اتهم محللون وحقوقيون نظام الانقلاب في
مصر بـ"الازدواجية" في التعامل مع قضية
الضحايا المصريين بالخارج، وذلك على إثر مقتل شاب مصري في بريطانيا الاثنين الماضي.
وقضى المصري حسام عيسى (20 عاما) الذي يحمل الجنسية الإيطالية، نتيجة طعنه بسكين؛ من أربعة مراهقين بريطانيين في منطقة رومفورد قرب لندن، بعد أن أوسعوه ضربا، بسبب ما أسمته وكالة الأنباء الإيطالية (أنسا) بـ"نظرة مزعجة" من الشاب المصري.
وكشف رصد أجرته "
عربي21" لحوادث قتل المصريين في الخارج خلال الشهرين الماضيين؛ أن هناك تباينا في مدى اهتمام أو تجاهل نظام الانقلاب لهذه الحوادث.
ومن القضايا التي اهتم بها النظام المصري وإعلامه؛ وقائع قتل لمصريين حدثت في إيطاليا وقطر. ففي بداية أيار/ مايو الجاري؛ لقي محمد باهر (32 عاما) مصرعه في إيطاليا، حيث وجد مضروبا على رأسه، وملقى على سكة قطار بمدينة نابولي. وقضى هاني حنفي بأحد سجون إيطاليا في 4 آذار/ مارس، وهي القضية التي وصفها الإعلام المصري بقضية "ريجيني المصري"، ووضعتها الأذرع الإعلامية والسياسية للسيسي في مواجهة قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني بمصر بداية 2016.
وفي العاصمة القطرية الدوحة، لقي رجل الأعمال هشام رضوان مصرعه في 27 نيسان/ أبريل، حيث وُجدت جثته أسفل عقار يسكن فيه، فيما أشارت زوجته لخلافات مالية مع شريكه القطري.
وقد أفرد إعلام الانقلاب لهذه القضية مساحات فضائية وإلكترونية، وتقدمت النائبة غادة عجمي في 22 آيار/ مايو؛ بطلب إحاطة لوزير الخارجية سامح شكري حول الواقعة، وألقى النائب مصطفى الجندي بيانا عاجلا، مطالبا بتشكيل لجنة قضائية لمتابعة التحقيقات، فيما أكد مساعد وزير الخارجية خالد يسري؛ اتخاذ كافة الإجراءات العاجلة لكشف ملابسات الجريمة.
ومن القضايا التي لم يعرها النظام نفس الأهمية رغم خطورتها؛ واقعة مقتل المصرية شادن الجوهري، طالبة الهندسة (22 عاما) بمدينة كوتبوس بألمانيا، في 15 نيسان/ أبريل، حين دهستها سيارة مسرعة. وبعد شهر كامل من القضية، قرر النائب العام المصري إجراء تحقيق حول الواقعة التي حملت شبهة الكراهية بعدما وقف السائق فوق جثمانها ساخرا من كونها عربية مهاجرة.
وفي 23 نيسان/ أبريل، كشف عميد بلدية مسلاتة في ليبيا، هشام سويدان، مقتل المصري أحمد تمام (43 عاما)، وإصابة ثلاثة آخرين بهجوم لجماعة مسلحة على مسكنهم، مؤكدا أن البلدية لم تتلق أي اتصالات من مسؤولين مصريين، فيما انتقد أهالي الضحية بقرية دشطوط بمحافظة بني سويف (جنوب)؛ تجاهل قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي للأوضاع الصعبة للمصريين بليبيا.
ورغم تواصل عمليات القتل والاعتداء على المصريين بدول الخليج، إلا أن النظام لم يعرها الاهتمام الكافي الذي لم يتعد الإجراءات البروتوكولية من السفارات المصرية، كنقل الجثمان لمصر.
وفي 11 آيار/ مايو، قتل المصري كمال عبد المعطي (50 عاما)، على يد لصوص اقتحموا منزله بالرياض. وفي 20 نيسان/ أبريل، وقتل أحمد الهادي بخميس مشيط جنوب السعودية، بعدما طعنه مقيم يمني.
وشهدت الكويت جريمة قتل لمصري يبلغ من العمر 54 عاما، بالرصاص، وبعد ساعات من الجريمة الأولى، تعرض مصري آخر، للطعن بالسكين في مشاجرة.
كيد سياسي
وفي تعليقه على ازدواجية النظام في التعامل مع المصريين بالخارج، أكد مدير المنظمة السويسرية لحماية حقوق الإنسان، علاء عبد المنصف، أنه "بمتابعة السياسة الخارجية المصرية، منذ أزمنة بعيدة، نجدها مبنية بشكل رئيس على الإهمال وعدم الاهتمام بحال المصريين بالخارج".
وقال عبد المنصف لـ"
عربي21": "عندما جاء النظام الحالي زاد الطين بلة، فأصبحنا نتعامل مع قضايا مقتل المصريين في الخارج بالكيد السياسي، والاستخدام الرخيص للضحايا".
وأكد الحقوقي المصري؛ أنه "لا حديث عن أي ضحية إلا إذا كان لها مُقابل سياسي، وفي أغلب الأمر يستخدمه النظام الحالي إما في المُقايضة، كحالة ريجيني في مصر والمواطن المصري في إيطاليا، أو المُكايدة السياسية، كحالة المصري في قطر، أو بالسكوت والتغاضي السياسي الرخيص، كالحالات التي تحدث في دول الخليج والدول الغربية الداعمة للنظام"، وفق قوله.
مصلحة رخيصة
وأضاف عبد المنصف: "الأمر غير مُتعلق البتة بالمواطن المصري، قدر ما هو مُتعلق بشكلٍ كامل بالمصلحة السياسية الرخيصة"، على حد وصفه.
وانتقد عبد المنصف تناقض البرلمان المصري في التعامل مع الضحايا المصريين، وقال: "من المفترض أن هذه من أهم الأمور التي يختص بها البرلمان، وخصوصا لجنة العلاقات الخارجية والعربية"، مضيفا: "ولكننا أمام برلمان تابع للسلطة التنفيذية بشكل كامل، فيكيد سياسيا مع مُكايدة النظام، ويُقايض سياسيا مع مُقايضة النظام، ويتغاضى سياسيا مع تغاضي النظام، ولو انقلب النظام على الدول التي يتغاضى لها، لانقلب معه البرلمان"، كما قال.
التهرب من الالتزامات
وأكد الكاتب الصحفي المصري قطب العربي؛ أن "النظام المصري لا يهمه قتلى المصريين بالخارج، ويتهرب من التزاماته نحوهم؛ إلا إذا كانت إحدى الحالات تخدم غرضا سياسيا معينا لديه".
وقال العربي لـ"
عربي21": "كم من مصريين قُتلوا بدول الخليج بسبب غياب إجراءات الأمن والسلامة أو على يد مواطنين خليجييين، ولم يحرك النظام ساكنا، وكم من مصريين قُتلوا غرقا بالبحار هربا من الفقر، وكم من مصريين قُتلوا على يد تنظيمات أو عصابات مسلحة ولم يفعل لهم النظام شيئا؟".
وعلل العربي عدم اهتمام النظام بالضحايا المصريين بقوله: "يظن النظام أن الاهتمام بالضحايا سيكلفه نقل جثامينهم جوا إلى جانب تعويضات مالية لا يستطيع دفعها لذويهم"، محملا "السلطة التنفيذية المسؤولية الرئيسيّة نحو الضحايا وذويهم، بجانب الإعلام الذي يركز على بعض الحالات ويتجاهل غالبيتها"، بحسب تعبيره.