نشر موقع "بلومبيرغ" تقريرا للكاتبة دونا أبو ناصر، عن النشاطات
الإيرانية، تقول فيه إنه في الوقت الذي يهدد فيه الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب بضرب إيران، فإن الأخيرة تقوم بالتوسع وبناء شبكة أصدقاء في القارة الأفريقية، ما يطرح أسئلة حول قدرة الولايات المتحدة على احتواء الجمهورية الإسلامية.
وتقول أبو ناصر إن النجار النيجيري محمد بشير لم يزر إيران أبدا، لكنه مستعد للقتال حتى الموت دفاعا عنها، حيث قال: "لو أرادت إيران مساعدتنا فنحن مستعدون لذلك حتى بدمائنا"، وأضاف: "يجب على دونالد ترامب معرفة أن إيران لديها أتباع في أنحاء العالم كله مستعدون للدفاع عنها ضد أمريكا".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن جولة في بزاريا، في شمال
نيجيريا، تكشف عن نجاح إيران في إيجاد أتباع متحمسين لها في هذه المنطقة ذات الغالبية المسلمة، وبعيدا عن الشرق الأوسط، وأبعد عن قدرة رئيس أمريكا وسياسته الخارجية القاسية.
ويذكر الموقع أن النجار البالغ من العمر 30 عاما هو من بين أعداد من الذين تحولوا للتشيع، الذي تقوم إيران بتصديره منذ عام 1979، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يتكيف فيه العالم مع عهد ترامب، فإن الرسالة من واشنطن وحلفائها في واشنطن، هي أن إيران تتمتع بتأثير في مناطق لا يتوقعها أحد، حيث استطاعت هذه القوة المسلمة توسيع نفوذها رغم العقوبات الاقتصادية، التي استبعدتها من النشاطات المالية الدولية كلها حتى العام الماضي.
وتلفت الكاتبة إلى أن نفوذ إيران وصل إلى أكبر دولة أفريقية من ناحية العدد السكاني والمنتج للنفط، والبلد الذي يتخمر فيه النزاع الطائفي، وفي بلد معظم سكانه من السنة، مشيرة إلى أن موطئ القدم الإيرانية فيه أثار قلق السعوديين.
وينقل التقرير عن بول سالم من معهد الشرق الأوسط في واشنطن، قوله: "تقوم إيران بحملتها وحربها الدولية، وتعتقد أن الولايات المتحدة تحاول استهدافها"، لافتا إلى أن الإيرانيين يقومون ببناء شبكات تحت شعارات دينية، التي يمكن أن تستخدم في أي مواجهة، حيث هناك احتمال ظهور نزاع طائفي سني شيعي.
وينوه الموقع إلى موقف إدارة ترامب من إيران، حيث منع الرعايا الإيرانيين من دخول الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مسلمي ست دول أخرى، مشيرا إلى أن واشنطن وجهت الشهر الماضي تحذيرات لطهران، ووصفها ترامب بأنها "الدولة الأكثر رعاية للإرهاب في العالم"، وقال كبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض ستيفن بانون، إن هناك حربا وجودية دولية بين مناطق في العالم الإسلامي والغرب المسيحي اليهودي.
وتفيد أبو ناصر بأن وزارة الدفاع تقوم بمراقبة النشاطات الإيرانية في نيجيريا وغرب
أفريقيا، لافتة إلى أن البرقيات السعودية التي سربها موقع "ويكيليكس" عام 2015، كشفت عن مخاوف سعودية من التوسع الإيراني الشيعي في مالي وموريتانيا وبوركينا فاسو في غرب أفريقيا إلى الهند والصين في آسيا.
ويورد التقرير نقلا عن المتحدث باسم البنتاغون كريستوفر شيروود، قوله: "بالتأكيد تقوم وزارة الدفاع بمتابعة النشاطات الإيرانية، ويجب علي القول إنها نشاطات مزعزعة للاستقرار، وهي نشاطات مثيرة لقلقنا، وبالتأكيد لتلك المنطقة من العالم".
ويذكر الموقع أن محمد، الذي ولد سنيا، يقول إنه تحول للتشيع قبل خمسة أعوام رغم تهديدات عائلته، وكان مع أصدقاء له في الأسبوع الماضي أمام مسجد في زاريا، حيث علم عن نوايا ترامب ضد إيران، وعلق قائلا إنه لو قال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي "أي أحد يجد أمريكيا في بلاده فإن عليه قتله فسنقتله"، مشيرا إلى أنه بالنسبة لمحمد فإن الجاني ليس الأمريكيين فقط، لكن حلفائها أيضا إسرائيل والسعوديين، حيث قال: "هناك عداوة بين إيران والولايات المتحدة من جهة، وبينها وبين السعودية وإسرائيل من جهة أخرى".
وتبين الكاتبة أنه "بالنسبة للإيرانيين، فإن الحكاية متعلقة بصراع وجودي أيديولوجي مع الولايات المتحدة، بحسب سالم من معهد الشرق الأوسط، فهي عن أي مكان في العالم يمكن استخدامه اليوم أو في المستقبل، وتعتمد إيران على مليشيات شيعية وكيلة أفغانية وعراقية ولبنانية لدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد ضد معارضيه".
ويجد الموقع أن دفع إيران باتجاه غرب أفريقيا يعد تحديا مباشرا للسعودية والدعوة الوهابية المحافظة التي تصدرها، منوها إلى أن التنافس بينهما أدى إلى خلق انقسامات داخل المجتمعات المحلية في نيجيريا، حيث تحاول كل دولة دعم مؤسسات ومراكز تدير مدارس، وتقومان بتقديم منح تعليمية وتدريب رجال دين في ظل تراجع أسعار النفط، الذي تعتمد عليه نيجيريا، والحرب ضد بوكو حرام، الجماعة التي تخوض حربا ضد الدولة في شمال البلاد.
وتورد أبو ناصر أنه بحسب البرقيات السعودية، فإنه تم اقتراح إرسال عدد أكبر من الطلاب في منح دراسية، ودعم المراكز الدينية من أجل مواجهة التأثير الإيراني، لافتة إلى أن عالمين سعوديين زارا في الفترة الماضية العاصمة النيجيرية أبوجا، وقام أحدهما، الذي يعمل مستشارا في الديوان الملكي السعودي، بإلقاء خطبة الجمعة.
وينقل التقرير عن الأكاديمي النيجيري في لندن إيني ديلي أديدجي، قوله: "يراقب السعوديون محاولات الإيرانيين الدخول إلى نيجيريا مثل مراقبة شخص آخر يحاول مرافقة صديقك"، وأضاف الباحث في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية: "في الظاهر، فإن كل بلد يحاول المساعدة من خلال الأعمال الخيرية، لكن خلف هذه المظاهر هناك محاولة لكل بلد لتوسيع تأثيره".
وبحسب الموقع، فإنه لم يكن في نيجيريا أي شيعي عندما حصلت على الاستقلال من البريطانيين عام 1960، وكان معظم المسلمين يمارسون الصوفية دون التزام بأي طريقة، وذلك بحسب ألكسندر تيرستون مؤلف كتاب "السلفية في نيجيريا: الإسلام والدعوة والسياسة"، مشيرا إلى أنه عندما قام السعوديون بالاستثمار في الستينيات من القرن الماضي كانت نيجيريا إحدى الدول التي توجهوا إليها، "ولم يكونوا مدفوعين بالتنافس مع إيران".
وتذكر الكاتبة أن عدد سكان نيجيريا يقدر بحوالي 190 مليون نسمة، منقسمين بين المسلمين والمسيحيين، ويقول البعض إن عدد الشيعة الآن أصبح 20 مليونا، لكن السنة يقولون إن هذا الرقم مبالغ فيه، وإن العدد لا يتجاوز حتى ربع هذا الرقم.
ويكشف التقرير عن أن
التشيع بدأ بنشاط طالب الجامعة إبراهيم الزكزكي، الذي أعجب بالثورة الإيرانية، وأراد القيام بثورة مماثلة في بلاده، وعندما لم يحدث هذا الأمر فإنه سافر إلى إيران، وتحول للتشيع في مرحلة ما، وأصبح يرتدي لباس الملالي الإيرانيين، وأنشأ الحركة الإسلامية في نيجيريا، التي تحولت إلى عربة لنشر المذهب الشيعي في التسعينيات من القرن الماضي، لافتا إلى أن الأمور تطورت عندما قتل الجيش النيجيري 300 من أتباعه، واتهمه وجماعته بمحاولة اغتيال رئيس هيئة الأركان النيجيري، واعتقل الزكزكي وعدد من أتباعه.
ويبين الموقع أن النجار محمد تحول للتشيع بعدما حضر محاضرتين كل يوم للزكزكي، فيما يقول بائع الصحف السابق شريف أبو بكر زكريا (43 عاما) إنه تشيع قبل عشرين عاما، بعدما "أخبرنا (رجل الدين الشيعي) الحقيقة عن الإسلام"، حيث يجلس على كرسي متحرك بسبب إصابته بالشلل، ويعيش في غرفة صغيرة مزينة بصورة آية الله الخميني والمرشد الأعلى خامنئي، ويتفق مع محمد بأن ترامب لديه أجندة صهيونية، مشيرا إلى أن زكريا يعتمد على معونة أسبوعية من حركة الزكزكي "1500 نيرة"، ويقول إن أبناءه السبعة سيهبون لنصرة خامنئي لو أراد مواجهة أمريكا، ويضيف: "أنا أحبه وأحب إيران".
وتشير أبو ناصر إلى أن إيران تدعم الزكزكي منذ سنوات، وأصبحت المنطقة التي ينشط فيها بزاريا "مكة المحرومين في نيجيريا"، بحسب أندرو بيج، الذي عمل سابقا في وزارة الخارجية الأمريكية مسؤولا عن الشؤون النيجيرية، وقدر ما تحصل عليه الحركة الإسلامية شهريا بحوالي 10 آلاف دولار، منوهة إلى أن الزكزكي استخدم المال في الجمعية الخيرية التي يديرها وأنشأ ملجأ ومطبخا لتوزيع الشوربة، حيث قال بيج: "كانت طريقة إيران غير مكلفة لبناء موطئ قدم لها في نيجيريا".
ويختم "بلومبيرغ" تقريره بالإشارة إلى أن لدى المنظمة 300 مدرسة ومركز إسلامي وصحيفة ومؤسسة للشهداء، لافتا إلى أنها تمتلك شبكة تشبه أنظمة الرعاية الاجتماعية التي أنشأها حزب الله في الضاحية الجنوبية في بيروت.