نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للقاضي ريتشارد فولك، تحدث فيه عن التطورات في القضية
الفلسطينية بعد قدوم الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، وتخليه المفاجئ عن حل الدولتين، ومصادقته على حل الدولة الواحدة، بشرط اتفاق الطرفين على ذلك، وهو ما لا يستطيع أحد تخيله.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "ترامب أعلن ذلك بتبجح جيوسياسي يليق بتاجر عقارات كبير، وهو كذلك، بالرغم من المناورات الرئاسية، بالإضافة إلى أن ترامب وعد بالتفاوض على صفقة عظيمة للمنطقة، تصل إلى ما هو أبعد من المناطق المتنازع عليها في فلسطين، وتضم دولا مجاورة، وربما المنطقة بأسرها".
ويضيف فولك: "من السهل التنبؤ بأن مثل هذا الحديث من ترامب لم يلق ترحيبا في الأردن ولا في مصر، اللتين ستتحملان عبء اللاجئين الفلسطينيين من عملية يراد لإسرائيل فيها أن تتمتع بأكثرية يهودية مريحة، إن تم فرض حل الدولة الواحدة".
ويتابع الكاتب قائلا إن "الجزء المثير في هذا السياق الجديد هو التسارع في توسيع المستوطنات غير الشرعية الموجودة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فبالرغم من قرار مجلس الأمن شبه المجمع عليه في شهر كانون الأول/ ديسمبر، الذي أدان المستوطنات، فإن
إسرائيل قامت بالتحدي وإعلان المصادقة على آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات، كما وافقت الحكومة الإسرائيلية على بناء مستوطنة جديدة، وأعلنت عن 50 مستوطنة يتم توزيعها في أنحاء مختلفة، بعد أن كان هناك قانون يقضي بعدم شرعيتها".
ويشير فولك إلى أن المحكمة الإسرائيلية العليا قد تقوم بالتجاوب مع التحدي القضائي المتوقع، وتلغي قانون الكنيسيت الأخير، الذي يقضي بشرعية تلك المستوطنات، مستدركا بأن تمرير القانون في الكنيسيت أصلا يعني أن القوى السياسية التي تدير دفة الحكم في إسرائيل الآن مصرة بشدة على عدم السماح بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
إنارة سماء الوعي
ويقول الكاتب إنه "في ظل هذه الظروف، يصبح واجبا على السلطة الفلسطينية أن تظهر للعالم أنها لا تزال على قيد الحياة، ولديها عدة طرق لفعل ذلك، ومن هذا المنطلق فإن هناك بدهية للسلطة لإنارة سماء الوعي العام حول معاناة الفلسطينيين، من خلال السعي للمطالبة الحثيثة بالعدالة في المحكمة الجنائية الدولية".
ويلفت فولك إلى أن "هناك شبه إجماع على الساحة الدولية بأن المستوطنات، وليست فقط النائية منها، مخالفة للمادة 49(6) من اتفاقية جنيف الرابعة، بالإضافة إلى أن هذه المستوطنات شكلت على مدى عقود حجر عثرة للتوصل إلى حل دبلوماسي مرض للصراع".
ويؤكد الكاتب أنه "من السذاجة التوقع أن تلتزم إسرائيل بحكم
محكمة الجنايات الدولية، أو أن تشارك في مثل هذه المحكمة في أي شكل، عدا عن تحدي أهلية المحكمة، لكن نتيجة إيجابية من المحكمة ستكون لها قيمة عالية بالنسبة للفلسطينيين، حيث إنها ستضع إسرائيل في موقف سيئ فيما يتعلق بالأمم المتحدة والقانون الدولي والراي العام العالمي، ودون شك فإنها تشجع تنامي حركة التضامن العالمية".
ويستدرك فولك بأنه "مع ذلك، وبالرغم من هذه الظروف، التي تجعل التوجه إلى محكمة الجنايات خيارا جذابا، فإنه من غير الواضح إن كانت السلطة ستسلك مثل هذا الطريق، حيث استبعد وزير الخارجية السابق للسلطة وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ناصر القدوة، عمليا الذهاب إلى المحكمة وقال لـ(ميدل إيست آي) الأسبوع الماضي، بأن الأمر (معقد)، دون إبداء أي إيضاحات أخرى".
وينوه الكاتب إلى أن "هناك إشارات مختلطة تصدر عن دوائر القيادة في الفلسطينية، فكان موقف السكرتير العام لمنظمة التحرير الفلسطينية على عكس ما كان عليه القدوة، حيث كان واضحا في إصراره على أن تقوم محكمة الجنايات الدولية بالتحقيق في (نظام الاستيطان الاستعماري)".
ويقول فولك: "يبدو مفيدا أن نتكهن لماذا هذه الازدواجية بين القيادات الفلسطينية، فيبدو أن القانون الدولي والرأي العام مع الفلسطينيين، وإسرائيل تتحدى وتظهر علامات الاستمرار في التوسع".
ويجد الكاتب أن "أهم ما في هذا النقاش هو الإجابة عن السؤال عما إذا كان رد الفعل على هذه التقلبات الجيوسياسية يخدم المصالح الفلسطينية أم لا في هذا الوقت".
موازنة الإيجابيات والسلبيات
ويفيد فولك بأن "حجة الدعوة للجوء إلى محكمة الجنايات الدولية واضحة، فإنه سيضع إسرائيل في الزاوية ومن المؤكد أن تكون ردة فعل حكومة
نتنياهو غاضبة وعدوانية لأي تحرك كهذا من السلطة، ومثل ذلك الرد سيقرأ على أنه تأكيد لقابلية إسرائيل بأن تدان في أي تحقيق مستقل فيما إذا كانت سياساتها الاستيطانية تلتزم بأدنى حدود القانون الدولي".
ويرى الكاتب أن "لأهم بالنسبة للسلطة في رام الله هو أنها ستثبت بأنه بالرغم من الإحباطات السياسية مؤخرا، إلا أن القيادة مستعدة لأن تسلك طريقا صعبا، وتظهر شجاعة سياسية، بما في ذلك استعدادها لتحمل الأعمال الانتقامية (التي ستقوم بها إسرائيل)".
ويذهب فولك إلى أن "اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية سيكون مرحبا به على مستوى الشعب الفلسطيني، الذي يعيش تحت وطأة الاحتلال، ويعاني من اعتداءات المستوطنين، ولا يرى مستقبلا إلا في مواجهة مع إسرائيل، فإن اختارت السلطة السير في هذا الطريق فإنها تكون قد استعادت الدعم لادعائها المتضائل بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني".
ويقول الكاتب: "أما الحجج لعدم الذهاب للمحكمة فإن العثور عليها أصعب، فليس هناك شك بأن فلسطين، التي اعترفت بها الأمم المتحدة دولة، تتمتع الآن بما يؤهلها للمشاركة في إجراءات المحكمة الدولية، لكن ما ليس واضحا هو إن كانت محكمة الجنايات الدولية ستتجاوب أم لا، فخلال عمرها البالغ 15 عاما، كانت محكمة الجنايات الدولية مترددة، إلا في أفريقيا، وحتى هناك لدغت بمقاومة قوية من الحكومات الأفريقية والاتحاد الافريقي، وكانت المحكمة حريصة على ألا تثير المعارضة السياسية لها في الغرب، وهو بالتأكيد ما سيحصل إن هي أطلقت تحقيقا كاملا في مظالم الفلسطينيين ضد إسرائيل".
ويشير فولك إلى أن "هناك مشكلة عكسية بالنسبة لمحكمة الجنايات الدولية، التي قد تحبط السلطة الفلسطينية، فحتى تبدو المحكمة متوازنة قد توسع تحقيقها ليشمل الادعاءات بخصوص الصواريخ العشوائية التي تطلق من غزة، وقد تقرر أن هناك أدلة قوية على وجود مسؤولية جنائية تقع على حركة حماس، في الوقت الذي تفشل فيه التهم ضد إسرائيل؛ لعدم إمكانية التحقق من النوايا الإجرامية".
ويجد الكاتب أنه "مع أن مثل هذه النتيجة تعد نكسة للسلطة، إلا أنها في محكمة الجنايات الدولية ستكون مكان نقد دولي؛ لمخالفتها التفسير المعقول للقانون الدولي، وستعد انعكاسا للضغوط التي وضعتها واشنطن على المحكمة".
ويقول فولك: "قد يكون أكثر ما يمنع السلطة من اللجوء إلى المحكمة هو الحملة التي تشنها اسرائيل وأمريكا ضدها، التي أدت خلال حكم أوباما إلى إصدار قانون من الكونغرس يقطع المساعدات كلها للسلطة في حال اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية، ومنذ فوز ترامب تزايدت هذه التحذيرات، بما في ذلك توقيف كامل للمساعدات المالية، وإغلاق مكاتب المنظمة في واشنطن، والتهديد بوضع كل من منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح على قائمة الإرهاب الأمريكية مرة ثانية، وواضح أن السلطة الفلسطينية تأخذ هذه التهديدات بجدية".
ويبين الكاتب أن "هناك مخاوف للسلطة بأن اللجوء إلى المحكمة قد يجعل إسرائيل تسرع نحو الإغلاق بشأن الصراع بالقيام بضم كل أو بعض الضفة الغربية، ومثل هذا الرد يتماشى مع ميل إسرائيل للرد بشكل غير متناسب على إجراء رسمي يستهدف شرعيتها أو سياساتها أو ممارساتها، وإسرائيل حساسة جدا من تهم جرائم الحرب".
ويقول فولك: "الآن، حيث يستطيع نتنياهو الاعتماد على دعم غير مشروط من البيت الأبيض والكونغرس، فإنه لن يكون مفاجئا أن يستغل فرصة رفع القضية لمحكمة الجنايات الدولية لإعلان سيادة إسرائيل على فلسطين التاريخية كلها".
شلل السلطة
ويضيف الكاتب: "يبدو من المؤكد في هذا السياق أن السلطة لن تحاول الاستفادة من خيار محكمة الجنايات الدولية، وستتبنى موقفا محيرا، فلن تعلن بوضوح أنها لن تلجأ للمحكمة، ولن تلجأ لها".
ويرى فولك أن "هذا يعكس حقيقة أن السلطة محاصرة بين صخرة التهديد الأمريكية الإسرائيلية وغضب الشعب الفلسطيني الهائج، ويذكرها بمأزقها أن عام 2017 تحل فيه الذكرى الخمسون للاحتلال الإسرائيلي للضفة".
ويذكر الكاتب أن "الموقف الأمريكي هذا ليس جديدا، فخلال رئاسة أوباما عارضت أمريكا محاولات السلطة الاعتماد على القانون الدولي للمضي قدما في نضالها الوطني".
ويخلص فولك إلى القول إنه "بدلا من الترحيب باستخدام القانون عوضا عن السلاح، انتقدت الحكومة الأمريكية الجهود الفلسطينية للحصول على عضوية في الأمم المتحدة، أو السعي للحصول على العدالة لمظالمها في المحافل الدولية، وواضح أن الانقلاب على القانون الدولي والأمم المتحدة سمة من سمات رئاسة ترامب، وليس فقط فيما يتعلق بالفلسطينيين، وهذه أخبار ليست جيدة للعالم".