حلب على موعد مع تطورات دراماتيكية خطيرة في الأيام القليلة القادمة، حيث يصّر تحالف روسيا- إيران ومنظومة الأسد على تحقيق إنجاز في هذه المدينة المنكوبة، ويجري التحشيد على أشده لخوض غمار المعركة، فقد أرسلت روسيا نخبة أسلحتها الاستراتيجية للمشاركة في الهجوم المنتظر، وأرسلت إيران جزءا كبيرا من احتياطي قوتها المليشياوي، فيما بشار الأسد يهيئ للمعركة بتصريحاته العنترية التي يوزّعها على صحف ووكالات الأنباء العالمية.
يعتقد التحالف الذي تقوده روسيا أن حسم معركة حلب لصالحه ستغير من المعادلة في سوريا بشكل جذري لمصلحة ذلك التحالف، وستجعله قادرا على فرض شكل التسوية التي يريدها على الجميع، غير أن ذلك التحالف رغم كل التجهيزات التي أعدّها للمعركة لا يجد في نفسه الثقة الكافية على تحقيق هذا الإنجاز، لذا يعمل الرأس المحرك " روسيا" على إجراء بعض التكتيكات ويحاول الاستفادة من بعض المعطيات ليوظفها في سياق المغامرة التي ينوي القيام بها في حلب:
- تدرك روسيا أن الانتصار في حلب لن يتحقق إلا إذا جرى استخدام القوة في حدودها القصوى وباستخدام كل أنواع الأسلحة، وبناء على ذلك تأتي الاستعدادات الروسية الموازية لتكون بحجم هذه المهمة ومتطلباتها.
- تحتاج روسيا إلى استثمار حزمة من المعطيات لتستطيع تمرير جريمتها إزاء حلب، فروسيا مثلا تنتظر ما ستنتجه معركة الموصل من كوارث وأخطاء لتقول إنها لم تفعل أكثر مما فعلته أمريكا وحلفاؤها في قتل وتهجير الناس بحكم الضرورة ولدواعي محاربة الإرهاب، وستتكئ على الهدن المزعومة والفرص غير الحقيقية التي منحتها لفصائل المعارضة؛ من أجل الخروج من حلب لتقول إنها فعلت كل ما في وسعها، وإنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان.
- ويبدو أن تصريح مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي مستورا، سيكون هدية وقعت عليها من السماء، بعد أن صرّح الأخير أن المعارضة كما النظام ارتكبت جرائم حرب في حلب، ومن نافلة القول إن روسيا ستعتبر هذا التصريح بمنزلة إقرار من الأمم المتحدة، وأن ارتكاب المعارضة لجرائم حرب يختلف عن ارتكاب نظام الأسد، على اعتبار أن الأخير نظام شرعي بتعريف موسكو، وهو يدافع عن السيادة والمؤسسات، ولا بأس لو ارتكب خطأ هنا وهفوة هناك.
إذن، تسعى روسيا إلى استخدام مزيج من الهرطقات الدبلوماسية الخبيثة، وانتهاز بعض الفرص السانحة، بالإضافة إلى القوة الغاشمة لتحقيق أهدافها في حلب، وهو ما يستوجب بناء منظومة فعل مواجهة تهدف ليس فقط للتصدي لهذا التحرك الخطير، وإنما تفكيك بنيته الذرائعية وإحراجه بتكتيكات ذكية، خاصة أن روسيا اليوم تحت مجهر العالم. صحيح أن أحدا لن يحضر أساطيله لمواجهة جنون بوتين في حلب، ولكن يمكن دفع العالم إلى اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية من شأنها أن تردع بوتين وتجعله يعيد حساباته، ومن ضمن الخيارات التي يمكن للثوار في حلب العمل عليها.
- الخيار الأول: لمبادرة الهجومية على مواقع النظام وتحقيق أعلى درجة من الالتحام بما يضمن خلط الأوراق الميدانية بدرجة كبيرة، ومسح خطوط التماس القديمة وتغيير خريطة الصراع بما يعطّل قدرة الأسلحة الاستراتيجية، من سفن وطائرات قاذفة على تحديد مواقع الاستهداف، وهذا يتطلب المسارعة في تحقيق اختراقات كبيرة داخل غرب حلب، وفي زمن لا يتعدى أيام معدودة، وهي الأيام المتبقية لاكتمال التجهيزات اللوجستية لاستهداف حلب.
- الخيار الثاني: اللعب على ورقة إخراج مقاتلي النصرة من حلب، ذلك أن روسيا تبني الجزء الأكبر من ذريعتها في استهداف حلب على هذه الجزئية، فيما تؤكد المعطيات أن عدد عناصر النصرة في حلب لا يتجاوز الثلاثمائة مقاتل، وبالتأكيد ان أدوارهم في الدفاع عن المدينة لن تكون بحجم فعالية الفصائل المحلية المشكّلة من أبناء حلب الشرقية، صحيح أن خروجهم من حلب سيكون له مردود معنوي على الجبهة التي تقودها روسيا، وسيحاول إعلام تلك الجبهة تصوير الأمر وكأنه انتصار كبير، لكن فعالية هذه الخطوة ستكون كبيرة لجهة إحباط المخطط الروسي ونزع ذرائعه، وربما لن يثني هذا الإجراء روسيا عن استهداف حلب، لكن من المؤكد سيقوي موقف القوى الدولية المعارضة لروسيا، كما أن روسيا ربما ترفع من سقف طلباتها، كأن تطلب خروج أحرار الشام مثلا وبعض الفصائل الأخرى، لكن إلهاء روسيا بورقة النصرة حتى يصار إلى ترتيب أوضاع أفضل للمعارضة أمر سيأخذ وقت وزمان، وربما سينتج عنه خلافات بين روسيا وحلفائها الإيرانيين ونظام الأسد.
لن يعيب الثورة ولا الثوار إن هم تعاملوا مع الأحداث بخبث سياسي، المعركة مع الخصم تحتاج استخدام كل الوسائل الممكنة، وروسيا الآن في وضع محرج وتحاول الالتفاف على هذه الوضعية، المطلوب إرباك خططها وتعميق إحراجها وخلق الانفسامات في صفوف تحالفها.