على الرغم من رفض
القضاة المصريين رسميا؛ أعلن مجلس نواب الانقلاب، الأربعاء، موافقته بصفة نهائية على مشروع قانون تعديل قانون
السلطة القضائية، الذي يتيح لقائد الانقلاب عبدالفتاح
السيسي تعيين رؤساء الهيئات القضائية.
ويتوقع مراقبون أن تؤدي هذه الخطوة إلى اندلاع أزمة حادة بين
برلمان الانقلاب وبين القضاة، بسبب إصرار مجلس
النواب على تمرير القانون الذي أثار جدلا كبيرا خلال الفترة الأخيرة، ورفضه جميع رؤساء الهيئات القضائية.
كل الخيارات متاحة
وأعلن نادي قضاة مصر، خلال اجتماع طارئ له الأربعاء، أنه لن يسمح بتمرير هذا القانون سيئ السمعة، مهددا بأن "جميع الخيارات متاحة للتصعيد أمام البرلمان".
وطالب النادي، في بيان له، قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي باستخدام سلطته الدستورية ورفض التصديق على القانون، داعيا لعقد جمعية عمومية طارئة لقضاة النقض يوم 2 أيار/ مايو المقبل، وجمعية أخرى للقضاة بدار القضاء العالي يوم 5 آيار/ مايو المقبل، لدراسة القرارات الواجب اتخاذها.
ولوح مجلس إدارة النادي بتقديم استقالته احتجاجا على هذا القانون، مهددا بالطعن على القانون بكل الطرق القانونية الممكنة لوقف تنفيذه.
وأكد رئيس
نادي القضاة، المستشار محمد عبدالمحسن منصور، خلال لقاء مع قناة "إم بي سي مصر" مساء الأربعاء "اتخاذ جميع الهيئات القضائية موقفا موحدا بعدم تمرير القانون"، محذرا من أن "الخاسر الوحيد في هذه الأزمة هو الدولة المصرية".
وتساءل: "بأي منطق يصدر البرلمان تشريعا يخص القضاة على غير إرادتهم؟"، مشددا على أن "مجلس النواب يعلم علم اليقين أنه في حال الطعن على القانون أمام المحكمة الدستورية العليا؛ فسيكون مصيره الحكم بعدم دستوريته".
استقلال القضاء
وفي المقابل؛ أكد عدد من أعضاء مجلس نواب الانقلاب، أن البرلمان التزم بالدستور الذي نص على "أخذ رأي القضاة" عند مناقشة قانون رؤساء الهيئات القضائية، ولم يلزم البرلمان بضرورة العمل برأيهم في هذا الشأن.
وقال عضو اللجنة التشريعية في المجلس، النائب عبدالمنعم العليمي، إن "البرلمان لم يمس استقلال السلطة القضائية"، مشيرا إلى أن "ما تعرض له مجلس النواب هو من اختصاصه التشريعي الأصيل، ولا يمس اختصاصات أو مهام السلطة القضائية".
وأوضح العليمي في تصريحات صحفية، أن القانون ينظم طريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية، مؤكدا أنه "لا يوجد تنازع بين السلطات؛ لأن الهيئات القضائية سترشح ثلاثة قضاة من بين أقدم سبعة لرئاسة تلك الهيئات، ليختار رئيس الجمهورية واحدا من بينهم".
تهديد لعصب الدولة
وتعليقا على هذه التطورات؛ قال أستاذ العلوم السياسية، محمد السعيد، إن "مثل هذا النزاع بين سلطتين أساسيتين يهدد عَصب الدولة المصرية في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها".
وأكد لـ"
عربي21" أن "كثيرا من أعضاء مجلس النواب ليس لديهم النضج الكافي، وبعضهم يسعى لتصفية خلافاته الشخصية، والبعض الآخر يريد أن يظهر في صورة الداعم للنظام بشكل فج، كما أن أعضاء المجلس من القانونيين يجهلون مواد أساسية من الدستور، ويصدرون العديد من القوانين غير الدستورية".
وأوضح السعيد أن "القانون الأخير الذي تمت الموافقة عليه الأربعاء؛ يسمح لرئيس الجمهورية بأن يعين القضاة، وخصوصا قضاة مجلس الدولة، وهو ما يمثل تعديا سافرا على السلطة القضائية التي من المفترض أن يكون المسؤول عنها المجلس الأعلى للقضاء فقط، كما أن الدستور المصري المستفتى عليه في كانون الثاني/ يناير 2014 نص على استقلالية السلطة القضائية، وعلى مبدأ الفصل بين السلطات"، متسائلا باستهجان: "كيف لرئيس السلطة التنفيذية أن يقوم بتعيين أعضاء بالسلطة القضائية؟".
عقاب للقضاة
من جانبه؛ شدد الباحث السياسي مصطفى كامل، على أن "التعديل القانوني الأخير مخالف للدستور، ويعد تدخلا صريحا من جانب السلطة التشريعية في شؤون السلطة القضائية".
وأوضح أن "التدخل الفعلي من جانب السلطة التنفيذية في شؤون القضاء بدأ بعد أزمة جزيرتي تيران وصنافير، وحكم المحكمة الإدارية العليا بمصريتهما"، لافتا إلى أن "بعض أعضاء البرلمان المؤيدين للنظام؛ أصبحوا منذ ذلك الوقت يتعاملون بخصومة سياسية مع القضاة، وخاصة قضاة محكمة القضاء الإداري ومجلس الدولة".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "القانون الجديد هدفه إخراج بعض قضاة مجلس الدولة الذين كان لهم دور في الحكم بمصرية الجزيرتين من الخدمة، وإحالتهم إلى التقاعد"، متوقعا أن "يحتدم الصراع بين مجلس النواب وبين القضاة خلال الأيام المقبلة؛ لأننا أمام مذبحة جديدة للقضاة".
وتابع كامل: "الغالبية العظمى من أعضاء البرلمان يمارسون العمل التشريعي للمرة الأولى في حياتهم، حتى إن كثيرا منهم لا يفهم مبدأ الفصل بين السلطات، ويعتقد بأن البلاد فيها سلطة واحدة فقط، وهي سلطة رئيس الجمهورية الذي يساندونه، وهذا سبب كل هذا التخبط الواضح في قراراتهم، لكن التاريخ لن يرحم هؤلاء الذين شرعوا هذا القانون ووافقوا عليه".