كتاب عربي 21

كوبا وبلادنا المنكوبة

جعفر عباس
1300x600
1300x600
رفع الثوار الكوبيون بقيادة فيدل كاسترو السلاح في وجه نظام الديكتاتور باتستا، في عام 1953، وفي اليوم الأول من الشهر الأول من عام 1959 كانوا قد دخلوا العاصمة هافانا، وبعدها بخمسة أشهر أعلنوا قيام دولة اشتراكية تهتدي بالنظرية الماركسية في كوبا، ومنذ انتصارهم ذاك، وإلى يومنا هذا وبلادهم تخضع لحصار اقتصادي من قبل الولايات المتحدة.

بحلول عام 1990 كانت المنظومة الاشتراكية، التي كان الاتحاد السوفييتي يقودها قد  تفككت، وخلعت دول أوربا الشرقية جلدها الماركسي، وسارت في ركب النظام الرأسمالي، وتحولت من عدو للولايات المتحدة وأروبا الغربية، إلى حبيب مقرَّب لها، وصار النظام  الاشتراكي في كوبا بلا حليف، ومع هذا صمد، رغم أن كوبا تقع جغرافيا في الفناء الخلفي لعدوتها الولايات المتحدة الأمريكية

لم يصمد النظام الاشتراكي في كوبا الى يومنا هذا لأنه يهتدي بنسخة خاصة به من الماركسية، (أي تخالف الماركسية التي كانت حاكمة في الاتحاد السوفييتي وشرق أوربا)، ويقول محللون سياسيون كُثر إن اشتراكية كوبا صمدت لأنها لم تُفرض قسرا على الكوبيين، كما حدث مع دول المعسكر الاشتراكي الأوربية، التي صارت بعد  انتصار الحلفاء على ألمانيا النازية من نصيب موسكو، التي سلمت السلطات  فيها لأحزاب شيوعية صغيرة، وظلت تلك الأحزاب على كراسي الحكم بدعم  عسكري واقتصادي واستخباراتي من  موسكو، وبالمقابل وصل الماركسيون في كوبا الى السلطة ب"عرق الجبين"، فقد جاءوا من صفوف الشعب وحملوا السلاح وانتصروا.

وأعود فأقول إن كاسترو ورفاقه لم يأتوا بإضافات أو  تعديلات على الفكر الماركسي، جعلت نسختهم منه قابلة للصمود، فشأنها شأن كل الدول الاشتراكية في التاريخ المعاصر، فإن حكومة كوبا الحالية هي حكومة الحزب الواحد، ولا تحس بالحرج وهي تعلن أن نظامها هو "ديكتاتورية البروليتاريا/ الطبقة العاملة".

النجاح الذي حققه ثوار كوبا، ولم تسبقهم إليه حكومة على مدى نصف قرن، هو أنهم محوا الأمية في كوبا تماما خلال عام واحد، وصاروا أول بلد في العالم بلا أميين منذ أواخر عام 1961، فقد أدرك كاسترو ورفاقه أنه لا "التربية الحزبية"، ولا الوعد بفردوس "من كل قدر طاقته ولكل قدر حاجته"، هو الذي سيجعل الشعب سندا للثورة، وبالتالي فقد قرروا استثمار الموارد المتاحة لتحويل شعب معظم أفراده من الفلاحين، بأجمعه قادرا على القراءة والكتابة.

وهكذا تم إعلان عام 1961 عاما للتعليم، وابتداءً من أول يناير من تلك السنة تم توزيع مليون مواطن متعلم على مختلف أنحاء كوبا، ولم يكن من بين هؤلاء من يتقاضى أجرا سوى نحو  16  ألف شخص، كانوا من المعلمين المحترفين، وكان دورهم تدريب المتطوعين على طرق التدريس الناجعة، وبحلول الثاني والعشرين من ديسمبر من تلك السنة، كان جميع الكوبيين قادرين على القراءة والكتابة، ولضمان عدم حدوث فجوة مستقبلا، صار التعليم في كوبا الزاميا حتى المرحلة الثانوية

كان كاسترو مدركا أن جيش المعلمين المتطوعين يضم الآلاف من صنف "عبد المعين"، أي قليلي الزاد من العلم، ومن ثم دعا إلى ما أسماه "علِّموا وتعلموا"، وعنى بذلك أن تعليم الآخرين، ينبغي أن يجعل نصف المتعلم الذي يتصدى لتلك المهمة، حريصا على أن يرتقي بمستوى تعليمه الشخصي كي يصبح قادرا على تعليم غيره.

وأعود إلى المسألة التي طرحتها هنا عبر مقالين متتاليين، ومؤداها أنه لا سبيل الى تنمية اقتصادية ناجحة، بدون تنمية بشرية قوامها وأساسها التعليم، وعزوت أعلاه صمود كوبا في وجه حصار اقتصادي خانق، إلى ان التعليم جعل من الكوبيين شعبا قادرا على الابداع والإنتاج، بدليل أن لكوبا اليوم أفضل نظام رعاية صحية في العالم، وقد أخرج الأمريكي مايكل مور فيلم "سِكو Sicko" الوثائقي، والذي أثبت فيه ان  الخدمات الطبية في كوبا اكثر كفاءة من نظيرتها الأمريكية.

وكان مور قد اصطحب بعض رجال الإطفاء والاسعاف الذين عانوا من ويلات صحية، لاشتراكهم في عمليات الإنقاذ عقب تفجيرات 11/9 إلى كوبا، حيث تلقوا الرعاية المطلوبة في زمن قياسي، ليس بشكل استثنائي من باب البروباغندا السياسية، ولكن بنفس الإجراءات المتبعة في علاج أي مريض في كوبا، وقبل بضع سنوات  لم تر الحكومة البريطانية حرجا في الاستعانة بكوادر كوبية لجعل الخدمات الوطنية الصحية في بريطانيا أكثر كفاءة.

وبالمقابل فإن نسبة الأمية في ما يسمى بالعالم العربي هي "الأسوأ" على مستوى العالم قاطبة، وتفيد سجلات اليونسكو بأن الدول العربية هي الأضعف عالميا في مجال مكافحة الأمية، وهذا ما سنتعرض له في مقالنا التالي بإذن الله.
1
التعليقات (1)
أيمن عصمان ليبيا
الأحد، 30-10-2016 03:10 ص
"ويقول محللون سياسيون كُثر إن اشتراكية كوبا صمدت لأنها لم تُفرض قسرا على الكوبيين" هل تعتقد أستاذ جعفر أن هذا الكلام صحيح ؟!!!!