"لا أحد يتوقع نتائج هامة من اجتماع ترمب بعباس في البيت الأبيض، ولكن حقيقة أنه تم إنما يعكس اعترافا من قبل إدارة ترمب، التي تولت منصبها بتوجه موال لإسرائيل، بأنها يجب أن تمد يدها للفلسطينيين إذا كانت تريد تحقيق أي تقدم نحو ما أسماها ترمب "الصفقة الكبرى" لاتفاق إسرائيلي فلسطيني.
هذا ما خرجت به صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية بافتتاحيتها قبل أيام، والتي لم تشر بدورها إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة لم تباشر حتى الآن تحركا جديا لحل هذا الصراع المزمن، ولم تحاول حتى الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتبني موقف أقل تشددا من الصراع، وهو الذي أفسد محاولات الإدارات السابقة في التوصل لحل مرض للصراع، وكان آخرها إدارة أوباما التي اضطرت في النهاية إلى انتقاد الموقف الإسرائيلي المتشدد.
حل سياسي بدفع جديد
ويحاول الرئيس الأميركي، الذي يبدو أنه تخلى عن تعهده بنقل السفارة الأميركية للقدس، التوصل لحل سياسي للصراع رغم أنه بدأ ولايته بالحديث بشكل عام عن هذا الحل دون تحديد ملامحه الأساسية التي تقوم على أساس قيام دولة فلسطينية إلى جوار إسرائيل، تاركا ذلك إلى ما يتم التوصل له بين الطرفين!
وتقول صحيفة هآرتس إن نتنياهو أطلع وزراء على طلب أميركي يتعلق بضرورة قيام تل أبيب بخطوات يكون لها تأثير إيجابي فوري على أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية في سبيل إحراز تقدم في الملف الإسرائيلي.
وحسب مصادر هآرتس الذين تحفظوا على ذكر أسمائهم بسبب الحساسية السياسية للموضوع وكون الجلسة مغلقة، فقد أكدوا أن نتنياهو لا يعرف بعد تصور ترمب عن التقدم في الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه من المهم أن تكون إسرائيل هي الجانب الذي يظهر نوايا حسنة بغرض عدم عرقلة المساعي الأميركية.
وأشار نتنياهو في هذا السياق إلى أنه ينوي التجاوب مع المطلب الأميركي والقيام بخطوات في الضفة الغربية وقطاع غزة من شأنها التأثير بشكل إيجابي وفوري على الاقتصاد الفلسطيني. ولم يبيّن نتنياهو ما هي الخطوات التي يتحدث عنها، لكن بعض الوزراء فهموا أنه يمكن أن تتمثل إحدى الخطوات في إصدار تراخيص للبناء الفلسطيني في المناطق "سي" التي تسيطر عليها إسرائيل أمنيا ومدنيا.
إلا أن الصحيفة لم تتطرق إلى الطلبات التي قدمها ترمب لعباس في لقائهما بواشنطن، ومن ضمنها وقف معاشات أسر الشهداء الذين تسميهم إسرائيل عائلات إرهابيين. كما أنها لم تشر إلى الإجراءات التي اتخذها عباس بحق موظفي السلطة بقطاع غزة ووقف تمويل الكهرباء وتهديده بإجراءات أخرى في محاولة منه لتركيع حماس وتشجيع سكان غزة للثورة عليها تمهيدا لأي حل تصفوي يتم التوصل له مع إسرائيل من خلال إزاحة العائق الأكبر أمامه، وهي حركة حماس.
وفيما يستعد الرئيس الأميركي لزيارة إسرائيل وأراضي سيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة، فقد أطلق إشارات ترحيب بعباس من خلال استقباله له بحفاوة في البيت الأبيض ومدحه الشديد لتعاونه الأمني مع إسرائيل، وعمد إلى كتابة تغريدات على تويتر بأنه يتشرف بهذا اللقاء، وأضاف أنه يأمل أن شيئا رائعا سيتمخض عنه بين "الفلسطينيين والإسرائيليين. ولكن سرعان ما اختفت هذه التغريدات بعد يوم واحد، الأمر الذي يشير إلى تأثير اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة وتجاوب ترمب معه!
ولا يبدو أن ترمب يمتلك تصورا معينا للحل، والأرجح أنه سيشجع اللقاء المباشر بين نتنياهو وعباس الذي اعلن من رام الله استعداده للقاء مع نتنياهو تحت رعاية ترمب ما يعني كسر المطلب الفلسطيني الذي توقفت عنده المفاوضات المباشرة عام 2010 وهو وقف الاستيطان!
مرة أخرى.. السلام الإقليمي
وستشمل جولة ترمب هذا الشهر زيارة السعودية التي يتوقع أن يطلق من خلالها دعوة لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل حتى قبل التوصل لحل سياسي مع الفلسطينيين، الأمر الذي سيؤدي إلى إطلاق الحل الإقليمي الذي يدعو له نتنياهو في المنطقة ويقول إن دولا عربية توافق عليه!
ويعيد هذا إلى الأذهان اللقاء السري الذي جرى في العقبة العام الماضي وجمع كلا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برعاية وزير الخارجية الأميركي جون كيري. حيث وافق فيه وافق نتنياهو على تقديم تسهيلات للفلسطينيين للبناء في مناطق "ج" (الواقعة تحت السيطرة الأمنية والسياسية الإسرائيلية) بالضفة الغربية وتجميد الاستيطان في المستوطنات النائية التي تقع في أقاصي الضفة الغربية مع إطلاق يد إسرائيل للبناء في التجمعات الاستيطانية الكبرى، مع طلب التزام أميركي بإحباط أي تحرك ضد إسرائيل في المحافل الدولية!
إلا أن الأخطر من ذلك كله، حسب الصحافة العبرية، أن الدولتين العربيتين عرضتا على نتنياهو الاعتراف بيهودية الدولة مقابل إطلاق مفاوضات التسوية، وهو ما رفضه نتنياهو لأنه لا يريد أن يقدم أي استحقاقات للعرب والفلسطينيين طالما رأى أنهم محتاجون إليه في المعركة على الإرهاب ومحاربة إيران.
وطلب نتنياهو أيضا أن تقوم السعودية والإمارات بأنشطة سياسية ذات منحى تطبيعي مع إسرائيل بشكل علني وجلي!
وهكذا يجد ترمب نفسه محاولا اجترار حلول فشلت في السابق في دفع الحكومة اليمينية بقيادة نتنياهو للتقدم باتجاه حل سياسي حتى ما دون سقف المبادرة العربية عام 2002 طالما أن هذه الحكومة باتت تدرك أن الدول العربية محتاجة إليها في مواجهة إيران التي باتت تهدد العرب في أكثر من مكان في المنطقة. كما ان إسرائيل تسوق بقوة أنها ليست الخطر في المنطقة، وإنما إرهاب داعش الذي يوحد الجميع لمحاربته.
لا لحل الدولتين
وطالما أن الصراع يدور في المنطقة حول "قيام دولة إسرائيل ذاتها"، فإنه لا أمل في حل هذا الصراع حسبما نقل عن وزير الدفاع السابق موشي يعالون مؤخرا.
وقال يعالون إن الاحتلال الإسرائيلي لم يبدأ عام 1967 وإنما في عام 1948، في تصريحات أدلى بها خلال مشاركته في مؤتمر لصحيفة جيروزاليم بوست عقد في ولاية نيويورك الأميركية إن الصراع يتعلق بمبدأ قيام دولة إسرائيل ذاتها، وأضاف أنه "رغم عدم وجود آمال بحل هذا الصراع، فإن هناك الكثير مما يمكن أن يقدمه الإسرائيليون للفلسطينيين، مثل الاستقلال الذاتي"!!
وأوضح يعلون تصوره بالقول إنه يجب الإدراك جيدا أن لا مجال للوصول لمصالحة نهائية بين الجانبين، وفي الوقت ذاته لا يجب على الإسرائيليين أن يواصلوا السيطرة على الفلسطينيين".
إلا أنه وفي نفس المؤتمر، قالت عضو الكنيست توما سليمان إن الفلسطينيين لا يستطيعون صنع السلام مع هذه الحكومة الإسرائيلية التي تريد المحافظة على الوضع القائم، وفرض حقائق على الأرض، ولا تتحدث عن السلام وإنهاء الاحتلال..
وحذرت من أن إسرائيل تقترب من وضع الفوضى الحقيقية، ونموذج دولة الأبارتهايد إن لم يحصل تطور جدي في السنوات القريبة القادمة، معتبرة أن هناك شعبا فلسطينيا تحت الاحتلال، يدفع أثمانا باهظة جراء ذلك، كما سيدفع الإسرائيليون ثمنا كبيرا إن لم يتم توفير الأمن للشعب الفلسطيني.
ويختصر التصريحان الماضيان مشكلة الفلسطينيين مع الإسرائيليين الذين لا يريدون حل الدولتين حتى ولو كانت الدولة الفلسطينية أقل بكثير من حدود 4 حزيران/يونيو 1967، وهذا سيؤدي إلى فشل أي مفاوضات لا تسند بقوة السلاح كما ينادي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كما سيضع وثيقة حماس التي تحدثت عن حل مرحلي وتصريحات مشعل التي تلتها على الرف، بل وربما في سلة المهملات كما فعل بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو!!
والأولى في هذه الحالة ان يضع الفلسطينيون وراء ظهورهم هذه الحلول وأن يتفقوا على برنامج وطني قائم على دعم المقاومة بكل أشكالها باعتبارها السبيل الأهم لانتزاع الحقوق من العدو.