نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب صمويل أوزبورن، يتساءل فيه عن صحة الادعاء بأن
تنظيم الدولة يعلن مسؤوليته عن كل هجوم إرهابي.
ويقول أوزبورن إن "السنوات القليلة الماضية أدت إلى ظهور (روتين) عقب كل جريمة إرهابية تقوم من خلاله وسائل الإعلام بالافتراض أن الجهة التي ارتكبت الهجوم هي تنظيم الدولة، فالتعجل في نشر مواد دعائية للتنظيم أدى إلى ردة فعل جعلت الكثير من المعلقين يرفضون مزاعم التنظيم باعتباره حركة انتهازية، وشجبوا الإعلام للاهتمام به، وبعيدا عن الرؤية غير الصحيحة، فإنه من الخطأ الافتراض أن تنظيم الدولة يعلن مسؤوليته عن كل هجوم إرهابي".
وينقل الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، عن خبراء
الإرهاب ممن يركزون نظرهم على التنظيم، قولهم إنهم عادة ما يسمعون أشخاصا وهم يقولون إن تنظيم الدولة قد يزعم أنه "وراء انتفاخ أصبع قدمي"، أو "يعلن مسؤوليته عن عطستي"، مشيرا إلى قول الخبير في شؤون الجهاديين أمارناث أماراسينغام، إن هذا الرأي "يفشل في فهم الطريقة التي يعمل فيها التنظيم، وكيف ينظر إلى نفسه".
وتشير الصحيفة إلى أنه منذ عام 2015، فإن التنظيم زعم مسؤوليته عن عدد كبير من العمليات الإرهابية في أنحاء العالم كله، بما فيها
هجمات باريس وبروكسل في بلجيكا وبريطانيا.
ويورد المقال نقلا عن روكميني كاليماتشي من صحيفة "نيويورك تايمز"، قولها إن "جدولة بسيطة للمزاعم السابقة بتحمل مسؤولية الهجمات على الغرب تظهر أن تنظيم الدولة كان منضبطا بشكل مدهش، ولم يعلن مسؤوليته إلا عن الهجمات التي قام بتوجيهها"، وأضافت: "هناك عدد كبير من الهجمات استلهم منفذوها فكرتها من الجماعة الجهادية، وقام بها مهاجمون تشربوا أيديولوجية التنظيم عبر الإنترنت، خلافا للهجمات التي نفذها عناصر التنظيم أنفسهم"، وتابعت قائلة: "ما لا يفهمه الناس على ما يبدو أن الهجوم الملهم هو عمل قام به التنظيم".
ويتحدث أوزبورن عن الكيفية التي يعلن فيها التنظيم مسؤوليته عن الهجمات قائلا إن وكالة أنباء التنظيم "أعماق" تقوم بالإعلان عن مسؤولية التنظيم عن الهجوم أولا من خلال تطبيق "تيلغرام" على وسائل التواصل الاجتماعي، لافتا إلى أنه عادة ما يتم الإعلان بعد يوم واحد من الهجوم، عندما تظهر أدلة على أن المهاجم أو المهاجمين استلهموا أفكارهم من تتظيم الدولة، "وليس غريبا أن يعلن عن المسؤولية بعد أيام وحتى أسابيع".
وتلفت الصحيفة إلى أن التنظيم يتبع نصا موحدا في وصف المهاجم، بأنه أحد "جنود الدولة الإسلامية"، في بيان ينص على أن الهجوم نفذ "ردا على دعوات استهداف مواطنين دول التحالف"، مشيرة إلى أنه عادة ما تنشر وكالة "أعماق" شريط فيديو أو شريطا مسجلا، يعلن فيه منفذو الهجمات البيعة لمن يطلق عليه "الخليفة" أبو بكر البغدادي، ويقوم التنظيم لاحقا بنشر تقارير عن المنفذين في مجلته "دابق" و"
رومية"، وأشرطة فيديو.
ويفيد الكاتب بأن المحلل في شؤون الإرهاب مايكل أس سميث الثاني وصف أن إعلان المسؤولية عن الهجوم شمل صورة عن التغريدة التي أعلن فيها المنفذ عن ولائه للبغدادي، منوها إلى أن التنظيم أوصى أتباعه بترك وصية يعلنون فيها دعمهم للجماعة قبل القيام بالهجوم.
وتنقل الصحيفة عن المحلل في شؤون الإرهاب الإلكتروني في "تابستري" كريس سامسون، قوله: "هذا كله ينسج معا صورة حول الكيفية التي يعلن فيها التنظيم مسؤوليته عن الهجمات، ويقوم بتحويل الصور إلى هالة من الاستحواذ على مخيلة المهاجمين لسنوات طويلة، ويقومون باستعراض كل صورة من الصورة على أنها رسالة عن النصر".
ويستدرك أوزبورن بأنه مع أن التنظيم عادة ما يكون دقيقا في تحديده هوية من قام بالعملية، فإنه لا يقدم الكثير من التفاصيل، حيث تقول كاليماشي: "لا أثق بتقديرات تنظيم الدولة فيما يتعلق بالشخصيات العرضية، التي يقوم فيها بالمبالغة في التفاصيل وكيفية تنفيذ العملية".
ويورد المقال نقلا عن أماراسينغام، قوله: "أعتقد أن رأي العامة لديه فكرة كرتونية عن تنظيم الدولة بصفته جماعة هواة مجانين وانتهازيين، لكنهم بحاجة للنظر إلى هذه الجماعة كونها تضم لاعبين منطقيين"، وأضاف أن الكثير من الذين استلهموا فكر التنظيم للقيام بهجمات يعتقدون أنه من المهم تقديم البيعة "قبل مقتلهم؛ لأن الفشل سيؤثر في حياتهم فيما بعد الموت كما يعتقدون".
وتجد الصحيفة أنه لهذا السبب، فإن تنظيم الدولة يدعو أتباعه لإرسال أشرطة فيديو مسجلة ورسالة فيها قسم البيعة، ويقول سامبسون: "لو فهموا من الرسالة أن المنفذ يقوم بالعملية تضامنا فإنه من المحتمل أن يقوموا بتحمل مسؤوليتها، حتى لو لم تكن هناك صلة عملياتية معهم".
ويبين الكاتب أن "الإعلان الزائف عن المسؤولية سيجعل التنظيم عرضة للاتهامات، وقد يؤدي إلى التأثير في الثقة بين الأتباع، حيث يرى أماراسينغام أن وكالة (أعماق) تهتم بالدقة، وقال إن بعض ناشطي التنظيم أخبروه أن أتباعه يرون أن إعلامهم أكثر دقة من الإعلام الغربي".
ويتساءل أوزبورن: "ماذا عن العمليات التي لا يعلن التنظيم مسؤوليته عنها؟"، يقول أماراسينغام: "هناك الكثير من الهجمات التي نفذت في تركيا وروسيا، وحتى في الغرب، ويعتقد المحللون أنها من عمل تنظيم الدولة وشبكاته العاملة في هذه المناطق، إلا أنه لم يكلف نفسه ويتحمل المسؤولية".
وتنوه الصحيفة إلى أن التنظيم تجنب في تركيا تحمل المسؤولية عن بعض الهجمات؛ بسبب بعض الحسابات السياسية، أو لترك المجال أمام مجموعة أخرى لتحمل المسؤولية؛ من أجل بث الفوضى، لافتة إلى أنه قد يتجنب الإعلان في حال إلقاء القبض على المنفذ حيا؛ خوفا من كشفه عن معلومات.
ويعود الكاتب للتساؤل قائلا: "هل أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجمات لم تكن مرتبطة به؟"، ويجيب قائلا: "نعم، مثل إعلانه في تشرين الأول/ أكتوبر عن إسقاط مقاتلة (إي-10 وورثغ) في سوريا، وهو ما نفته القيادة المركزية، وزعم أن (وحدة سرية) اغتالت ضابطا أمريكيا في قاعدة إنجرليك في تركيا، وكان زعمه خاطئا".
وبحسب الصحيفة، فإن أماراسينغام يعتقد أن وصف التنظيم بأنه مجموعة من العصاة غير المنظمين "لا يساعدنا في فهم المنطق الداخلي أو مسارهم المستقبلي"، حيث يحذر الخبراء من إساءة تقدير الجماعة، كما يقول سامبسون، من خلال القول ما هو مهم حول التنظيم، "فلا يعطى حجما أكبر مما يستحق، أو يقلل من قيمته".
ويختم أوزبورن مقاله بالإشارة إلى أن كاليماشي حذرت من أن هذا الموقف الذي يسيء فهم التنظيم لا يقتصر على الناس العاديين، بل انتشر في المراكز العليا في الحكومة، حيث تقول: "سمعت الكثير من التوصيفات الخاطئة من أشخاص كلفوا بقتال تنظيم الدولة في واشنطن، وتكرار هذه المزاعم الخاطئة يؤدي إلى تعكير المياه في كل مرة يقوم بها التنظيم بهجوم إرهابي".