نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا تحليليا للكاتب جاكسون ديهل، يقول فيه إنه أمر مخيب للآمال، لكنه ليس مفاجئا أن تكون ألمانيا والمكسيك وكوريا الجنوبية من بين كبار الخاسرين في السياسة الخارجية الأمريكية، حتى الشهر الخامس من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب.
ويقول ديهل: "قد تكون هذه الدول الحليفة الأقرب لأمريكا، إلا أن ترامب أوضح خلال حملته أنه يعدها دولا مستغلة، وتسخر من أمريكا وراء ظهرها".
ويستدرك الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن "المفاجئ هو أن أكبر الرابحين إلى الآن -ليست روسيا أو إسرائيل- لكن بلدين قضى ترامب عقودا وهو يذمهما:
الصين والسعودية، فإلى الآن حصلت الدولة الآسيوية العظمى، وأكثر الأتوقراطيات تخلفا في الشرق الأوسط، على كل ما تريده من البيت الأبيض، بما في ذلك دعم غير مشروط من الرئيس".
ويشير ديهل إلى أن "الصين، التي طالما هاجمها ترامب، بأنها تغش في تجارتها، وقال إنه سيقاطعها في أول يوم له في الرئاسة، لم تشهد أيا من ذلك، وبدلا من ذلك مدح ترامب الرئيس الصيني شي جين بينغ، بصفته شخصا استطاع أن يحقق معه (تقدما هائلا) في صياغة علاقة تعاونية، ووعد ترامب بألا يصف حكومة جين بينغ بالتلاعب بالعملة، ليس ذلك فقط، بل منع البنتاغون من تحدي حملة بكين العدوانية لتقوية سيطرتها على بحر جنوب الصين".
ويلفت الكاتب إلى أن
السعودية كانت هدفا لترامب منذ عام 1987، عندما نشر إعلانات بحجم صفحة في إحدى الصحف، متهما السعودية بـ"استغلال الولايات المتحدة"، والمطالبة بأن "تدفع مقابل الحماية" التي توفرها واشنطن، مستدركا بأنه منذ زيارة المملكة الشهر الماضي، تحول موقف الرئيس الجديد لدعم العائلة المالكة، ما جعلها تشعر بأنها منحت من السلطة ما دفعها لإعلان مقاطعة دبلوماسية وعسكرية ضد الجارة
قطر، التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط.
ويقول ديهل: "يمكن القول إن هناك حجة منطقية خلف تغيير المواقف، حيث يقول ترامب إن التحول في توجهاته نحو الصين هو على أمل أن تؤدي الأخيرة دورا في إيقاف كوريا الشمالية من تكديس الأسلحة النووية، ويمكن وصف الوقوف مع السعودية بأنه جزء من حملة أكبر، تهدف للحد من العدوان الإيراني في الشرق الأوسط، وربما مساعدة إسرائيل في التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين".
ويفيد الكاتب بأنه "من الممكن السعي للحصول على مساعدة بكين في موضوع كوريا الشمالية، أو مساعدة السعودية في قضية إيران، دون احتضان النظامين، وتقديم تفويض مطلق للسير في أجندتيهما، الأمر الذي يضر بمصالح أمريكا الاستراتيجية، وكان رؤساء أمريكا السابقون يحاولون موازنة الأمور، وما يميز ترامب هو سياسته تجاه الحكومات الأجنبية القائمة على أسود أو أبيض: فهو إما يحبهم أو لا يحبهم".
ويقول ديهل: "ربما يكون الحال أن التمييز يقوم على كون الرئيس يتصور أن يكون النظام المعني ينظر إليه بعين الاحترام أم لا، فالأنظمة التي تبدو ناقدة، أو تضع شروطا، مثل المكسيك وألمانيا، فهذه مطرودة، والتي تعلق صوره في عواصمها، ويرقص أبناؤها بالسيف حفاوة به، مثل السعودية، فهؤلاء مقبولون".
ويبين الكاتب أن "الصين تحت حكم جين بينغ، لم تكن تلك البلد المنفتحة، لكنه كان مستعدا لأن يتقرب من ترامب بالقيام بزيارة له في منتجعه في مارالاغو، وقامت حكومته بمنح ترامب عشرات العلامات التجارية القيمة منذ تنصيبه، ومجموعة من العلامات التجارية لشركة الأزياء التي تملكها إيفانكا ترامب في يوم اللقاء ذاته".
وينوه ديهل إلى أن "الصين والسعودية ركزتا في دبلوماسيتهما على عائلة ترامب، وكلاهما استخدما المدخل الرئيسي عن طريق زوج ابنة ترامب جاريد كوشنر، الذي تصل سذاجته في العلاقات الخارجية إلى مستوى طموحاته ذاته، وكما ذكر تقرير لزميلي جوش روجين، فإن هنري كيسنجر فتح قناة اتصال خلفية بين كوشنر وبكين قبل قمة مار – إي – لاغو، التي استثنيت منها ذراع الصين في الحكومة الأمريكية".
ويكشف الكاتب عن أن "هناك قناة شبيهة بين كوشنر ونائب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي ظهر بصفته شخصية بارزة في النظام الذي يتزعمه والده، وقبل زيارة ترامب للرياض، وضع الاثنان خطة -لم تتحقق بعد- لإنشاء (ناتو عربي)، بمساعدة أسلحة بعشرات مليارات الدولارات؛ للوقوف في وجه إيران".
ويجد ديهل أن "القاسم المشترك في تلك الصفقات الودية كان إغواء كل من جين بينغ وسلمان للرئيس نفسه، التي كانت، بحسب كلام ترامب، سهلة جدا، فبحسب ما قاله الرئيس فإنه بعد عشر دقائق من شرح جين بينغ للوضع في كوريا الشمالية (أدركت أنه ليس من السهل) للصين أن تفعل شيئا، وعندما تحدث عن وقف الإرهاب في الرياض كان السعوديون يشيرون إلى قطر، التي بينها وبينهم عداء على قضايا أخرى، بحسب ما غرد ترامب.. وصدّق ترامب كلامهم".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "لا شك أن الصينيين والسعوديين هم من الفطنة بمكان ليدركوا أن حظهم الجيد قد لا يستمر، فعندما تفشل الصين في إخضاع كوريا الشمالية، أو تفشل السعودية في الضغط على الفلسطينيين؛ لإبرام صفقة سلام في الشرق الأوسط، فإن ترامب قد يتحول فجأة ضدهم، لكن ما حصل إلى الآن هو إبراز حقائق مخيفة حول هذا الرئيس، وهي أنه عندما يتعلق الأمر بالشؤون الخارجية فإنه لم يتعلم من التاريخ، وسريع التأثر بالتملق، وقمة في السذاجة".