علقت صحيفة "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها على الأزمة الخليجية، واتهام دولة
قطر من جيرانها بدعم الإرهاب، متسائلة عما إذا كانت هذه الدولة الصغيرة تمثل تهديدا.
وتقول الصحيفة في بداية افتتاحيتها: "حتى المراقبين البارعين يعترفون بالارتباك والذعر بشأن الشرق الأوسط، حيث التنافس والحسد والغيرة بين الأمم وصلت إلى مستوى جديد من التعقيد، فقررت
السعودية وعدد من جيرانها عقاب قطر وعدد من مواطنيها؛ لأنهم ظاهريا قاموا بدعم الإرهاب وتمويله".
وتعلق الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، قائلة: "لكن السعودية نفسها اتهمت بتأمين تمويل المتطرفين، ومهما يكن فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سحر بالملكية السعودية، وقف مع السعوديين، رغم وجود قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في قطر".
وتجد الصحيفة أن "هذا الموقف مثير للدهشة، لكن دعونا نتحدث عن الهدف الواضح: فالخاسر الأكبر في هذا كله قد يكون هو مواجهة تنظيم الدولة، ولا أحد يحب تنظيم الدولة، إلا أن الفكرة حول بناء جبهة خليجية موحدة قد تبخرت بالكامل، وهناك نفاق وتناقض كبيران".
وتقدم الاقتتاحية الأطراف الرئيسية في الأزمة، بادئة بقطر، حيث تقول إن "هذا البلد الصغير جدا، والثري بشكل يفوق الخيال، لديه سجل مختلط، لكن هل هو تهديد على مستوى عال؟ وافقت الولايات المتحدة في الأسبوع الماضي على صفقة بقيمة 12 مليار دولار لبيع مقاتلات (أف-15) لقطر، فيما وصلت إلى قطر سفينتان حربيتان لإجراء مناورات مشتركة، ولو نظر لقطر على أنها تهديد إرهابي خطير لما كان هذا ليحدث".
وتقول الصحيفة: "صحيح أن قطر اتهمت بتمرير المال للإخوان المسلمين، وهي الحركة السياسية المؤثرة، إلا أن الإخوان قد نبذوا العنف رسميا، لكن السعودية، التي تخاف عائلتها الحاكمة من الشعبوية الإسلامية، لا تزال تتعامل معهم على أنهم منظمة إرهابية".
وتشير الافتتاحية إلى أن "قطر دعمت الراديكاليين في سوريا، مثل الفرع السوري لتنظيم القاعدة (جبهة النصرة)، والجماعات الأخرى في ليبيا وغيرها من الدول العربية، لكن السعوديين ساعدوا لمدة طويلة الجماعات المسلحة المتنافسة في هذه الدول".
وتلفت الصحيفة إلى مصدر الغضب الآخر، وهو أداء قطر دور الوسيط، من خلال تعزيز علاقاتها مع الجماعات المعادية، مثل حركة طالبان أفغانستان، وحزب الله اللبناني، وحركة حماس في قطاع غزة، ومنح قادتها وقتا في ساعات الذروة على شبكتها "الجزيرة"، مشيرة إلى أن هناك مظهرا آخر للغضب، وهو علاقة قطر مع طهران، التي تعد المنافس الرئيسي للسعودية في المنطقة، حيث أن "هذه العلاقة ليست غريبة؛ لأن الدولتين تشتركان في احتياطي للغاز الطبيعي".
وتتحدث الافتتاحية عن الموقف الأمريكي من قطر، مشيرة إلى أن الحكم عليها كان متفاوتا، ففي عام 2014، اعتبرت وزارة الخارجية أن قطر لديها مناخ يسمح بتمويل الإرهاب، إلا أن الخارجية عادت وأثنت على جهود الدولة لوقف التمويل ومنع الإرهابيين من السفر إلى مناطق الإرهاب، دليلا على "الشراكة القوية"، وامتدح المسؤول السابق في الخزانة الأمريكية دانيال غليس، وفي شباط/ فبراير قطر؛ لما قامت به من "عمل جيد"، ومحاولتها منع تمويل الإرهاب، من خلال التحكم بقطاعها المالي، والرقابة على الجمعيات الخيرية، ومحاكمة أشخاص بتهم تحويل أموال.
وتستدرك الصحيفة بأنه مع ذلك، فإنه اشتكى من أن الممولين للإرهابيين يعملون بشكل مفتوح في قطر والكويت، وحث الحكومتين على وقف ومحاكمة الأشخاص بسبب هذه النشاطات غير القانونية.
وتفيد الافتتاحية بأن "السعودية أصبحت بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، التي نفذها مهاجمون ولد معظمهم في السعودية، وتعرضها لعدد من الهجمات التي نفذها تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة ضد المملكة، أكثر جدية بشأن التطرف، حيث يرى بعض الخبراء أن السعودية تعد الشريك الأول في مكافحة الإرهاب، واتخذت موقفا غير متسامح مع تنظيم الدولة، وانضمت إلى الحملة التي تقودها الولايات المتحدة لقتاله".
وتنوه الصحيفة إلى أنه "رغم هذا كله، فإن تقارير حكومية أمريكية تقول إن تمويل ودعم الإرهاب (لا يزال تهديدا للمملكة والمجتمع الدولي)، ورغم تجاهل ترامب لذلك، إلا أن السعودية تقوض العمل الجيد الذي قامت به كله، من خلال مواصلة إنفاق مليارات الدولارات على نشر الوهابية، وهي التفسير المحافظ للإسلام، الذي يلهم تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة وغيرهما من الجماعات السنية المتطرفة، ومن خلال شبكة من الأئمة والمساجد في دول مثل كوسوفو وإندونيسيا وباكستان".
وتبين الافتتاحية أنه "بسبب اعتماد العائلة المالكة في السعودية في شرعيتها على شيوخ الوهابية، فإنها كانت بطيئة في إصلاح الدين الذي يدعو إلى نبذ غير المسلمين والمسلمين المنحرفين، أو شن الحرب عليهم في حال لم يقبلوا رسالتهم، حيث يقول الخبراء إن بعض المقررات الدراسية تجعل من كراهية غير المسلمين فضيلة، بالإضافة إلى أن السعوديين، المدعومين بالسلاح والمعلومات الأمنية الأمريكية، يقومون بإنتاج المزيد من المتطرفين بسبب حربهم الوحشية في اليمن".
وتشير الصحيفة إلى الطرف الثالث في الأزمة، وهو
إيران الشيعية، التي تعد العدو الطبيعي للجماعات المتطرفة، مثل تنظيم الدولة الذي يقاتل في العراق، لافتة إلى أن إيران كانت هدفا لهجومين مدمرين في طهران، اللذين أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عنهما.
وتقول الافتتاحية إنه "في الوقت ذاته، فلو تم ذكر أي جماعة إرهابية أخرى فإن إيران هي طرف سيئ، وتعدها الخارجية الأمريكية منذ عام 1984 دولة راعية للإرهاب؛ وذلك بعد خمسة أعوام من الثورة الإيرانية، ولا تزال على القائمة، بالإضافة إلى السودان وسوريا".
وتورد الصحيفة نقلا عن خبراء، قولهم إنه مهما كانت مظاهر قصور السعودية أو قطر، فإن إيران تظل هي الأسوأ؛ لتورطها في الجماعات المتطرفة التي ترعاها الدولة.
وتذكر الافتتاحية أنه "بحسب تقارير وزارة الخارجية، فإن إيران تقوم بدعم وتدريب وتسليح حزب الله وغيره من الجماعات الشيعية التي تقاتل في سوريا وذات السجل السيئ في انتهاكات حقوق الإنسان، التي تقوم بمحاولة تقوية الجزار بشار الأسد، والقوة المعادية لإسرائيل حزب الله اللبناني، والمتشددين الشيعة في البحرين، ومن ناحية تاريخية، فإن إيران قدمت السلاح والتمويل والتدريب لحركة حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية".
وتفيد الصحيفة بأن "الولايات المتحدة لا تقوم باتهام روسيا، حليفة إيران، التي تستخدم قوتها العسكرية لبقاء حكومة الأسد في السلطة، واتهمت الخارجية إيران عندما نشرت في شباط/ فبراير قائمة من 78 هجوما إرهابيا، وتتفق بعض النشاطات المضادة لتنظيم الدولة مع الأهداف الغربية".
وتذهب الافتتاحية إلى القول إن "كل طرف من هذه الأطراف الرئيسية لديه دور ليؤديه في مجال هزيمة الإرهاب ووقف تمويله، ويجب أن تكون هناك حاجة للوضوح والصدق حول مصادر المشكلة المتعددة، بالإضافة إلى المساهمات المتعددة التي يمكن لكل دولة أن تقدمها للمعركة".
وتختم "نيويورك تايمز" افتتاحيتها بالقول أن "المبالغة أو تشويه أفعال قطر وإيران، في الوقت الذي يمنح فيه السعوديون حرية المرور، لن يخدم سوى الطموحات السعودية لتوسيع نفوذها الإقليمي".