كان لافتا الموقف
المغربي من
الأزمة الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة؛ وقطر من جهة ثانية، فلوح بـ"
الحياد البناء" في أول تعليق له على الأزمة، وأعلن استعداده للوساطة شريطة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وأيضا محاربة التطرف والوفاء بالالتزامات.
وزاد الموقف المغربي وضوحا حين أعلن إرسال طائرات محملة بمواد غذائية إلى
قطر، رغم حرصه على القول بأن الخطوة امتثال لتعاليم الإسلام، وليست خروجا عن الحياد.
ساعات بعد ذلك وصل وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي، ناصر بوريطة إلى قصر البطين بأبوظبي، حيث استقبله ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، محمد بن زايد، قبل أن يطير إلى الكويت.
رفض التفتيت
واعتبر رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، عبد الرحيم منار اسليمي، الموقف المغربي من الأزمة الخليجية "يتسم بالكثير من العقلانية".
وأضاف عبد الرحيم منار اسليمي، في تصريح لـ"
عربي21"، أن "العالم العربي يحتاج في هذا الظرف الدقيق الذي يجتازه النظام الدولي وضمنه النظام الإقليمي العربي إلى دول تكون لها قدرة كبيرة من الإبصار للمخاطر القادمة، وهنا يندرج دور المغرب الذي تحرك منذ بداية الأزمة الخليجية بين الإمارات والسعودية والبحرين من جهة ودولة قطر من جهة أخرى".
وتابع اسليمي أنه يجب "الاستماع لحجج الطرفين واحتواء فتيل الأزمة بمساعدة دولة الكويت على لعب دور
الوساطة والانتقال في مرحلة ثانية من الأزمة إلى دور الوساطة".
وأفاد الباحث أن المغرب "مهيأ للعب دور الوساطة لعدة اعتبارات؛ أولها، شراكته الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي التي تجعله قريبا من كل أطراف الأزمة أكثر من أية دولة أخرى".
ثاني الاعتبارات يقول اسليمي: "الوزن التاريخي والاستراتيجي للمغرب كنظام ملكي له تقاليد تاريخية قريبة جدا من أنظمة الخليج، والدور التاريخي الذي ظل يلعبه المغرب في كل الأزمات العربية، فالمغرب احتضن قمما كبيرة للمصالحة العربية العربية".
وسجل أن "المغرب سبق ونبه في خطاب الملك محمد السادس السنة الماضية في الرياض أثناء الاجتماع المغربي الخليجي إلى المخاطر الساعية إلى تفتيت وتقسيم الدول العربية، لذلك لاحظنا كيف ظل المغرب بعيدا عن القمم الأخيرة نظرا لإدراكه خطورة ما يحاك ضد العالم العربي، فالمغرب هنا يعرض وساطته وفقا لتقييمه واستشعاره للمخاطر الموجودة في التجزئة".
مجلس التعاون
وشدد منار اسليمي: "واضح في بيان وزارة الخارجية المغربية، أن المغرب يسعى للحفاظ على التنظيم الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي وأنه يرفض الاختراق الأجنبي، المقصود به الإيراني خصوصا، لمنظومة هذا التنظيم الإقليمي، كما أنه يدعو إلى محاربة التطرف، وهي النقط التي تشكل أول العناصر التي قد تقرب الأطراف الخليجية إلى قبول دور الوساطة".
وزاد: "فالمغرب تحرك وانتظر إلى أن أصبحت الأطراف الخليجية مهيأة لكي يلعب دور الوساطة ما لم يكن هناك تأثير لجهات دولية أو عربية تريد استمرار القطيعة بين الدول الخليجية، فقد لاحظنا لحد الآن وجود اتهامات مباشرة من دول الإمارات والسعودية والبحرين لقطر، ولاحظنا مقابل ذلك تلويحات من دولة قطر بإمكانية التفاوض، لكن يوجد وعي لدى كافة الأطراف الخليجية بأن استمرار الأزمة معناه نهاية التنظيم الإقليمي لمجموعة دول مجلس التعاون الخليجي".
ومضى يقول: "وفي حالة تفكك هذا التنظيم فإن منطقة الخليج ستصبح ملعبا لتحالفات جديدة قد يكون أحد مكوناتها تحالف إيران وقطر وتركيا، الشيء الذي سيقود إلى مواجهة جديدة لم يسبق لها مثيل ستغير جميع التوازنات الإقليمية والدولية، ولا أعتقد أنه من مصلحة السعودية أن تسقط قطر في الملعب الإيراني، لذلك تبدو أدوار الوساطة مقبولة ومنها الوساطة المغربية التي قد تخفف من سقف الأزمة الحالية".
حاجة المغرب
وقال أستاذ التعليم العالي في جامعة الرباط، خالد يايموت: "يريد المغرب بشكل عاجل أن يستمر مجلس التعاون الخليجي باعتباره مؤسسة لتجمع عربي إقليمي يحمي المغرب من بعض الأطراف العربية والدولية المخاصمة للمغرب ومصالحه عربيا وأفريقيا".
وتابع يايموت في تصريح لـ"
عربي21": "من الناحية الدبلوماسية، المغرب يعي أن الأزمة الحالية عميقة وتتعلق باختيارات استراتيجية للأطراف المتصارعة؛ وهذا ما دفعه للحياد ليس ضمانا لعدم الانجرار وراء الصراعات الخليجية فقط".
وأفاد خالد يايموت، أن المغرب حريص على أريع نقاط استراتيجية، أولها، "بقاء مجلس التعاون الخليجي موحدا وحاجبا للجامعة العربية وللدور الجزائري والمصري فيما يخص رهانات المغرب عربيا وأفريقيا".
وزاد ثانيا "فالمغرب لعب دور المساعي الحميدة وتواصل مع كافة الأطراف لكنه يريد الآن أن يلعب دورا دبلوماسيا علنيا وبموافقة كل الأطراف خاصة بعد التعثر الذي عرفته مبادرات الكويت".
وشدد ثالثا على "أن المغرب يريد أن يقدم نموذجه في الحقل الديني للخليجيين ويستغل الأزمة ليطرحه من جديد".
وخلص في النقطة الرابعة، إلى أن "صراعات الخليج تعني للمغرب خسارة اقتصادية وسياسية وربما عسكرية - تتعلق بمصير تطوير العلاقات العسكرية مع قطر بعد توقيع الطرفين لبرتوكول تعاون عسكري- على المستويين الأقليمي والدولي".
ويرتبط المغرب بعلاقات مع دول الخليج خصوصا العربية السعودية، حيث توصف الرباط بالحليف التقليدي للرياض، كما تتجاوز العلاقة مع الإمارات المستوى الرسمي لتصل العلاقات العائلية بين الأسرتين الحاكمتين في البلدين.
هذا وبلغ حجم الاستثمارات المباشرة من دول الخليج بالمغرب سنة 2014؛ 5 مليارات دولار؛ تقدر حصة قطر منها تقريبا بحوالي 1.25 مليار دولار، حسب أرقام رسمية مغربية.
ووفق أرقام وزارة المالية والاقتصاد المغربية، بلغت قيمة الهبات والمنح المالية من دول الخليج للمغرب نحو 4 مليارات دولار خلال 2014. وبلغت قيمة المنحة التي قدمتها دولة قطر للمغرب 1.25 مليار دولار.
وبلغت واردات المغرب من دول مجلس التعاون الخليجي 26.8 مليار درهم (2.7 مليار دولار) سنة 2014، وهو ما يمثل 6.9% من إجمالي واردات المغرب، مقابل 5.3% سنة 2000.
وتعتبر السعودية أكبر مستورد للصادرات المغربية في منطقة الخليج بحوالي 920 مليون درهم (100 مليون دولار) من الصادرات، أي ما يعادل 52.4% من إجمالي الصادرات نحو المنطقة، تليها الإمارات بنحو 589 مليون درهم (60 مليون دولار) وبنسبة 33.5%.