علقت صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها على فوز فرانسوا فيون على ترشيح
اليمين، متقدما بشكل كبير على منافسه آلان جوبيه، بأنه تعبير على تقدم اليمين في
أوروبا، مشيرة إلى أن
اليسار يتحمل حصة من المسؤولية في هذا كله.
وتقول الافتتاحية، التي ترجمته "
عربي21"، إن "الديمقراطيات الغربية تشهد تحولات في مركز الثقل بطريقة متقلبة، لكنها تتجه نحو اليمين بطريقة لا يشك بها أحد، فبريطانيا، التي صوتت لصالح البريكسيت، مالت نحو اليمين في حكومة تيريزا مي، وتبع ذلك انتخاب دونالد ترامب وكونغرس يسيطر عليه الجمهوريون في الولايات المتحدة، وفي هذا الأسبوع قد يصوت النمساويون لصالح رئيس من اليمين المتطرف، وقد تنهار حكومة يسار الوسط بعد الاستفتاء الدستوري الذي نظم يوم الأحد، وفي الوقت ذاته اختار الحزب الجمهوري، الذي يمثل يمين الوسط، مرشحا محافظا، وهو فيون، بصفته مرشحا عن الحزب في
انتخابات الرئاسة، التي ستعقد في العام المقبل، والتي قد تنتهي متساوية مع زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان".
وتؤكد الصحيفة أنه "من الخطأ بمكان التعامل مع هذه التطورات على أنها متقاطعة، فلكل بلد ديناميته السياسية المحلية، ففي
فرنسا عادة ما يوصف فيون بأنه يعبر عن التاتشرية ولكن بسياق فرنسي، وهو اتهام يمكن تأكيده بين الآن وانتخابات الرئاسة في نيسان/ أبريل، لكن تركيزه على الجذور الكاثوليكية لفرنسا تضعه داخل التقاليد الفرنسية المحافظة ذات التاريخ الطويل، التي لا يوجد لها شبيه في التقاليد السياسية البريطانية، فسياساته لا تشبه سياسات رئيسة الوزراء الحالية تيريزا مي، التي تختلف بالضرورة، وبشكل كبير، عن ترامب، بالإضافة إلى أن زعيم حزب الاستقلال اليميني بول ناتال، الذي تسلم القيادة من نايجل فاراج، يختلف عن مارين لوبان البريطانية".
وتجد الافتتاحية أنه "مع ذلك، فإن التطورات الأخيرة داخل العالم الغربي تحمل عناصر مهمة ومشتركة بينها، وتعبر عن مزاج متداخل بين الناخبين الغربيين، وتضم مخاوف من عدم توفر فرص العمل في ظل تحولات العولمة، والعداء للمهاجرين، والغضب ضد النخبة المدنية الحاكمة، والمخاوف من الإرهاب، وفي بعض الحالات مواقف معجبة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وتفيد الصحيفة بأن "فيون أصبح في موقف المرشح لرئاسة فرنسا، دون أن ينتبه إليه الإعلام في خطأ آخر بقراءة المزاج السياسي الذي سبق التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي وانتصار ترامب".
وتشير الافتتاحية إلى أن "فوز فيون يرسل إشارة أخرى ذات صدى، فقد قضى الأعوام الثلاثة الماضية يتجول في أنحاء فرنسا يستمع لمظاهر قلق الناخبين من اليمين المتطرف، ومن ثم عجل بهذه التجربة، ووضعها في حملة انتخابية متشددة، تدعو إلى تبني سياسة الحد الأدنى من الهجرة، وإعادة القيم الكاثوليكية المحافظة، وإعادة النظر في قوانين العمل، وخفض وظائف القطاع الخاص، وقادته هذه الحملة إلى فوزين مقابل فوز واحد للمرشح المعتدل ألان جوبيه، وفاز عليه في 92 دائرة من بين 95 دائرة انتخابية فرنسية، وكلا الرجلين عملا رئيسين للوزراء، لكن نظر لجوبيه، وليس لفيون، على أنه مرشح يمثل المؤسسة الحاكمة، وتضمنت وعود المرشح الخاسر إصلاح الهوية الوطنية، ولم تجد من يقبلها بين الناخبين الفرنسيين، في ظل التراجع الاقتصادي والإرهاب".
وترى الصحيفة أن "قدرة يمين الوسط على الرد وتشكيل العالم كما تطور في عام 2016 تتناقض مع عجز يسار الوسط عن القيام برد مماثل، وهذا العجز واضح في الدول الأخرى القريبة من الحدود، ويمثل اليسار الفرنسي حالة نموذجية، وباستثناء دول، مثل البرتغال وكندا، فقد عانى يسار الوسط من عجز عن الفوز في الانتخابات على جانبي المحيط الأطلسي، ويعاني اليسار الفرنسي من كونه جزءا من المشكلة الدولية العامة، وهي عدم القدرة على تقديم بديل مقنع قادر على جذب المزاج العام، خاصة أنه يعاني من مشكلة محلية حادة لم يتم حلها".
وتبين الافتتاحية أنه "لم يتوفر للاشتراكيين الفرنسيين إلا وقت قليل لحل مشكلاتهم قبل بدء الانتخابات التمهيدية في كانون الثاني/ يناير، لكن الإشارات غير مشجعة، فلم يكن فرانسوا هولاند مصلحا راديكاليا أو يساريا تقليديا، ولم يكن حاسما، وكان محل إحباط للجناحين في حركته، ويحظى اليوم بشعبية قليلة تعد الأقل منذ تأسيس الجمهورية الخامسة، وتشير الاستطلاعات إلى أنه لن ينجح لو قرر ترشيح نفسه لولاية ثانية في عبور الجولة الأولى من الانتخابات، التي تعقد على مرحلتين".
وتلفت الصحيفة إلى أن "هناك عددا من المرشحين البديلين الآن، من جين لو ميلانشو الاشتراكي إلى إيمانويل ماركون في الوسط، وفي نهاية الأسبوع ألمح رئيس الوزراء مانويل فال إلى إمكانية ترشحه، وقد يرى هولاند أن اختيار اليمين لفيون قد يحسن من موقعه، وسيواجه أي مرشح مشكلة في توحيد الغالبية، حيث إن تشرذم اليسار وعدم تماسكه عميق".
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالقول: "في غياب المرشح الحقيقي والقوي على اليسار، فإن الناخب الفرنسي سيواجه الخيار بين اليمين المحافظ واليمين المتطرف، وهي مشكلة فرنسية، وفوق هذا كله فإنها تعبر عن فشل كبير".