نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، تقريرا حول انتشار ظاهرة الكتابة والرسم على الجدران، التي أصبحت شكلا أساسيا من أشكال التعبير عن المشاكل الاجتماعية والسياسية في
تونس.
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن التونسيين طوروا أشكالا جديدة من التعبير بعد مرور أكثر من خمس سنوات على الثورة، فقد انتقلت التعليقات من مواقع التواصل الاجتماعي إلى الجدران في الشوارع الشعبية.
وأضافت أن الشابة التونسية المختصة في مجال التصميم والغرافيتي، أميمة بوعصيدة "أظهرت التزاما قويا بالقضايا الاجتماعية التي تشغل المرأة التونسية، من خلال رسومها في الشوارع والأماكن العمومية"، ونقلت عنها قولها إن "هذا الفن يساعدها اليوم على الدفاع عن المرأة العربية المسلمة، والفنانة، سواء كانت متحجبة أم سافرة".
وأشارت المجلة إلى أن مظاهر التعبير الفني والغرافيتي تبدو أكثر وضوحا في شوارع مدينة صفاقس، التي حازت في سنة 2016 على لقب عاصمة الثقافة العربية، وقد شهدت هذه المدينة تنظيم عديد التحركات الفنية، ومن بينها المهرجان الدولي الذي حمل اسم "المخيم الفني للشارع العربي".
وقالت إن رسوم الغرافيتي التي أصبحت منتشرة في الأحياء الشعبية والأماكن العمومية، تحمل رسائل الغضب والسخرية والفكاهة، وفي بعض الأحيان تتضمن أبيات شعر خالدة، أو رسوما طريفة، أو رسائل مشفرة تشد انتباه المارة.
وبينت أن أشكال التعبير عن طريق
الرسومات على الجدران؛ تختلف اختلافا كبيرا بين المدن التونسية، ففي العاصمة أخذت كتابات كرة القدم والرسومات التي تحمل شعارات الديمقراطية، وتجسد بعض رموز النضال السياسي في تونس؛ محل الرسومات والكتابات الثورية التي ظهرت بعد الثورة.
ونقلت المجلة عن بوعصيدة قولها إن "الغرافيتي كان دائما فنا ملتزما، يحمل رسالة ملتزمة تجاه الأهداف النبيلة"، مشيرة إلى أنه خلال
الثورة التونسية؛ سمح الغرافيتي لها بتحرير طاقتها، والتعبير عن مواقفها في وجه الديكتاتورية، ثم لاحقا في وجه التعصب والإرهاب.
وأوضحت المجلة أن الشباب التونسي أصبح أكثر اهتماما برسوم الجرافيتي خلال السنوات الأخيرة، مما سمح بظهور مجموعات من الشبان الذين يجدون في الجدران مجالا للتعبير عن رفضهم للظلم والفساد والبطالة، وتبني القضايا الاجتماعية والثقافية لمجتمعاتهم، ومن بينها مجموعة "زواولة"، وتعني في اللهجة العامية التونسية "الفقراء".
وقالت إن بعض مجموعات الغرافيتي الأخرى "فضلت العمل بطريقة سرية عن طريق رسومها المنتشرة على الجدران وفي الأماكن العمومية، وتمتنع هذه المجموعات أحيانا عن توقيع رسومها بطريقة واضحة، ليضمن لها ذلك هامشا أكبر من حرية التعبير".
وأضافت أن عديد الفنانين قاموا بتطويع رسوم الغرافيتي من أجل خدمة أهداف معينة، والدفاع عن قضايا اجتماعية أو ثقافية، لكن ذلك تسبب لهم غالبا في مضايقات وملاحقات أمنية، مشيرة إلى أنه "من بين هؤلاء الفنانين؛ دلندا التي، التي قامت برسم بندقية يتسرب منها الدخان الملوث على أحد جدران المجمع الصناعي للحمض الفسفوري والأسمدة، تعبيرا عن احتجاجها على التلوث البيئي الذي يتسبب فيه، وقد قامت الشرطة باعتقال دلندا بسبب هذا الرسم الجداري، قبل أن تفرج عليها لاحقا".
وقالت المجلة إن حملة "ولدك في دارك" التي أطلقها مجموعة من الشباب في شهر آب/ أغسطس؛ ظهرت في البداية على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تتحول إلى كتابات جدارية في الشوارع الرئيسة للعاصمة.
وأضافت أن هذه الحملة التي تعني في اللهجة التونسية "ابنك في بيتك"، انطقلت احتجاجا على التدخل المتزايد لحافظ قايد السبسي، نجل الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، في القرارات المصيرية للدولة التونسية، مشيرة إلى أن هذه العبارة وردت لأول مرة على لسان أحد نواب الشعب التونسي، خلال جلسة منح الثقة للحكومة، ثم تحولت تدريجيا إلى شعار شعبي، "حتى إن أحدهم قام بكتابتها على تمثال الحبيب بورقيبة، قبل أن تقوم السلطات بإزالتها".
وبينت أن مجموعة من الشباب تطلق على نفسها اسم "المتطوعين" أطلقت خلال شهر آب/ أغسطس 2016 حملة للقيام برسوم جدارية في دور الثقافة والمدارس والمعاهد؛ من أجل تبليغ رسالة إيجابية للجيل القادم، تدعوهم إلى المحافظة على النظافة والتغيير الإيجابي.
وفي الختام؛ قالت المجلة إن رسوم الغرافيتي وأشكال التعبير الأخرى بالكتابة على الجدران؛ أصبحت تمثل مصدر إلهام للتونسيين في حياتهم اليومية، ووسيلة للدفاع عن القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية، بفضل الموهبة التي يتمتع بها بعض الفنانين الشبان.