وضعت السعودية التي تقود حملة المقاطعة العربية ضد
قطر، خيارين أمام الدوحة، إما الخليج أو
حماس والإخوان، وجاء ذلك على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، في تصعيد خليجي غير مسبوق ضد حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، وجماعة
الإخوان المسلمين.
وكان الجبير قال من العاصمة الفرنسية باريس الثلاثاء الماضي: "لقد طفح الكيل، وعلى قطر أن توقف دعمها لجماعات مثل حماس والإخوان المسلمين". وأضاف: "لا نهدف إلى الإضرار بقطر، ولكن عليها أن تختار طريقها".
وتأتي تصريحات الجبير لتكشف أول مطلب للدول التي تقوم بحملة مقاطعة وعزل لقطر، بزعم "تمويلها للإرهاب"، ليشمل وصفهم للإرهاب بشكل مفاجئ حركة حماس، وضمها في التصنيف إلى جانب جماعة الإخوان التي تزعم بعض الدول العربية التي أخذت جانب السعودية من الأزمة أنها "جماعة إرهابية".
وفي حين زادت الدول التي أعلنت مقاطعتها للعلاقات مع قطر، وزاد التصعيد الخليجي، تظهر تساؤلات حول القرار القطري في الخيارين اللذين قدمهما الجبير للدوحة، وما إذا كانت قطر ستوافق على تسويات وتنازلات سياسية لرفع العزلة عنها.
من جهته، علق الكاتب والمحلل الفلسطيني، ساري عرابي، على المطلب الخليجي بوقف الدعم القطري لحركة حماس وجماعة الإخوان، وقال لـ"
عربي21"، إنه لا بد للأمور من أن تذهب إلى وضع تسويات بين أطراف الأزمة، وأن جميع الأطراف سيكون عليها تقديم تنازلات لتجاوز الوضع الحالي.
وحول التنازلات التي يمكن لقطر تقديمها في ملف دعم الإخوان و"حماس"، ذهب عرابي إلى أن قطر في لحظة التسويات قد تقدم بعض التنازلات المتعلقة في السياسات الخارجية بما فيها هذا الملف.
ولكنه أوضح أن هذه التنازلات لن تكون جذرية، مشددا على أنها لن تكون دائمة.
وفي قراءته للمطلب السعودي حول السياسة القطرية بدعم حركة حماس، قال إنه في عاصفة العلاقات التي ظهرت عام 2014، يبدو أن ما فعلته قطر بعد الأزمة لم يكن كافيا بالنسبة لهذه الدول.
ولكن عند الحديث عن التنازلات والتسويات، تظهر عوامل أخرى من بينها ظهور توازنات جديدة بدأت تتشكل في ظل الأزمة، خصوصا الموقف التركي من الأزمة، وموقف إيران التي توجد على الضفة الأخرى من البحر، بما يتعلق بالملاحة الجوية والبحرية بعد إغلاق المعبر البري بين السعودية وقطر.
ومن الواضح تماما أن الأوضاع لم تسر كما تريد السعودية والإمارات.
وقال عرابي إن الأمور تذهب إلى توزانات معينة لذلك، سيكون هناك تنازلات من طرفي الأزمة، ولن تكون التنازلات جوهرية جذرية التغير، بل مرحلية ومؤقتة، وضمن حدود معينة، وفق قوله.
هل "حماس" والإخوان عقدة المنشار؟
وقال عرابي لـ"
عربي21"، إنه لا يظن بأن "حماس" هي عقدة المنشار في الإجراءات المتخذة ضد قطر، مضيفا أن الموضوع أكبر بكثير، وأن "حماس" جزء من هذا الموضوع، ولكن ليس لأنها "حماس"، ولكن بحكم القضية الفلسطينية.
وأوضح أن المشكلة التي يعاني منها من يحاول فهم الأزمة الجارية، غياب الأسباب المعلنة لهذا الحصار لقطر، وافتقاده للمقدمات المنطقية والأسباب الظاهرة، ففي عام 2014 كان هناك أسباب ظاهرة حول سياسة قطر لا سيما بعد انقلاب مصر وموقف الدوحة السياسي من الرئيس محمد مرسي، إذ كانت سياستها تختلف تماما عن الإمارات والسعودية.
أما اليوم فلا يوجد أي اختراق واضح لسياسة قطر عن السابق، أو اختلاف جديد مع السياسة الإماراتية والسعودية، فعلى العكس من ذلك، فمنذ عام 2014 قدمت قطر تنازلات كبيرة مثل إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر، وتغيير في السياسة التحريرية في الجزيرة، بالإضافة إلى مشاركة قطر مع السعودية في الحرب في اليمن.
من جانبه، اتفق الخبير السياسي البروفيسور عبد الستار قاسم، مع ما ذهب إليه عرابي، بأن "حماس" ليست المقصودة بشكل أساس، موضحا أن ما يحصل في الخليج اليوم صراع على النفوذ.
وأشار في حديثه لـ"
عربي21"، إلى أنه لا يعتبر أن هناك قضايا حيوية تتصارع عليها دول الخليج، إنما هي قضية تتعلق بالوجاهة العربية وحب السيطرة، وفق قوله.
وقال إن ما يجري بين السعودية وقطر ليس جديدا، إنما له من العمر سنوات عدة، وكل طرف يحاول أن يكون هو السيد وصاحب القرار في الجزيرة العربية.
ووافق قاسم أيضا القول بأن "حماس ليست مربط الفرس في الأزمة، وليست قضية أساسية، بل هي قضية أساسية بالنسبة لإسرائيل، والأخيرة تضغط عن طريق أمريكا لطرد قيادات حماس"، مضيفا أن "السعودية لها موقف سلبي من حماس وهذا صحيح، ولكنها لا تعتبرها منافسا للسيطرة والنفوذ في الخليج".
وحول اتهام الإمارات ومصر والسعودية لقطر بدعم الإخوان المسلمين، قال قاسم إن "هذا المحور الثلاثي يرى أنه يجب ملاحقة الإخوان المسلمين في قطر، بزعم أنه يمكن أن يشكل الإخوان في قطر بؤرة اتصال وتواصل مع الإخوان في هذه الدول، ما يمكن أن يؤدي إلى خلل في الأمن القومي" بالنسبة لهم.
وأشار إلى أن هذا الأمر له علاقة بين السعودية وتركيا، فالأخيرة تدعم وجود حركة حماس في قطر، ولديها استعداد لتقديم الدعم الدبلوماسي لقطر، وهذا لا يرضي دول الخليج.
وأجاب عرابي عن الأسباب التي تدفع الإمارات والسعودية لطلب وقف الدعم القطري لـ"حماس" والإخوان، موضحا أن لكل دول أسبابها..
أولا الإمارات، فهي تتخذ موقفا مناوئا لحركة التغيير التي شهدها العالم العربي منذ عام 2011، وقبل ذلك بدأت باتخاذ موقف شديد العداء للحركات الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين على وجه الخصوص.
وتمثل أبو ظبي رأس الحربة في محاولة مواجهة حركة التغيير في العالم العربي.
والإمارات بحكم علاقاتها وشغلها على مراكز القوى وشبكة العلاقات العامة، تعتقد بأنها تمكنت من تحقيق اختراق ما في إدارة ترامب، وهي تسعى لاستغلال هذه اللحظة التاريخية، من أجل إنهاء مهمتها في ما يتعلق بمواجهة الثورات العربية ووقف نهائي لحركة التغيير العربية، وهذا يتطلب بطبيعة الحال إنهاء دور قطر السياسي، كونها شكلت أحد أهم الحلفاء في حركة التغيير العربي وما زالت.
أما السعودية، فعلى الرغم من أن هناك خلافات تاريخية بينها وبين وقطر، منذ المحاولة الانقلابية في عام 1996 على حكم الأمير حمد بن خليفة الوالد بدعم سعودي، إلا أنه من الواضح أن هذه العلاقات لم تؤدي إلى القطيعة.
اقرأ أيضا: ما أسباب التوتر مع قطر.. وماذا تريد الرياض وأبوظبي من الدوحة؟
وبحسب عرابي، فإن الاختلاف الواضح في العلاقات بين البلدين، ظهر أكثر منذ التوجه لتسليم الحكم في السعودية لولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي ربما وجد أن طريقه للحكم يقوم على توثيق العلاقات مع الإمارات، وتماهي الموقف السعودي مع الموقف الإماراتي من حركات الإسلام السياسي عموما والإخوان و"حماس" خصوصا، والتنسيق مع أبو ظبي في هذا الملف.
تسويات وتنازلات "غير جذرية"
وأكد أن هناك رؤيا لإعادة ترتيب المنطقة، تتطلب حلا ما للقضية الفلسطينية، وهذا يتطب استهداف حركة حماس وإخضاعها وخلق تحالف مع إسرائيل ودمجها في المنطقة من جديد، من أجل مواجهة ما يسمى بالإرهاب، ومواجهة إيران، مشيرا إلى أن "حماس" تأتي ضمن هذا السياق الكبير.
ولفت إلى أن "قطر في النهاية تعرف دورها ووزنها، وتعرف الواقع السياسي بالنسبة لها، وحدود جغرافيتها، وبطبيعة الحال فكل دولة لها حساباتها وتوازناتها، وأظن أن هذه ستكون مفهومة لأصدقاء وحلفاء قطر الإسلاميين في مقدمتهم حماس، في حال قدمت قطر تنازلات ما".
اقرأ أيضا: الجبير يخيّر قطر بين الخليج ودعم "حماس"
وكانت قطر في وقت ليس ببعيد، طلبت من قيادات لـ"حماس" بمغادرة أراضيها، ورأى عرابي أن هذا أمر مفهوم، فهي دولة لديها طاقة وقدرة على تحمل وجود حركة مقاومة على أراضيها ودعمها.
ورأى أنه من الوارد جدا أن بعض أشكال الدعم القطري ستتراجع، مشددا في الوقت ذاته على أن التحول لن يكون جذريا في السياسة القطرية.
واعتقد قاسم بدوره أن قطر قد تضطر فعلا إلى أن تلبي بعض المطالب السعودية، مثل طرد الإخوان المسلمين، والانصياع لبعض السياسات السعودية، وعدم البحث عن استقلالية القرار القطري.
وكانت السعودية ومصر والبحرين والإمارات واليمن والحكومة الليبية أعلنت الاثنين قطع علاقاتها مع قطر، وإغلاق حدودها أمام رحلاتها، وذلك بعد 15 يوما على زيارة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقرر التحالف العربي الذي يقاتل الحوثيين في اليمن إنهاء مشاركة قطر، التي تبرز باستمرار دورها الإقليمي.
ويأتي هذا التوتر أيضا بعد الزيارة التي قام بها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى السعودية، ولقائه العاهل السعودي، بالتزامن مع التوتر الذي حصل مع قطر جراء "تصريحات ملفقة".