لا يريدون طريقا عنيفا للإصلاح".
ويورد الكاتبان أن معظم التقديرات تقول إنه عندما ينتهي عد الأصوات لاحقا هذا الأسبوع، فإن الإسلاميين سيشكلون أكبر كتلة برلمانية، وربما يعني هذا 25 مقعدا من أصل 130 مقعدا، ما يبقي قبضة الحكومة قوية على مؤسسة ليست لها سلطة حقيقية على أي حال في هذه الملكية، مستدركين بأن الانتخابات ستكون مقياسا لمدى تأثير الإسلاميين في بلد بقي ملاذا هادئا في منطقة مشتعلة بالاضطرابات.
وينقل التقرير عن مديرة مركز "فريدريك إيبرت" الألماني المهتم بالديمقراطية، أنجا وهلر-شويك، قولها: "ما يكسبه الإخوان المسلمون من هذا هو منصة تسمح لهم ببث رسالتهم".
وتذكر الصحيفة أن الإخوان المسلمين كانوا في موقع دفاع عن النفس على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، منذ إطاحة الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي، بالإضافة إلى أن دولا عربية أخرى، مثل السعودية، والإمارات، والبحرين، حظرت الإخوان المسلمين، بل إنها صنفت الجماعة بأنها إرهابية، مع أنها تنبذ العنف رسميا.
ويلفت الكاتبان إلى أن الحكومة الأردنية قامت بسحب ترخيص جماعة الإخوان المسلمين هذا العام، لكن جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي، بقيت مسجلة وقانونية، مشيرين إلى أن الحكومة سمحت بعودة نظام القوائم المفتوحة، وعدلت عن نظام انتخابي كان لا يعمل لصالح الأحزاب مثل الإخوان المسلمين، على أمل أن تبقي الإسلاميين داخل النظام وليس خارجه، الأمر الذي قد يؤدي إلى توجههم نحو التطرف.
ويفيد التقرير بأن "الإخوان المسلمين، الذين قاطعوا الانتخابات في المرتين السابقتين، وافقوا على المشاركة في الانتخابات هذه المرة، لكن حتى الحكومة سهلت الطريق أمام الإخوان للمشاركة، مع أنها لا تريد أن يحقق الإخوان نتائج جيدة، فشجعت على انقسام الجماعة إلى أربعة فصائل، ولا يخفي الملك عبد الله الثاني كراهيته للإخوان، حتى أنه سماهم (طائفة ماسونية)، ووصفهم بأنهم (ذئاب في ملابس حمل)، خلال مقابلة صحافية له مع مجلة (ذي أتلانتك) عام 2013".
وتورد الصحيفة نقلا عن الملك قوله في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن الانتخابات هي مؤشر على الديمقراطية المتنامية، وقال: "إنها خطوة جديدة في درب بلدنا التطوري الإيجابي.. درب لطالما أصررنا على الالتزام به، بالرغم من التقلبات الإقليمية، وعبء اللاجئين الضخم".
وينوه الكاتبان إلى أن "الأردن يجلس على تقاطع من الفوضى بجوار سوريا والعراق، ولديه 650 ألف لاجئ سوري مسجل، وعدد كبير غير مسجل ممن فروا من الحرب الأهلية والإرهاب، ويعد الحفاظ على الاستقرار في الأردن أولوية أمريكية في المنطقة، وقدمت أمريكا 1.6 مليار دولار للأردن؛ لمساعدته على تجاوز الأزمة، ما يجعل الأردن أكبر مستقبلي المساعدات الأجنبية".
وتقول الصحيفة إن "اللامبالاة والسخرية صاحبتا العملية الانتخابية يوم الثلاثاء، فكان هناك الكثير من النشاط السياسي في مراكز الاقتراع، وقليل من الناخبين، وكان عدد الشباب الذين يلبسون القمصان الملونة، ويوزعون المنشورات أكبر بكثير من عدد الناخبين، في الوقت الذي كان فيه المرشحون يبحثون عن أيد يصافحونها، ومع نهاية اليوم كان 37% قد شاركوا في الاقتراع، بحسب التقارير".
وينقل التقرير عن رشا شرايحة (30 عاما)، وتعمل محاسبة، قولها بعد قيامها بالتصويت، إنها تحذر الإخوان المسلمين؛ "لأنهم متطرفون"، وأضافت أن "الإكثار من الدين بشكل عام هو تطرف"، مستدركا بأن نيرمين نشاشيبي (53 عاما) قالت إنها صوتت للإخوان المسلمين؛ لأنهم يفهمون ما يشعر به المواطن العادي، وقالت: "كثير من الناس في الإخوان المسلمين عملوا بجد ليصلوا إلى ما وصلوا إليه، وهم ليسوا أغنياء كغيرهم من السياسيين، الذين لا يعرفون شيئا عن معاناة الناس، ولذلك يمثل (الإخوان) الناس بشكل أفضل".
وقال أبو السكر إن "الإخوان في الأردن يختلفون عن الأخوان في مصر، ففي مصر أجبروا على الفشل نوعا ما.. وهناك ضغط دولي وإقليمي على الأردن لمحاربة الإخوان المسلمين، لكن الحكومة تعرف واقع السياق الأردني، والدور الإيجابي التاريخي، الذي أدته (الحركة) في الأردن"، وأضاف أن الحزب تبنى مقاربة أكثر شمولية في الأردن، حتى أنه رشح على قوائمه مرشحين مسيحيين ونساء، وقال: "نحن شركاء مع غيرنا من المجموعات في الأردن".
ويبين الكاتبان أن هناك 250 امرأة على قوائم المرشحين، ويعود ذلك إلى الإخوان المسلمين، ويتوقع بعض المحللين أن يتجاوز عدد الفائزات الخمسة عشر مقعدا المحددة للنساء، لافتين إلى أن من بين النساء المرشحات والمتوقع نجاحها ريم بدران، وهي المرأة الوحيدة التي فازت بمقعد من خارج الكوتا في انتخابات 2010، لكن هدفها كان يوم الثلاثاء هو إبقاء المقاعد خارج سيطرة الإخوان، وأشارت في الوقت الذي كانت ترحب فيه بالناخبين خارج مركز اقتراع في عمان إلى تاريخ الأردن المقاوم للتطرف الواضح في البلدان المجاورة، وقالت: "لا نزال دولة معتدلة .. رسالتنا وبرنامجنا هما أننا بلد معتدل، وهذا هو الأولوية رقم 1".
وبحسب التقرير، فإن المرشح غازي مشربش، وهو مسيحي على القائمة ذاتها يقول إن الإخوان دخلوا الانتخابات لسبب واحد، وهو الإثبات للحكومة بأنهم لا يزالون يتمتعون بشعبية رغم الحظر، ويضيف مشربش، الذي كان عضو برلمان سابقا، أنه قرر الترشح ليحرم الإخوان المسلمين من مقعد من المقاعد المخصصة للمسيحيين، حيث أن فكرة سيطرة حزب إسلامي على مقعد مسيحي أمر لا يمكن تقبله، وقال: "إن هذا اختطاف".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه في الوقت الذي كان يتكلم فيه مشربش، اقترب منه ناخب مسلم، وقال له إنه انتخبه، وأضاف: "لا فرق بين المسلم والمسيحي"، فتهللت أسارير مشربش، وقال: "انظر! هذه هي الأردن".