على ضفاف بحيرة ليمان السويسرية وفي مدينة مونترو الهادئة والجميلة، التقى عدد من الناشطين الإسلاميين (من لبنان والعراق والسعودية واليمن والبحرين) وهم يمثلون اتجاهات مذهبية وفكرية وسياسية متنوعة، والدعوة كانت من مؤسسة "قرطبة" المختصة بمعالجة النزاعات والداعمة للحوارات المتنوعة وبدعم من وزارة الخارجية السويسرية، مع الإشارة إلى أن فريق مؤسسة "قرطبة" يضم شخصيات متنوعة من مصر ومن الجزائر ومن
سويسرا.
وهذا اللقاء الحواري الإسلامي-الإسلامي هو استكمال لحوارات سابقة جرت في عدد من العواصم العربية والإسلامية، وهو يهدف للبحث في التوترات السياسية والمذهبية والطائفية وفي كيفية وضع خريطة طريق عملية لمعالجة هذه الأزمات والتوترات عبر القيام بمبادرات ميدانية وعملية وعدم الغوص في الخلافات العقائدية أو من خلال الدخول في طبيعة الصراعات الإقليمية والدولية والجيوسياسية التي قد تقف وراء تعزيز هذه التوترات.
وأهمية هذا الحوار، الذي استمر لعدة أيام خلال الأسبوع الحالي، أنه يتم بعيدا عن وسائل الإعلام ويعتمد على قواعد معهد " تشاتم هاوس" للنقاش والحوار والتي تتيح نقل أجواء بعض اللقاءات والحوارات دون تحديد الأسماء أو الشخصيات التي تحدثت أو نشر صور شخصية للقاءات، والالتزام بهذه القواعد يتيح المزيد من الصراحة والشفافية والعمق في النقاشات والحوارات ويفتح الباب واسعا من أجل تقديم اقتراحات وأفكار عملية وصالحة للتطبيق لمعالجة هذه الأزمات والتوترات.
وتميز اللقاء الحواري بالتنوع، إن على مستوى طبيعة الشخصيات المشاركة من مواقع مهنية مختلفة وكذلك على صعيد الانتماءات، إضافة لحضور نسائي فاعل ونشيط ضمن الحوارات والمبادرات العملية، وأما المسؤولون في مؤسسة قرطبة ووفد وزارة الخارجية السويسرية فقد كانت مهمتهم إضافة للاستضافة تيسير الحوار والنقاش وتقديم بعض الاقتراحات للمساعدة في التوصل إلى حلول للمشاكل دون التدخل في مجريات الحوار أو في الخلافات السياسية والمذهبية والطائفية.
وقد جرى في هذا الاجتماع بحث الأوضاع السياسية والميدانية والاجتماعية في لبنان والعراق والسعودية والبحرين واليمن وتم استعراض آخر المستجدات وتأثيرها على العلاقات بين الطوائف والمذاهب المختلفة، ولا سيما بين السنة والشيعة والزيدية، وكذلك العلاقات بين مختلف الفئات داخل كل بلد، وإضافة لذلك جرى استعراض المبادرات الميدانية التي قام بها ممثلو كل بلد من أجل معالجة المشكلات داخل بلدانهم.
ومن الملفت في هذه اللقاءات الحوارية الصريحة والشفافة أنه رغم الخلافات في الآراء والمواقف بين المشاركين وبروز بعض الحدة في عرض بعض المواقف، فإن التفاهم والاستعداد للتعاون والقبول بالآراء المختلفة يسود بين المتحاورين، وكل ذلك يؤدي إلى البحث في كيفية وضع خطط عملية للانتقال من الحوار والتواصل النخبوي إلى الواقع الاجتماعي والسياسي والشعبي، وعدم الاكتفاء بالحوار النظري بل القيام بمبادرات لتعزيز العيش المشترك داخل كل بلد والمساهمة في نشر ثقافة المواطنة والإيمان بوحدة الأوطان ومواجهة التقسيم والتفتيت والتدخلات الخارجية.
هذا الحوار الإسلامي-الإسلامي على ضفاف بحيرة ليمان الجميلة، وفي مدينة مونترو التي توصف في سويسرا بأنها مدينة العرب كونها تستضيف في الصيف عددا كبيرا من أبناء الدول العربية للاصطياف أو الإقامة فيها، يمكن أن يشكل نموذجا عمليا للقيام بحوارات إسلامية وعربية في دول أخرى ودون الحاجة للوسطاء الآخرين سواء كانوا سويسريين أو غيرهم مع التقدير والإعجاب بالمبادرات السويسرية لتعزيز الحوارات الإسلامية ومواجهة التطرف والعنف.
إن ما جرى في مدينة مونترو وقبلها في إسطنبول وبيروت ولندن من حوارات إسلامية-إسلامية رغم كل الصراعات والتوترات والأزمات القائمة، وأن ما يتم تنفيذه من مبادرات عملية لتخفيف التوترات وإقامة أنشطة مشتركة بين أبناء مختلف المذاهب والطوائف والتيارات السياسية والدينية، كل ذلك يؤكد أننا قادرون على تجاوز الخلافات والجلوس على طاولة الحوار، فلماذا نستمر في حروبنا وصراعاتنا ولماذا لا نعمل جميعا لوقف هذه الصراعات بدل التحريض عليها من أجل السلطة أو دفاعا عن مصالح حزبية أو مذهبية أو خارجية؟