في خطوة وُصفت بأنها "غير مسبوقة"، أعلنت
الكنائس المصرية الثلاث، الأرثوذكسية والبروتستانتية والكاثوليكية، يوم الخميس الماضي، إلغاء أنشطتها وتجمعاتها والرحلات الدينية كافة خارج الكنائس، حتى نهاية تموز/ يوليو الجاري بسبب وجود "تهديدات أمنية".
ويشير هذا القرار، بحسب مراقبين، إلى "فشل" النظام في حماية
الأقباط، خلافا لوعود قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي لهم، فضلا عن التدهور الأمني الذي يسيطر على البلاد على مدى السنوات الأربع الماضية.
وكان تنظيم الدولة قد أجبر الأقباط على الهجرة من سيناء بعد تكرار استهدافهم، وبعدها أعلن مسؤوليته عن قتل 29 قبطيا في هجوم على حافلة بمحافظة المنيا في أيار/ مايو الماضي، وكما قتل 44 شخصا في هجمات على كنيستين في الإسكندرية وطنطا في أثناء احتفال الأقباط بأحد السعف في نيسان/ أبريل الماضي.
الداخلية صاحبة القرار
وأكد المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية، الأب رفيق جريش، في تصريحات لوكالة "رويترز" يوم الخميس الماضي، إلغاء المعسكرات والرحلات الكنسية حتى إشعار آخر؛ "حفاظا على أرواح
المسيحيين"، موضحا أنه تم إبلاغ الأقباط الذين كانوا في معسكرات بقطع أنشطتهم والعودة إلى بيوتهم.
وأكد مسؤول بالكنيسة الأرثوذكسية؛ أن الكنيسة تلقت تعليمات شفوية هذا الأسبوع من الداخلية، منعا لإثارة الذعر بين الأقباط، وأن الكنائس الثلاث امتثلت للتعليمات.
وقال القس بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذوكسية، إن القرار إجراء احترازي لحماية الأقباط من أي عمل إرهابي خلال الفترة المقبلة، بعد وصول معلومات احتمالية حدوث ذلك.
وأعلنت الكنائس الثلاث الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية، التزامها بالتعليمات الواردة من الداخلية بتجميد الفعاليات التي تستلزم السفر أو الانتقال الجماعي من مكان إلى آخر، وأن يكون السفر بشكل فردي وبعد موافقة القيادات الكنسية، وأعلنت أنها ليست مسؤولة عن سلامة المشاركين في أي رحلة أو مؤتمر جماعي، حتى ولو كانوا من المنتمين للكنيسة.
ونقلت صحيفة الدستور المصرية، عن مصادر كنسية قولها، إن مدة الحظر ستنتهي بحلول شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، أو حتى إشعار آخر، وليس نهاية الشهر الجاري.
الأقباط فقدوا الثقة في النظام
من جهته، قال الباحث السياسي جمال مرعي، إن هذا القرار من جانب الكنيسة "قرار عقلاني"؛ لأنها تحاول توفير الأمن للأقباط والحفاظ على أرواحهم في هذه الفترة المضطربة.
وأضاف مرعي، لـ"عربي21"، أن الكنيسة لم تعد تثق في النظام ولا تتوقع تحسن الأوضاع الأمنية قريبا، مؤكدا أن الأقباط يشعرون أنهم أصبحوا لقمة سائغة في فم
الإرهابيين، وأن الدولة عاجزة عن حمايتهم.
وأوضح أن كثرة الحوادث الإرهابية التي استهدفت الأقباط خلال الشهور الأخيرة، في الكاتدرائية بالعباسية وكنيستي طنطا الإسكندرية، وأخيرا حادث المنيا في أيار/ مايو الماضي، أحدثت شرخا في جدار الثقة بين الأقباط والنظام، مضيفا: "حتى لو قال النظام إنه سوف يؤمن تجمعات الأقباط، فالواضح للجميع أن هناك قصورا أمنيا واضحا، والنظام غير قادر على مكافحة الاٍرهاب، بل إنه لا يستطيع تأمين رجاله من قوات الجيش والشرطة حتى الآن، فكيف يحمي الأقباط؟"، كما قال.
وأعلنت وزارة الداخلية الجمعة؛ تشديد الإجراءات الأمنية على الكنائس والأديرة كافة، البالغ عددها 2626 كنيسة، تحسبا لتنفيذ عمليات عدائية تستهدف الأقباط، بعد أن شهدت الأسابيع الماضية تزايدا ملحوظا في الهجمات ضد الجيش والشرطة، مع استهداف الأقباط.
البابا رضخ لضغوط الأقباط
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية محمود السعيد؛ إن هذا الإجراء هو "إجراء احترازي" اتخذته الكنيسة تجنبا للحوادث الإرهابية، خاصة أن الأقباط ليس لديهم تجمعات أو أعياد دينية في الأيام المقبلة تستدعي تجمعهم بأعداد كبيرة، مثلما كان يحدث في عيد الميلاد أو عيد القيامة اللذين يكونان في شهري كانون الثاني/ يناير ونيسان/ أبريل.
وأكد السعيد، لـ"عربي21"، أن الأوضاع الأمنية في البلاد تشهد قصورا واضحا، لكنه برر فشل الأجهزة الأمنية في منع العمليات الإرهابية؛ بأن "مصر تحارب إرهابا ممولا من دول أجنبية وعربية، وتصارع أجهزة مخابرات عالمية، ولذلك فإن حجم الخسائر الناتجة عن هذا على الاٍرهاب كبيرة"، وفق قوله.
وشدد على أن هذا القرار لا يعني أن الكنيسة الأرثوذكسية تقف ضد النظام أو تتعمد إحراجه، "بل العكس هو الصحيح، فالبابا تواضروس يؤيد النظام الحالي ويقدر الدور المبذول من الجيش والشرطة في مواجهة الاٍرهاب، لكنه في الوقت ذاته رجل عقلاني ويعاني من ضغوط الأقباط العاديين؛ ولذلك اتخذ هذا القرار تجنبا لحوادث قادمة".
وتعليقا على هذه الخطوة، كتب الباحث السياسي المقيم في واشنطن، أحمد غانم، عبر فيسبوك: "الأقباط تحت حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي لم يلغوا فعالية واحدة أو نشاطا واحدا، ولكن تحت حكم العسكر حدثت لهم مذبحة ماسبيرو بالأمس، واليوم تقوم الكنيسة بإلغاء جميع الأنشطة؛ نظرا لانعدام الأمن تحت حكم السيسي ذي الخلفية العسكرية، الذي باعت قيادة الكنيسة شهداءها في ثورة يناير وفي ماسبيرو من أجل "الأمن" تحت قيادته، فلا هم حصلوا على الأمن ولا على الحرية".