نشرت مجلة "إيكونومست" تقريرا في عددها الأخير، حول وضع الأقلية المسلمة في
الهند، خاصة بعد فوز حزب
بهارتيا جاناتا الهندوسي المتعصب وحكمه للبلاد.
تبدأ المجلة بالقول إن "أول ما يلاحظه المرء لدى اطلاعه على الصحف الهندية هو غياب ذكر المسلمين فيها، بالرغم من وجود 172 مليون مسلم في الهند، يشكلون ما يقارب الـ15% من عدد سكان الهند".
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا: "نعم، لهم ذكر في الصحف، ولكن ليس بالاسم، وبدلا من ذلك يشير الصحافيون إليهم بخجل بعبارات مثل (مجتمع معين)، ويستخدم هذا الإطناب لتجنب الاتهام بتحريك الفوضى الطائفية، ويمكن تفهم الهدف في بلد ولد وسط اشتباكات طائفية عنيفة، وعانى من تكرارها، لكن العبارة المنمقة تشير إلى أمر آخر، فمنذ استقلال الهند عام 1947 تنامت غربة المسلمين بشكل بطيء".
وتقول المجلة: "صحيح أن مسلمي الهند لا يعانون من
الاضطهاد الرسمي، ولا المضايقة للخروج إلى المنفى، ولا الاستهداف الممنهج من المجموعات الإرهابية، كما هو الحال لبعض الأقليات في مناطق أخرى من شبه القارة، مثل الأحمديين في باكستان، لكن بالرغم من أن العنف ضدهم كان متقطعا، إلا أنهم عانوا بطرق أخرى، ففي عام 2006 نشر تقرير ضخم فصل الوجوه المختلفة لمعاناة المسلمين المتزايدة، ووجد التقرير أن هناك القليل من الضباط المسلمين في الجيش، كما أن نصيبهم من رتب الشرطة العليا يكاد لا يذكر، وكان
المسلمون بشكل عام أفقر وأكثر عرضة للتمييز الجنسي وأقل تعلما من المستوى العام للشعب، وكانت نسبة طلاب الدراسات العليا في الجامعات الراقية 2% فقط".
وتضيف المجلة أنه "بعد عقد على التقرير، بقيت معظم توصيات اللجنة مخزنة بصمت على الرف، وفي الواقع، ومنذ الفوز الكاسح للحزب القومي الهندوسي بهارتيا جاناتا عام 2014، فإن بعض الثغرات اتسعت أكثر، فهناك عدد وزراء مسلمين في الحكومة الوطنية أقل من أي وقت مضى منذ الاستقلال، بالرغم من زيادة نسبة المسلمين في الشعب (هناك وزيران فقط من 75 وزيرا)".
ويشير التقرير إلى أن "الهند تبقى بلدا علمانيا، لكن بعض القوانين التي اقترحها حزب بهارتيا جاناتا تحمل صبغة طائفية، وأحد تلك القوانين هو السماح للمهاجرين من الدول المجاروة بالتقديم للجنسية الهندية إن كانوا يدينون بالهندوسية أو السيخية أو المسيحية أو البوذية، لكن ليس إن كان الإسلام دينهم، وهناك قانون آخر يمنع تقديم طلب للمحكمة بأثر رجعي للبت في مصادرة أملاك الأشخاص الذين اعتبروا (أعداء باكستانيين)، حتى وإن كان أحفادهم لا علاقة لهم بباكستان، بل إنهم مواطنون هنود، وكانت المحاكم تحكم لصالحهم -وكلهم مسلمون- لكن عائلاتهم معرضة الآن لخسارة هذه الحقوق إلى الأبد".
وتبين المجلة أن "صمت الحكومة تجاه الاعتداءات الصارخة ضد المسلمين يخيفهم أكثر من الإهمال التشريعي، فقبل عام قامت مجموعة في قرية بالقرب من دلهي العاصمة، بضرب رجل مسلم لديه ثلاثة أطفال؛ لمجرد الاشتباه بأنه أكل لحم عجل، وعندما مات أحد المشتبه بهم بقتله في السجن مريضا حضر وزير من حزب باهارتيا جاناتا جنازته، حيث غطي تابوته بالعلم الهندي وكأنه بطل قومي".
ويلفت التقرير إلى أن "الصحف الهندية نشرت في أوائل شهر تشرين الأول/ أكتوبر تقارير تظهر الفرق في مصير رجلين تم اعتقال كل منهما بتهمة نشر مواد فيها شتم للدين على مواقع التواصل الاجتماعي، أحد الرجلين يتبع لمجموعة هندوسية يمينية في ولاية براديش، التي يحكمها حزب باهارتيا جاناتا، الذي تم إطلاق سراحه بسرعة من الاعتقال بعد الضرب المعتاد، وتم توجيه تهمة الاعتداء للضباط الذين قاموا بالاعتقال، وتم نقل المسؤولين عنهم إلى خرج حدود المنطقة، أما الرجل الآخر فهو قروي مسلم من ولاية جهارخند، تم اعتقاله لنشره صورا توحي بأنه ذبح بقرة، وتدعي الشرطة أنه مات بسبب إصابته بالتهاب في الدماغ بعد اعتقاله، وكشف التشريح، الذي أمرت به المحكمة، عن أنه مات بسبب الضرب، وحتى اليوم لم توجه التهمة إلى أي من أفراد الشرطة".
وتذكر المجلة أن "الطريقة التي تعامل فيها حزب باهارتيا جاناتا مع الانتفاضة في الولاية ذات الأكثرية الإسلامية في جامو وكشمير أثارت مخاوف المسلمين، فبعد أربعة أشهر من الاضطرابات، التي قتل فيها عشرات المدنيين، وجرح فيها المئات، ومع استمرار منع التجول والإضرابات، التي تبقي المدارس والمحال التجارية مغلقة، فإن الحكومة لا تزال تصر على عدم الحديث مع أحد سوى أكثر السياسيين المحليين ليونة، ويقول أحد وزراء الحكومة: (أنتم لا تدركون.. إنها حركة عنيفة تهدف إلى بناء دولة دينية إسلامية، ولا تستطيع أي ديمقراطية القبول بذلك)".
ويورد التقرير أن عمير أحمد، الذي يكتب في الشأن الإسلامي، يسخر من هذا، ويقول إن المشكلة هي إصرار الحكومة الهندية على التعامل مع قضية كشمير على أنها قضية مسلمين، بدلا من التعامل معها على أنها قضية تمثيل ديمقراطي، ومع ذلك فإن معظم المسلمين الهنود يقفون موقف حكومتهم الرسمي ذاته، إما من منطلق الظهور بمظهر الموالي، أو للشعور فعلا بعلاقة ضعيفة مع كشمير.
وتقول المجلة: "في الواقع، فإن المسلمين في الهند منقسمون، ليس فقط بين الأكثرية السنية والأقلية الشيعية الكبيرة، لكن أيضا بين الطبقات الاجتماعية المختلفة والمناطق المختلفة؛ فمثلا المسلم في إقليم البنغال لا يشترك باللغة وكثير من العادات مع مسلم من ولاية كيرالا في الجنوب، وقد تزداد الهوة قريبا، حيث هناك مشاورات بين المحكمة الهندية العليا ومفوضية القانون الوطنية، المسؤولة عن الإصلاحات القانونية، عما إذا كان من المناسب أن تبقى القوانين التي تضبط أمورا مثل الطلاق والميراث مثلا مختلفة، بحسب الفئة الدينية، أم إنها يجب أن تتحول إلى قوانين موحدة كما يحث الدستور، ومن القضايا الخاصة بالمسلمين مثلا، سمحت الحكومات السابقة للشيوخ المحافظين بالتحكم في قانون الأحوال الشخصية، ونتيجة لذلك، فإن الهند لا تزال تجيز للرجل الطلاق بمجرد التلفظ بالطلاق ثلاث مرات، على غير ما هو الحال في البلدان ذات الأكثرية الإسلامية".
وينوه التقرير إلى أن "حزب باهارتيا جاناتا يدعو إلى إصلاحات كبيرة وشاملة، ويصور رئيس الوزراء نارندا مودي القضية على أنها مسألة حقوق المرأة ليس أكثر، ومع أن المسلمين يتفقون على أن التغيير تأخر كثيرا، إلا أن هناك شكوكا بأن حزب باهارتيا جاناتا لا يهدف إلى إحداث إصلاحات بقدر ما يهدف إلى إشعال احتجاجات من المحافظين المسلمين، ليقوموا بتوحيد الهندوس في وجه (التخلف) الإسلامي".
وترجح المجلة أن "تؤدي هذه المسألة دورا في انتخابات هذا الشتاء في ولاية أتار براديش، أكثر ولايات الهند كثافة سكانية، حيث يعيش فيها 200 مليون شخص، منهم 40 مليون مسلم، وقد شهدت هذه الولاية عنفا بين المسلمين والهندوس، بعد هدم مسجد تاريخي عام 1992، يدعي الهندوس أنه تم بناؤه على معبد قديم على مكان مولد راما، أحد آلهة الهندوس، ويتوقع الكثير أن يستغل حزب بهارتيا جاناتا (بطاقة المسلمين) في محاولة للحصول على صوت الهندوس".
ويستدرك التقرير قائلا إن "هناك أملا، حيث فشلت خدعة مشابهة العام الماضي في ولاية بيهار المجاورة، ومهما كانت النتيجة، فإن مسلمي الهند يشعرون بشكل متزايد بأنهم مجرد مشاهدين في أرضهم".
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالإشارة إلى أن سعيد نقوي، الذي يؤرخ كتابه "أن تكون الآخر"، الذي صدر حديثا، الغربة المتنامية لمسلمي الهند، يقول: "سموها دولة علمانية، ولذلك اختار الكثير ممن كان لديهم الخيار، عندما وقع التقسيم البقاء هنا، لكن ما حصل فعلا هو أننا انزلقنا بسلاسة من حكم الراج البريطاني إلى حكم الراج الهندوسي".