نشرت صحيفة "
الغارديان" البريطانية تقريرا، تطرقت من خلاله إلى محاولة العديد من الدول في العديد من المناسبات احتواء قناة
الجزيرة وإجبارها على التراجع عن تغطيتها للأحداث. ولكن الدعوة الأخيرة لغلق القناة، تثبت أن السعوديين والإماراتيين قد أقدموا على تجاوز كل الحدود.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن هذا المطلب الذي يندرج ضمن قائمة الشروط التي وضعتها المملكة
السعودية وحلفاؤها الخليجيون كشرط لرفع الحصار عن
قطر، يعد بمثابة محاولة لتضييق الخناق في منطقة الشرق الأوسط وقتل آخر أمل لتحقيق مستقبل ديمقراطي ومستقر.
اقرأ أيضا: كيف علق تميم البرغوثي على طلب إغلاق الجزيرة؟ (فيديو)
والجدير بالذكر أن مكاتب الجزيرة، وخلال سنوات عملها، قد تعرضت للقصف في مناسبتين من قبل القوات الأمريكية؛ الأولى أثناء حرب أفغانستان، والثانية خلال حرب العراق، وقد أدى ذلك إلى مقتل مراسل القناة في بغداد كما اعتقل أكثر من عشرين صحفيا تابع لهذه الشبكة هناك. وأثناء حرب العراق، خاض جورج بوش وتوني بلير نقاشا حول إمكانية قصف مقر القناة في الدوحة.
وأوضحت الصحيفة أن أكبر الهجمات ضد الجزيرة قد طرأت من قبل الأنظمة العربية الدكتاتورية، حيث تم غلق مكاتب القناة واحتجاز الصحفيين وسجنهم بتهم ملفقة، والتشويش على ترددات القناة. وفي الأثناء، وجهت للجزيرة العديد من التهم الكيدية اتسمت أحيانا بالتناقض، على غرار اتهامها بأنها من صناعة الموساد الإسرائيلي، ووصفها في الوقت نفسه بأنها بوق دعاية لأسامة بن لادن. وفي حين تنامت موجة التنديد بالقناة، كان أثر ذلك عكسيا، حيث ازدادت مكانتها لدى الشعوب كمصدر موثوق للخبر.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجزيرة لعبت دورا بارزا على اعتبارها همزة وصل بين العالم الغربي والعالم العربي، من خلال قناة الجزيرة الإنجليزية التي قدمت منظورا جديدا للأحداث، وعملت على ربط الأشخاص بأصحاب السلطة ومراكز القرار. وإلى حد الآن، لم تخضع القناة إلى أي من هذه التهديدات، في حين لا يمكن لأي كان سواء كرهوها أو أحبوها إنكار حقيقة أنها غيرت المشهد الإعلامي في العالم العربي.
ومن المثير للاهتمام أن السعوديين والإماراتيين قد قاموا بإطلاق قنوات أخرى لمنافسة الجزيرة، إلا أن هذه الشبكة الإعلامية واصلت تميزها على اعتبارها أكبر مصدر موثوق للأخبار في العالم العربي. ويعزى ذلك إلى خطها التحريري وطاقم العمل الكفء من الصحفيين العاملين في القناة، في منطقة تكثر فيها أبواق الدعاية المبتذلة التابعة للحكومات.
وأكدت الصحيفة أن المطالب الحالية لغلق قناة الجزيرة توحي بأنها عبارة عن عقاب للقناة على الدور المركزي الذي اضطلعت به أثناء الربيع العربي. ففي الواقع، من المرجح أن تشعر هذه الدول التي تقودها السعودية، والتي ساندت الثورات المضادة، بالأمان أكثر في حال تم غلق قناة الجزيرة.
وأفادت الصحيفة أن هذه الأنظمة الدكتاتورية قد فشلت في فهم السبب الحقيقي وراء اندلاع ثورة الشباب العربي الذي طالب بالحرية والديمقراطية في شوارع تونس والقاهرة. ففي الحقيقة، لم تكن الجزيرة السبب الرئيسي وراء هذا الحراك، بل كان ذلك نتيجة غياب وسائل إعلام أخرى مشابهة للجزيرة. وفي هذا الصدد، يمكن القول إنه في حال حظي شباب المنطقة بمنصات إعلامية أخرى مستقلة ليعبروا من خلالها عن آرائهم، لوجدوا طرقا أخرى لتغيير مجتمعاتهم دون الحاجة للتمرد.
وأضافت الصحيفة أن غلق قناة الجزيرة، وسجن أولئك الذين تجرؤوا على التعبير عن آرائهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، من شأنها أن تؤدي لاندلاع ربيع عربي جديد، ولكن هذه المرة أكثر عنفا. والجدير بالذكر أن التغطية الإعلامية لقناة الجزيرة ساهمت في انفتاح عقول الجيل الجديد من الشباب، فضلا عن أنها أكدت لهم أن أصواتهم مهمة ومنحتهم الحرية والأمل.
وفي الختام، اعتبرت الصحيفة أن المطالبة بغلق هذه الشبكة، وإطفاء هذه الشعلة الإعلامية، تعد بمثابة إعلان حرب ضد مستقبل المنطقة. وفي نفس الأثناء، تعتبر هذه المعركة مهمة جدا، في الوقت الذي تقوم فيه الأنظمة القديمة الملكية المطلقة والدكتاتوريات العسكرية بآخر مناوراتها ضد قوى الديمقراطية والحرية، التي يمثلها هذا الجيل الذي أطاح برموز الفساد والأنظمة المستبدة.