أعلن مجلس النواب المصري منذ أيام مناقشة قانون جديد تقدم به عدد من النواب يتضمن أكبر تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية الذي تم وضعه عام 1950.
وأعلن سياسيون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان رفضهم لهذا القانون وأكدوا أنه يهدر حقوق آلاف المعارضين في
محاكمات عادلة، خاصة المتهمين في قضايا العنف والإرهاب.
وتوقع مراقبون أن يثير هذا القانون الجديد خلافا جديدا بين قائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي والقضاة بسبب اعتراضهم عليه لما يتضمنه من انتقاص من صلاحياتهم وتدخل في عمل السلطة القضائية.
تعديلات كارثية
وبحسب تقارير صحفية، فإن من أبرز التعديلات على القانون القديم، استحداث منظومة جديدة لأوامر المنع من السفر والإدراج على قوائم ترقب الوصول.
وأكد المستشار بهاء أبو شقة، رئيس لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب أن القانون الجديد يتضمن زيادة الحد الأدنى للحبس الاحتياطي من 15 يوما إلى ثلاثة أشهر على ذمة التحقيق قبل إحالة المتهم للمحاكمة، وهو ما يعني عدم ظهور المتهمين أمام المحكمة وعدم معرفة أماكن المختفين قسريا قبل انقضاء هذه المدة.
وصرح النائب عبد المنعم العليمي، بأن القانون الجديد سيفرض جدارا من السرية التامة على قضايا الإرهاب، حيث سيحظر نشر أسماء القضاة وجميع الشخصيات المساهمة في القضية من ضباط الشرطة وأفراد القوات المسلحة والشهود لضمان الأمان الكامل لهم، كما أنه سيتم حظر البث الإعلامي مطلقا في قضايا الإرهاب، وحظر نشر وقائع المحاكمة ومنع دخول أقارب المتهمين، وسيتم الاكتفاء بما وصفه بـ "الأمارات القوية" لاستصدار أوامر قضائية تنتهك خصوصية المواطنين ومراقبة كل اتصالاتهم.
البرلمان لن ينتظر قانون الحكومة
وكانت الحكومة قد أعلنت عن قانون مشابه في أيار/ مايو الماضي وإحالته لمجلس الدولة قبل أسبوعين تقريبا لمراجعته، تمهيدا لإرساله لمجلس النواب لمناقشته وإصداره، ووصفته بأنه يمثل نقلة نوعية لتيسير إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة في البلاد، لكن المجلس لم ينته من مراجعته حتى الآن.
وأكد نواب مؤيدون للنظام أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقدم من الحكومة والذي تتم دراسته الآن بمجلس الدولة تأخر كثيرا، وأن اللجنة التشريعية بالبرلمان قررت التعجيل بمناقشة قانون مشابه مقدم من عدد من النواب، وعدم الانتظار لحين وصول مشروع الحكومة.
وأعلنت اللجنة التشريعية أنها اضطرت لهذه الخطوة في محاولة للانتهاء سريعا من القانون خلال أيام بسبب كثرة العمليات الإرهابية التي تشهدها البلاد، مشددة على أن القانون الجديد سيحدث تغييرات جذرية في القضاء المصري.
مزيد من القمع
وهاجم المحامي الحقوقي إسلام مصطفى القانون الجديد، مؤكدا أن النظام يحاول بشتى الطرق تدمير مفهوم حقوق الإنسان في مصر، مشيرا إلى أنه بخلاف وجود آلاف المعتقلين الذين تعج بهم السجون، فإن النظام يريد أيضا تعجيل الأحكام على المتهمين في قضايا الإرهاب معتقدا أن مزيدا من القمع سوف يحسّن صورته أمام أنصاره في الداخل.
وأضاف مصطفى، في تصريحات لـ"
عربي21" أنه من بين هذه الإجراءات إلغاء
الاستئناف في القضايا المتعلقة بخرق قانون التظاهر أو الإرهاب، مؤكدا أن هذه الخطوة تعتبر تدخلا صريحا في اختصاصات السلطة القضائية وتعد على المحكمة وإجبارها على إصدار أحكام مسبقة على المتهمين قبل خضوعهم للمحاكمة الطبيعية والعادلة.
وأعرب عن اعتقاده بأن مجلس الدولة سيرفض قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي أرسلته له الحكومة لأنه قانون غير دستوري، لافتا إلى أن أي قانون يتعلق بعمل السلطة القضائية وإجراءات التقاضي في المحاكم من المفترض أن يتم اقتراحه من داخل المجلس الأعلى للقضاء وليس من قبل الحكومة.
ردع للإرهابيين
لكن أستاذ العلوم السياسية مصطفى علوي رأى أن هذا القانون تم طرحه بعد أن شهدت البلاد عددا كبيرا من قضايا الإرهاب التي استمرت في المحاكم لما يقارب الأربعة أعوام، ومن بينها قضية عادل حبارة الذي حكم عليه بالإعدام، وبسبب نظام التقاضي في قانون الإجراءات الجنائية القديم استطاع محامي حبارة أن يستأنف الحكم، وبعدها ظلت القضية تُتداول في المحاكم لمدة طويلة.
وأضاف علوي، لـ"
عربي21"، أن هناك قضايا تبقى في المحاكم لسنوات طويلة دون حكم نهائي بسبب الإجراءات المعقدة، وهذا ينعكس بدوره على الأوضاع في البلاد ويجعل العمليات الإرهابية في استمرار بسبب غياب الأحكام القوية والشريعة التي تحمل رسالة ردع واضحة للإرهابيين.
وتابع: "على الرغم من أن القانون الجديد المقترح الهدف منه معالجة هذه السلبيات في نظام التقاضي وتسريع سير العدالة، فإن من الضروري أن يحصل أولا على موافقة مجلس القضاء الأعلى وأن يقتصر مجال تطبيق هذه التعديلات على قضايا الإرهاب فقط، حتى لا يتعرض أناس آخرون للظلم"، على حد قوله.