عالميا ينتهي يوم الاثنين المقبل شهرُ تشرين الأول الجاري، أما لبنانيا فينتهي في هذا اليوم شهران، تشرين الأول 2016 وآذار 2005، وقد صمد هذا الأخير إحدى عشرة سنة في يوميات
لبنان السياسية، فتشكلت منه جبهتان مُكتملتا الرواية السياسية المحلية والامتداد الخارجي، ومنتشرتان عموديا وأفقيا على امتداد خارطة الوطن.
قوى الثامن من آذار التي اكتسبت اسمها من المظاهرة الحاشدة التي نظمها حزب الله وحلفاؤه في وسط بيروت عام 2005 لشكر الجيش السوري، قُبيل انسحابه تحت ضغط القرار الدولي 1559 الذي يطالب بانسحاب جميع القوات غير اللبنانية من لبنان، معطوفا على ضغط نصف اللبنانيين في الشارع الذين حمّلوا النظام السوري في حينه مسؤولية مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط 2005.
وقوى الرابع عشر من آذار التي حمل اسمها تاريخ أكبر تظاهرة يشهدها لبنان في تاريخه، حيث امتلأ وسط العاصمة بيروت بعد اغتيال رفيق الحريري بشهر واحد بمن قُدرت أعدادُهم بمليون ونصف المليون لبناني، يطالبون بتفكيك النظام الأمني اللبناني السوري الذي هيمن على أدق التفاصيل السياسية والإقتصادية وحتى الاجتماعية في البلاد، ويتوزّعون على تيار المستقبل والأحزاب المسيحية اليمينية وحزب آل جنبلاط الجامع للدروز.
تصدّعت جبهة 14 آذار دون أن ينفرط عقدها في أكثر من استحقاق انتخابي نيابي بعد فشلها في ضمان مصالح جميع مكوناتها في هذه الاستحقاقات، ثم بلغ التصدّع أوجَه بعد غزوة 7 أيار 2008 التي نفذها حزب الله بالتعاون مع حركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي في بيروت وجبل لبنان، فأغلق في العاصمة مراكز تيار المستقبل ومؤسساته الإعلامية ببضعة ساعات من العمل المُسلّح، فيما خاض معارك دموية متكافئة مع الدروز في الجبل انتهت بتسوية أمنية سياسية، دفعت النائب وليد جنبلاط إلى الخروج وحزبه "التقدمي الاشتراكي" من صفوف 14 آذار إلى المساحة الوسطية بين الجبهتين.
وفي هذه الأثناء ظلت قوى 8 آذار متماسكة متحلقة حول حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله مع فائض القوة العسكرية التي يتمتع بها، والتي صارت جزءا من الحروب الخارجية للجمهورية الإيرانية. وحرص نصرالله شخصيا على ضمان ما أمكن من مصالح حلفائه في الدولة، ولا سيما المكوّن المسيحي الأساسي في جبهته، التيار الوطني الحر بزعامة الجنرال ميشال عون.
لكن وحدة قوى 8 آذار لن تصمد طويلا عشية الاستحقاق الانتخابي لرئاسة الجمهورية المُتعسر منذ سنتين ونصف السنة، مع اختفاء قوى 14 آذار كمنافس وتَحول الاستحقاق إلى مبارزة بين القطبَين المسيحيين الحليفَين النائبَين ميشال عون وسليمان فرنجية، التي تبدو بالصورة المجردة أنها حُسمت لصالح عون بعد انضمام كتلتَي القوات اللبنانية والمستقبل إلى خانة مؤيّدي ترشيحه، ما يؤمّن له فوزا مريحا، إذا ما التزمت الأطراف بقراراتها المعلنة.
لقد فتح رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل، المكون الشيعي الثاني لقوى 8 آذار، نبيه بري المعركة ضد انتخاب ميشال عون، مُصرا على ترشيح زعيم تيار المردة، المكون المسيحي الثاني في قوى 8 آذار، سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، انطلاقا من حسابات بري غير المُعلَنة والمرتبطة بحماية ما يعتبره إنجازات حركة أمل مع حلفائها ولا سيما وليد جنبلاط، في تقويض المارونية السياسية التي خرجت من باب الحرب الأهلية عام 1975 ولن يسمح لها بالدخول من نافذة الانتخابات الرئاسية، حيث تركز حملة عون والأدبيات السياسية لتياره عموما على استعادة دور المسيحيين التاريخي في الحكم.
يوم الاثنين المقبل مع نهاية تشرين الأول الجاري هو موعد عقد جلسة البرلمان اللبناني لانتخاب ميشال عون رئيسا للجهورية إذا لم يطرأ طارئ، ستذهب قوى 8 آذار منقسمة بين مرشّحَيها عون وفرنجية، ليبدأ تاريخ جديد من التحالفات السياسية خارج الجبهتين الآذاريتَين السابقتَين. ففي مقابل حلف الضرورة الذي جمع ميشال عون مع سمير جعجع ومع سعد الحريري وحسن نصرالله في خانة واحدة، فإن حلفا أكثر انسجاما بين مكوناته بدأ بالارتسام ويتشكل بصورة أساسية من نبيه بري ونجيب ميقاتي، الرئيس الأسبق للحكومة، وسليمان فرنجية ووليد جنبلاط.
يوم الاثنين المقبل يُسدَلُ في لبنان الستار على شهر آذار 2005 الذي تمدد لأكثر من 138 شهرا، وطبع الحياة السياسية بالتشنجات والاصطفافات الحادّة بأشكال لا تخلو من الطائفية والمذهبية. ويوم الاثنين المقبل يبدأ عهد جديد من التحالفات السياسية أقل حدة وطائفية، ما يبشر بالخير واستقرار أمني نادر ومعقول، بالنظر إلى ما يجري مِن حولِ لبنان في المنطقة.