نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا، تحدثت فيه عن خطوة
الجزائر مؤخرا لتعزيز العلاقات الجزائرية الأمريكية، التي تمثلت في تعيين عبد المومن ولد قدور على رأس شركة "سوناطراك"، التي تعتبر بمنزلة رئة الجزائر
الاقتصادية.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن ولد قدور، الشخصية المثيرة للجدل، كان قد شغل منصب الرئيس التنفيذي السابق للشركة الجزائرية الأمريكية "بي آر سي"، التابعة لشركتي سوناطراك "وهاليبرتون" الأمريكية. وخلال الفترة بين 1994 و2007، أنشأت شركة "بي آر سي" العديد من المشاريع الضخمة بالتعاون مع الجيش الجزائري ووزارة الطاقة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الشركة قد أعلنت عن إفلاسها خلال سنة 2007، تاركة خلفها فضيحة مدويّة، حيث لاحقتها شبهات فساد واختلاس تمثّلت في عقود بقيمة 560 مليون دولار تم توقيعها مع وزارة الطاقة، التي كان يرأسها في ذلك الوقت، شكيب خليل، المعروف بميوله للولايات المتحدة، بالإضافة إلى عقود أخرى بلغت قيمتها مليار و300 مليون دولار، تم تنفيذها بالتعاون مع الجيش الجزائري.
وأوضحت الصحيفة أن عبد المؤمن ولد قدور، صديق شكيب خليل المقرّب، "وذو الكفاءة العالية"، قد مثل أمام محكمة عسكرية في مدينة البليدة، على خلفية هذه الوقائع. وفي الحقيقة، تم اتهام ولد قدور بالتجسس لصالح وكالة المخابرات المركزية، وهو ما أثبتته التحقيقات التي قامت بها دائرة الاستعلام والأمن. لكن تم الإفراج عنه بشكل غامض بعد أشهر من الاحتجاز.
وأضافت الصحيفة أن شركة "بي آر سي" كانت بمنزلة ساحة حرب ضروس دارت رحاها بين الرئيس الجزائري عبد العزيز
بوتفليقة "والجنرال توفيق"، الذي كان يترأس المخابرات حينذاك. وفي الأثناء، شهدت شركة سوناطراك على وجه الخصوص، وقطاع
النفط بشكل عام، مواجهات حادة بين الرجلين، في الفترة بين 2006 و2013.
وذكرت الصحيفة أن غياب الجنرال توفيق عن الساحة الجزائرية في الوقت الراهن، وعودة شكيب خليل إلى البلاد في 17 آذار/ مارس سنة 2016، قد فسح المجال أمام مؤيدي التوجه الأمريكي، الذين شهدوا محاربة من قبل ضباط المخابرات، لاختراق أعلى المناصب في الحكومة. في الوقت ذاته، وجد كلام خليل، الصديق المقرب للرئيس الجزائري، آذانا صاغية، فضلا عن أنه أدى دورا استراتيجيا مهما في حث الجزائر لمواجهة شركة توتال الفرنسية، والدخول في مفاوضات على عقد اتفاق شامل مع الدول الأخرى المنتجة للنفط، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2016.
وأوردت الصحيفة أن تأثير شكيب خليل، الذي طالما كافح من أجل أن تتخلّى الجزائر عن منطقة اليورو لصالح مجموعة الدولار، لم يتوقف عند ذلك الحد، حيث مثّل مصدر إلهام لفرض قيود جديدة على الواردات، مما أسفر عن انخفاض في نسبة الطلبات الوافدة من فرنسا وأوروبا. وفي الأثناء، حرص وزير الطاقة الأسبق، الذي عمل في عدة شركات أمريكية، على تلميع صورته ببطء وثبات، وذلك عبر الظهور على شاشات التلفاز، والمؤتمرات.
وأكّدت الصحيفة أن التبادلات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والجزائر أخذت بُعدا جديدا، إثر الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الجزائري، عبد المالك سلال، إلى واشنطن في آذار/ سنة 2016. والتقى سلال بمسؤولي مجموعات أمريكية عدّة على غرار، آل ووكر، رئيس شركة "أناداركو"، التي تعتبر أول منتج خاص للنفط في الجزائر. كما التقى بجيف ميلر، الرئيس التنفيذي للعملاقة "هاليبرتون"، المختصّة في مجال خدمات وصناعة الطاقة، وجون رايس، نائب رئيس شركة "جنرال إلكتريك"، التي تعمل في الجزائر منذ أربعة عقود، والتي تعمل بالتعاون مع شركتي "سونلغاز" "وسوناطراك" الجزائريتين في مشاريع الطاقة المختلفة.
وكانت "جنرال إلكتريك" قد حصلت في سنة 2013 على عقد من الحكومة الجزائرية، بقيمة تتجاوز ملياري دولار، لتوفير معدات لتوليد الكهرباء لصالح ستة محطات توليد جديدة.
كما التقى سلال بداو ويلسون، الرئيس التنفيذي لشركة " فاريان ميديكال سيستم"، الرائدة عالميا في مجال العلاجات وبرامج علاج الأورام بالأشعة. وفي 24 آذار/ مارس سنة 2016، وقّعت شركة "سيالفارم"، التابعة للمجموعة الأمريكية؛ عقدا مع مجموعة "حداد الخاصة" بهدف إنشاء مركز جزائري- أمريكي، للعلاج الإشعاعي في منطقة سيدي عبد الله.
وأشارت الصحيفة إلى أن سلال التقى أيضا مع فيليب بلومبرغ، المدير التنفيذي للمجمّع الأمريكي "بلمبيرغ غرين"، الرائد عالميا في مجال حفظ وتخزين الأغذية، الذي طوّر أول أنظمة تسمح بالتخزين الجاف والبارد للحبوب. وفي الوقت الراهن، دخلت بلمبيرغ غرين في مفاوضات مع الحكومة الجزائرية بغية إنشاء وحدة لتخزين الحبوب، فضلا عن مركز قيادة يُعنى بإدارة الغذاء.
وأشارت الصحيفة إلى انطلاق المشاريع الأمريكية في الجزائر، بالتزامن مع مواصلة كل من شكيب خليل ومجموعة بارزة من مؤيدي التوجه الأمريكي، عملهم الدؤوب خلف الكواليس لتعزيز التقارب بين واشنطن والجزائر. وقد تجسد ذلك من خلال تكليف شركات أمريكية بالقيام بمشاريع زراعية ضخمة على غرار الحبوب، ومنتجات الحليب، واللحوم. وفي هذا السياق، وعد رئيس مجلس الأعمال الجزائري الأمريكي، إسماعيل شيخون، المسؤولين الجزائريين بأن بلاده لن تضطر إلى استيراد هذه المنتجات من الخارج في ظرف ستة أو سبعة سنوات، وذلك بفضل الاستثمارات الأمريكية.
وأكدت الصحيفة أن مؤيدي التوجه الأمريكي في الجزائر يبذلون قصارى جهدهم لإثبات أن خيار الاستثمار في الجزائر سيؤتي أكله. في المقابل، نظرا لعدم التزام فرنسا، علاوة على لامبالاة الدول الأوروبية، أقدمت الجزائر على تغيير وجهتها وتحويل اهتمامها إلى ما وراء المحيط الأطلسي، علّها تحقق، أخيرا، حلم التنمية الذي طالما كانت تصبو إليه.