يعاني المغتربون العرب في الدول الناطقة بلغة غير عربية من مخاطر تتهدد اللغة الأم لأطفالهم جراء اندماجهم في بيئات أجنبية تجبرهم على تعلم لغة غريبة وممارستها في سائر أمورهم الحياتية.
ويرى أولياء أمور أن اللغة الأم "تتبخر" من ألسنة أطفالهم لعدم وجود متحدثين بها سوى في البيت الذي يقضون فيه ساعات قليلة بالمقارنة مع الوقت الطويل الذي يقضونه في المدرسة وبرفقة زملائهم الأجانب في مناطق سكناهم وخلال لعبهم ورحلاتهم وسائر الأماكن التي يتوجهون إليها.
ويقول آباء تحدثوا لـ"عربي21" أن أطفالهم وبعد دخولهم المدارس غير العربية يتحولون شيئا فشيئا للحديث بلغة أخرى داخل المنزل وتبدأ الكلمات العربية التي تعلموها في بيوتهم تصبح غريبة عليهم وصعبة النطق فيما قال بعضهم إن إطفالهم لا يفهمون الكلمات العربية بعد عدة سنوات من اندماجهم في البيئات الغربية.
ويقول المهندس أكرم سموح إن طفليه ولدا في ألمانيا ومنذ اليوم الأول لاندماجهم في المجتمع مع الأطفال لم يسمعا سوى القليل من الكلمات العربية في المنزل وكان الحديث أغلب الوقت باللغة الألمانية.
وأوضح لـ"عربي21" أن ابنه وابنته في الصف الثاني والأول الابتدائي لا يحسنان الحديث باللغة العربية مطلقا ومخارج الحروف لديهما بالغة السوء لدرجة أن ابنه إذا أراد الترحيب بأصدقائي باللغة العربية يقول "مارهابا" (مرحبا).
وأضاف: "ابنتي هي الأخرى لا تحسن الحديث باللغة العربية ووضعها أكثر سوءا من شقيقها وهي لا تستطيع التكلم بالعربية بالمطلق على الرغم من أننا لو تحدثنا معها بالعربية تفهم ما نقول لكنها لا تحسن استخدامها".
ويلقي سموح باللوم على نفسه وزوجته لوصول أطفاله إلى هذه المرحلة من الضعف باللغة العربية ويقول: "نتحمل المسؤولية الكاملة عن ضياع لغتهم العربية بسبب أننا في المنزل لا نتحدث بها مطلقا وإذا ما حصل وتحدثنا بالعربية فنحن لا نبذل الجهد اللازم ليكون حديثا ذا جدوى
تعليمي للأطفال بل مجرد حديث عابر".
ويشير إلى أن أحد أسباب تدني مستوى أبنائه في
اللغة العربية البعد المكاني عن المناطق التي يقطنها العرب في ألمانيا لافتا إلى أنه يسكن في منطقة ريفية هو الشخص العربي الوحيد الذي يقطنها مقابل آلاف الألمان".
لكن على الجانب الآخر يقول الأكاديمي الدكتور عبدالله معروف والذي يقطن في تركيا إن أطفاله وعلى الرغم من اختلاطهم بالأطفال الأتراك وتعلمهم لغتهم وقبل ذلك إقامته في بريطانيا إلا أنه ما زال يحافظ على لغتهم العربية بسبب استمرار متابعتهم داخل المنزل.
وقال معروف لـ"عربي21" إن التوصية الأهم خلال إقامته في بريطانيا كانت من معلمي أطفاله في المدرسة البريطانية بضرورة الاستمرار بالحديث معهم في المنزل باللغة الأم وعدم الحديث باللغة الإنجليزية".
وأضاف: "أن المعلمة قالت إن اللغة الانجليزية ستكتسب مع الوقت والاختلاط بالطلبة لكن على الأهل المحافظة على اللغة الأم داخل المنزل خوفا من ضياعها".
وأشار إلى أنه اتخذ اجراءات في المنزل تساعد أطفاله على المحافظة على اللغة العربية أهمها القنوات التلفزيونية العربية وبرامج الأطفال الناطقة بالعربية الفصحى.
ولفت إلى وجود مداومة على قراءة القصص العربية داخل المنزل مشيرا إلى أهميتها في استمرار حفظ طريقة الكتابة العربية وعدم اختلاط أفكار مع طريقة الكتابة باللغات الأخرى.
وقال معروف: "وضعت الأطفال في مركز لتعليم القران الكريم وهذا الأمر ساعدهم كثيرا على استمرار الحديث باللغة الفصحى في بيئة لا تتحدث العربية بالمطلق".
من جانبه قال المختص بتعليم اللغة العربية للناطقين وغير الناطقين بها الدكتور عبدالله فرج الله إن تردي مستوى حديث الأبناء باللغة العربية يرجع إلى البيت والوالدين.
وأوضح فرج الله لـ"عربي21" أن المسؤولية تقع على الوالدين لتقوية لغة أطفالهم في محيط لا يتحدث اللغة العربية من خلال إيجاد مكتوبة تحتوي على القصص والكتب باللغة العربية.
ولفت إلى وجود العديد من الوسائل والبرامج التعليمية الناطقة باللغة العربية على التلفاز والانترنت شرط أن يداوم الوالدان متابعة الأطفال وتعليمهم القراءة والكتابة بالأحرف العربية.
وشدد على ضرورة أن يكون هناك لقاء يومي للأهل بالأطفال يتم خلاله قراءة كتاب أو قصة باللغة العربية ويعطى الأبناء واجبا لكتابة كلمات من أجل ترسيخ كيفية كتابة العربية في عقولهم.
أشار إلى أن الأطفال في السنوات الأولى من العمر لديهم القدرة على اكتساب أكثر من لغة واهتمام الوالدين بلغة المجتمع الأجنية التي يستمع لها الأطفال بشكل أكبر من لغتهم الأم يهدد الأخيرة بالضعف والضياع في سنوات لاحقة حين يزيد الاحتكاك مع الأطفال الآخرين في المدارس.