لا يستبعد أن يشعر بعض المتشددين إن لم يكن أغلبهم بنوع من الرضاء على ما حدث في بلد مثل
كندا عندما أقدم شاب مسيحي من المعادين للأجانب على قتل ستة مسلمين داخل مسجد يوجد بمحافظة كيبيك وجرح آخرين. ولعلهم يرون فيما حصل دليلا آخر على أن الإسلام وأهله "يتعرضان لحرب شرسة من كفار الغرب"، وهو ما يضفي الشرعية حسب اعتقادهم على "الحرب المقدسة" التي يخوضونها في كل مكان دفاعا حسب زعمهم عن دين التوحيد!!. في حين أن الحقيقة مغايرة لذلك، إن لم نقل هي على عكس ما يعتقدونه وما يروجون له.
لا خلاف حول القول بأن الإسلاموفوبيا ظاهرة عنصرية قديمة جدا. وهي إحدى التعبيرات المستمرة والمخترقة للتاريخ التي خلفتها الحروب الصليبية البغيضة. وبالتالي هي ظاهرة ثقافية ودينية واجتماعية سابقة لوجود تنظيم القاعدة و"تنظيم الدولة".
وهي ظاهرة أسهمت في تغذيتها عوامل متعددة من بينها النمو الديمغرافي للجاليات الإسلامية في الدول الغربية، وتصاعد حدة الأزمات الاقتصادية، وارتفاع أصوات أقصى اليمين الذي أصبح يجر وراءه الأحزاب اليمينية والوسطية، ويدفع بها نحو تبني مواقف وسياسات عدائية ومتطرفة تستهدف الأجانب وتحملهم مسؤولية الأزمات التي تمر بها المجتمعات الغربية.
يضاف إلى ذلك النسبة العالية من الجهل المتفشي في صفوف مواطني هذا الدول بالإسلام وبالتاريخ الموضوعي للعلاقات الإسلامية المسيحية وصولا إلى اللحظة الراهنة ومرورا بالحقبة الاستعمارية.
هذا السياق معروف لدى الباحثين والمراقبين، لكن على أهميته يجب ألا يحجب عنا دور هذا العنف الجنوني الدائر منذ سنوات، والذي تقوده جماعات تعتبر نفسها وصية على الإسلام وناطقة باسمه، وتبرر ذلك بالقول إنها تعمل من أجل تغيير المعادلات الدولية حتى يصبح الإسلام هو الذي يحكم العالم.
فهذا العنف الذي تحرر من كل القيود الأخلاقية في عديد المناسبات، أصبح يشكل مصدرا خطيرا على الإسلام والمسلمين، نظرا لكونه حاليا يمثل أحد أهم العوامل المغذية لموجة الكراهية التي يعاني منها المهاجرون من أصول عربية وإسلامية في جميع الدول الغربية.
وبناء عليه، فإن إعلان الحرب المسلحة على الغرب من قبل هذه الجماعات لم ينجح في توفير الأمن والاستقرار للمسلمين، ولم يؤد بعد كل هذه السنوات العجاف وهذا الكم الهائل من القتلى والعمليات الانتحارية والذبح والعودة إلى أسواق النخاسة، لم يؤد إلى إعادة الاعتبار للمسلم في العالم، بقدر ما نتج عنه تعميق نظرة الاحتقار والخوف والشك تجاه المسلمين.
يعيش الكنديون هذه الأيام لحظات مشحونة بالحيرة والصدمة بعد أن أقدم أحد أبنائهم على القيام باعتداء إجرامي وصفه رئيسهم بالعمل الإرهابي.
وهو شاب لا يعرف الإسلام، ولم يطلع على تعاليمه، ولا يعرف شكل المساجد من الداخل، ولا علم له بأوقات الصلاة. كل ما تسرب إليه في الفترة الأخيرة أن الدين الإسلامي يعلم أتباعه الهمجية والقتل العشوائي، وأن المسلمين يشكلون خطرا على كندا وعلى العالم، وأن الحل الوحيد لمواجهتهم هو العمل على طردهم من كندا من خلال قتل أكثر عدد منهم، وهو ما حاول أن يفعله من خلال الجريمة البشعة التي ارتكبها.
العنف يولد العنف، وأقصى اليمين في المجتمعات الإسلامية يغذي أقصى اليمين في الدول الغربية، فهما وجهان لعملة واحدة.
والذي سينتصر ظاهريا في مثل هذه الحرب هو الذي سيعمل على إيقاع أكثر خسائر في صفوف أعدائه، لكن الخطورة تكمن في أن الكثير من المسلمين الأبرياء، والذين اضطرتهم ظروفهم الاقتصادية أو رغبتهم في دراسة العلوم بالعواصم الغربية هم الذين سيدفعون جزءا هاما من ثمن هذه الحرب.
وبالتالي فإن الكرة ستعود إلى ملعب جماعات العنف والإرهاب التي تنشط داخل المجتمعات الإسلامية أو حتى من بين الجاليات المسلمة في الغرب، والتي تصبح المسؤولة عن أي أذى سيمس أفراد هذه الجاليات. بمعنى آخر، تقتل هذه الجماعات بعض المواطنين من ديانات أخرى، فتكون النتيجة تعريض المسلمين لمختلف أشكال المخاطر، بما في ذلك قتلهم على أيدي بعض المتطرفين من أتباع هذه الديانات!. وبهذه الحصيلة الثقيلة من المستفيد؟ ومن الخاسر؟.
هناك لحظة وعي ومسؤولية لابد من الاستفادة منها الآن. لقد قدمت الدولة الكندية من خلال مسؤوليها اعتذاراتها للمسلمين الكنديين. وتقتضي هذه الخطوة الرمزية تثمينها والانتقال بها إلى حوار عميق وجدي ومستقبلي يجريه الكنديون من أصول مسلمة مع ممثلي دولتهم.
وأضع سطرا تحت كلمة "دولتهم"، لأنهم يحملون جنسيتها، وقد تحولوا منذ أن فعلوا ذلك إلى مواطنين كاملي الحقوق مثلهم في ذلك مثل السكان الأصليين لهذا البلد الكبير.
وعلى المسلمين أن يرفضوا أن يتحدث باسمهم أي طرف غير كندي بما في ذلك حكومات الدول التي ينحدرون منها. فقضاياهم يجب أن تحسم في داخل بلدهم كندا وبين شركائهم في الوطن، وطنهم الجديد الذي اختاروه بحرية ووعي. عليهم ألا يفكروا في الانسحاب والعودة، وعليهم أن يجعلوا من أنفسهم طرفا مسؤولا وفاعلا في ترسيخ تجربة التعايش في دولة متعددة الأعراق والديانات والثقافات.