تتجه الصناديق السيادية
الخليجية نحو أسواق المشاريع التكنولوجية والتجارة الإلكترونية، وهو تحول في استراتيجيات
الاستثمار التي ارتكزت لعقود طويلة على الاستثمارات التقليدية المحافظة.
وقال خبراء ومطلعون إن "السبب الرئيس وراء هذا الاتجاه يكمن في توافر فرص استثمارية بتلك القطاعات الناشئة وارتفاع عوائدها رغم المخاطر الكبيرة، بعد هبوط أسعار النفط الخام وعدم جدوى توسعة الاستثمارات في الوقت الحالي على الأقل".
ودخل صندوق الاستثمارات العامة السعودي "الصندوق السيادي للمملكة"، في وقت سابق من هذا الشهر في شراكة مع رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار ومستثمرين آخرين لإطلاق منصة للتجارة الإلكترونية باستثمارات مليار دولار، وتبلغ حصة الصندوق 50%.
ويعتزم الصندوق تأسيس صندوق استثماري جديد بالشراكة مع مجموعة "سوفت" اليابانية بقيمة 100 مليار دولار للاستثمار في
التكنولوجيا المتقدمة.
واستثمر الصندوق السيادي السعودي في حزيران/ يونيو الماضي، 3.5 مليارات دولار لتوفير خدمة "أوبر" الأمريكية لخدمات النقل وسيارات الأجرة، وهي أضخم شركة ناشئة غير مدرجة بالبورصة وقيمتها 62.5 مليار دولار.
2.6 تريليون دولار
وتشير إحصاءات غير رسمية إلى أن إجمالي أصول الصناديق الخليجية يبلغ حاليا نحو 2.67 تريليون دولار، أي ما يعادل أكثر من 37% من إجمالي موجودات صناديق الثروات السيادية العالمية.
وكان جهاز قطر للاستثمار قد استثمر في "أوبر" وشركة فليبكارت للتجارة الإلكترونية في 2014.
فيما يدرس جهاز قطر السيادي في صندوق التكنولوجيا الذي أسسته المجموعة اليابانية وصندوق الاستثمارات السعودي، بحسب ما نشرته وكالة "بلومبرغ" الأمريكية الشهر الماضي.
بينما قادت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية هذا العام، استثمارا مباشرا في شركة "جاوبون" الأمريكية المتعثرة المتخصصة في صناعة الأجهزة القابلة للارتداء.
توجه جديد
قال طه عبد الغني، المدير العام لشركة نماء للاستشارات المالية، إن التوجه الجديد من جانب بعض الصناديق السيادية الخليجية يعطي مؤشرا على تبني استراتيجيات غير مسبوقة لاستثمار أموالها في قطاعات ناشئة عالية المخاطر، مع السعي للحصول على عوائد أكبر من الاستثمارات التقليدية.
وتابع عبد الغني: "بعد هبوط النفط أصبح من الصعب استمرار تلك الصناديق في الاعتماد على تدفق للنقد من الحكومات مما أدى لتحول في استراتيجيات الاستثمار".
ولفت إلى أن بعض الصناديق شهدت الكثير من عمليات السحب بسبب انخفاض أسعار النفط، وإعادة الأصول لبعض الأنشطة الجديدة محليا.
وكانت صناديق الثروة السيادية بما فيها الخليجية، سحبت 86.5 مليار دولار على الأقل من بيوت الاستثمار العالمية خلال العامين الماضيين حتى حزيران/ يونيو الماضي، بحسب بيانات مؤسسة "أي فيستمنت" للأبحاث.
وتعاني أسواق النفط الخام من تخمة المعروض ومحدودية الطلب، وتراجع سعر البرميل بأكثر من 70% من 120 دولارا منتصف 2014، إلى نحو 27 دولارا قبل أن يصعد إلى نطاق 50 دولارا في الوقت الحالي.
اهتمام متزايد
من جانبه اعتبر طارق قاقيش، الخبير
الاقتصادي ومدير الأصول في شركة "المال كابيتال"، ومقرها الإمارات، أن هناك اهتماما متزايدا من جانب صندوق الاستثمارات السعودي على وجه التحديد بالاستثمار في قطاعات التكنولوجيا الحديثة الناشئة وذلك في ظل الاتجاه العالمي نحو تلك القطاعات.
وصندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي تأسس عام 1971، يمتلك حصصا بعشرات المليارات من الدولارات في شركات محلية مدرجة وغير مدرجة، حيث يعتبر من كبار الملاك في 19 شركة مدرجة في السوق السعودي، أهمها "سابك" و"البنك الأهلي التجاري" و"مجموعة سامبا" و"الاتصالات السعودية" و"معادن".
وأضاف قاقيش أن خطوات الصندوق السعودي هي في الاتجاه الصحيح وأمر إيجابي للمملكة التي ستزيد عائداتها غير النفطية، بالتالي تقليص الاعتماد على هذا القطاع الذي تأثر خلال العامين الماضيين.
فرص استثمارية
ولفت قاقيش إلى أن توافر فرص استثمارية بتلك القطاعات كان مشجعا مع ارتفاع عوائدها، في ظل صعوبات متزايدة مع الاستثمارات التقليدية مع مرحلة العائدات المنخفضة للأسواق المالية وأدوات الدين.
وأوضح أن الاستثمارات الناشئة ذات نسبة المخاطر المرتفعة، ما تزال تمثل نسبة ضئيلة من إجمالي حجم استثمار الصناديق السيادية الخليجية، في مقابل استمرار استحواذ أدوات الاستثمار التقليدية سواء عقارات أو أدوات الدين وغيرها على الجانب الأكبر.
وتوقع قاقيش أن يكون هناك اتجاه أكبر من جانب باقي الصناديق السيادية في الخليج نحو قطاعات التكنولوجيا، بهدف تعظيم أرباحها، وفي نفس الوقت تصدير هذه التكنولوجيا إلى المنطقة للمساهمة في التنمية الاقتصادية.
عوائد بديلة
وقال الخبير الاقتصادي الكويتي عدنان الدليمي، إن الحكومات الخليجية تعول على صناديقها السيادية، لإيجاد عوائد بديلة للإيرادات النفطية التي تراجعت بشكل حاد، ما دفع تلك الصناديق للدخول في قطاعات جديدة مثل الطاقة البديلة والتكنولوجيا والاستثمار في المستقبل مع دخول العالم في مرحلة الثورة الصناعية الرابعة.
وتابع عدنان الدليمي أنه في ظل عصر العائدات المنخفضة للأسواق المالية تأثرت عوائد الصناديق السيادية عموما من بيئة العائدات المنخفضة والأسواق المتقلبة.
وأوضح الخبير الاقتصادي الكويتي، أن الصناديق السيادية تأخرت كثيرا في الدخول نحو الاستثمارات عالية المخاطر، ولكن ما يزال أمامها فرص وإمكانيات قائمة لا سيما وأن الاستثمار في هذه القطاعات سيعود بالأرباح والإيرادات على المدى المتوسط.
الصناديق الخليجية
ومن بين أكبر 10 صناديق سيادية في العالم يوجد أربع صناديق خليجية من السعودية والكويت وقطر والإمارات، وثلاثة صينية، وثلاثة من دول العالم الأخرى المختلفة، بحسب الإحصاءات.
ويصنف صندوق أبوظبي للاستثمار المملوك لحكومة الإمارة الذي بدأ نشاطه عام 1976، كثاني أكبر صندوق سيادي في العالم بعد صندوق التقاعد الحكومي النرويجي، وتقدر موجوداته بنحو 773 مليار دولار.
وتمتلك الإمارات عددا من صناديق الثروة السيادية الأخرى، وهي مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية بمبلغ 183 مليار دولار، وصندوق مجلس أبوظبي للاستثمار بحجم أصول 110 مليارات دولار، وهيئة رأس الخيمة للاستثمار بنحو 1.2 مليار دولار.
فيما جاء صندوق الاستثمار التابع لمؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" في المرتبة الرابعة عالميا والثانية خليجيا من حيث الحجم وتبلغ استثماراته 632 مليار دولار، يليه صندوق الكويت بقيمة 592 مليار دولار، ثم صندوق قطر في المركز التاسع عالميا والرابع خليجيا بقيمة 256 مليار دولار.
وتمتلك سلطنة عمان صندوقا سياديا تبلغ أصوله 34 مليار دولار، فيما تبلغ أصول صندوق ممتلكات البحريني 11.1 مليار دولار.