كما ذكرت في أكثر من مقال، فإن العرب اخترعوا الصفر، و"فرملوا" أي توقفوا تماما عنده، ولم تعرف لهم البشرية بعدها إنجازا سوى التناسل (تُنسب إضافة الصفر إلى أعداد الحساب، إلى عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي، الذي وضع أسس علم الجبر وحساب المثلثات، وكعادة العرب فقد قاموا بتعريب علماء شوامخ، ونسبوا اكتشافات واختراعات علماء مسلمين غير عرب لأنفسهم: الخوارزمي والرازي وابن سينا والفارابي وأبو الوفاء البوزجاني وابن فرناس جد ابن عباس كاتب هذه السطور).
وظلت نظم وأساليب الحكم في الدول العاربة والمستعربة منذ العصر الأموي، هي، هي، من حيث أنها تقوم على سلطة الفرد، مع بعض التحسينات الشكلية في المسميات الوظيفية لشاغلي المناصب العليا، (رئيس جمهورية/ رئيس وزراء/ وزير أول إلخ)، في ظل شيء اسمه "الدستور" يقولون إنه أبو القوانين، ولكن حاملي الوظائف المذكورة أعلاه، وحاشيتهم يظلون دائما فوق القانون.
وفي سياق عرضي للنظرية التي توصلت إليها في توصيف أشكال الحكم في العالم العربي، التي اسميتها بـ"الاشتمالية"، باعتبار أنها كوكتيل من الاشتراكية والرأسمالية في إطار شمولي ضاغط وطاغٍ، شرحت كيف أن دستور كل دولة عربية مصنوع من الكستور، وهو صنف قطني من القماش، له أمد صلاحية محدود، ولكنه سهل الرتق عند الفتق، ولا يتطلب تفصيله أي جهد فني/ مهني.
لأنه، وبحكم ركاكة صنعه، يلائم جميع "المقاسات" ويسهل تحويل المقاس الصغير منه إلى إكس لارج، وبهذا يتسنى للحاكم تعديل الدستور لـ"تعديل" مزاجه في البقاء على الكرسي دون كبير جهد.
ورغم أن ميسم أنظمة الحكم العربي عبر القرون، كان البطش والكمش والخمش لكل من يتساءل عن "تلت التلاتة"، فلم نسمع بأن واليا أو ملكا او سلطانا أو أميرا أو رئيسا، تدخل في أمور علاقات الفراش بين الزوجين.
ثم جاءت
غادة عجمي، عضو مجلس النواب
المصري الحالي، معلنة بكل بجاحة ووقاحة أنها ستعرض على المجلس، قانونا يمنع إنجاب أكثر من ثلاثة عيال.
ونطقت -والله على ما أقول شهيد- بالعبارة التالية: "عايز تخلِّف؟ خلِّف بعيد عننا"، والكلام موجه للمواطن المصري وترجمته بالعربية الفصحى: هل ترغب في الانجاب؟ أنجب خارج مصر.
قالت غادة العجمية التي تنافس العجرمية على النجومية، إن مشروع القانون الذي ستعرضه على البرلمان حاملا توقيعات مائة نائب من نوائب الزمان، ينص على أن الحكومة ستكون غير مسؤولة عن تعليم وصحة أطفال أي أسرة بعد الطفل الثالث، وستحرم الطفل الإضافي من التمتع بأي خدمة تقدمها الحكومة.. تقول غادة هذا الكلام العجيب.
وتضيف عليه: "الطفل الرابع مالوش دعم". يعني اسم الله عليك وع البرلمان، يا غادة، الأسر التي لديها أطفال "من واحد إلى ثلاثة فقط لا غير" غارقون في النعيم، وما يصحش أن يأتي طفل رابع من رحم الغيب ليقاسمهم النعيم.
عليّ النعمة أنت جدعة، بس نفسي أعرف أنت وصلت البرلمان إزاي؟ لأنك موصوفة بأنك ممثلة المصريين "في الخارج". يعني أنت تمثلين المصريين المغتربين. بس دا حصل إزاي؟
يعني هل دخلت البرلمان بأصوات المصريين في استراليا وكندا واليونان، وقمت بحملات انتخابية في كذا دولة أجنبية، ما كلفك الشيء الفلاني؟ أم تم تكليفك بهذه المهمة؟ أم تطوعتِ أنت بتمثيلهم بعد دخولك البرلمان بطريقة أو بأخرى، إيمانا واحتسابا؟
ومن المؤكد أن غادة هذه ما كانت لتجرؤ على طرح مثل هذا القانون الدراكوني (الكلمة مشتقة من "دراكو" وهو نص قانوني يوناني قديم كان يفرض عقوبات قاسية على الجنح البسيطة)، المهم أنه ليس من الوارد أن يكون اقتراح حرمان الطفل المصري الرابع من ابسط حقوق المواطنة، من بنات أو أولاد أفكارها.
بل الأرجح أنها سمعت الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي، يردد في خطبه خلال الفترة الماضية، إن الزيادة السكانية مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي، وكشفه عن سعي الحكومة لاستصدار تشريعات تضبط تلك الزيادة، حسب تعبيره.
وقال: "بدأنا نرفع نبرة الحديث عن هذه القضية، بعدما كنا نتحدث عنها على استحياء، بسبب خطة تثبيت الدولة".
ولي سؤال يهم المصري المغترب، في حال بصم البرلمان على المقترح الغادي العجمي: هب أنك عشت وعملت خارج وطنك لثلاثين أو عشرين سنة، وأنجبت خلال تلك المدة خمسة أو سبعة عيال، ثم قررت العودة إلى الوطن لأن "العيال كبرت"، هل سيوضع الفائض من عيالك (أي الذين ما بعد الثالث في الترتيب العائلي) في القائمة السوداء، ويحرمون من دخول المدارس والمستشفيات والرخص التجارية ومجمع التحرير؟
الإجابة على السؤالين أعلاه، هي "نعم"، فسيكون قانون تحديد النسل هذا صريحا في نصه بأن إنجاب أكثر من ثلاثة أطفال يعتبر "مخالفة"!!
والعقوبة ستكون أقسى من الغرامة المالية عن الجنح والجرائم البسيطة: فالطفل الرابع والذين يلونه في الترتيب، ليس أمامهم سوى المدارس والمستشفيات الخاصة.
وتخيل حال الأسر رقيقة الحال، التي يتوجَّب عليها أن تتحمل نفقات تعليم واحد أو أكثر من عيالها على مدى 16 سنة على أقل تقدير، أما إذا مرض طفل "فائض" على مدى كذا سنة، أو ولد لا قدر له وبه إعاقة فـ.... الدوام لله