كشف خبير الاقتصاد الإسلامي، والأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، علي محيي الدين القره داغي، أنه تقدم ببرنامج لتحقيق تنمية شاملة في
مصر، إلى الحكومة المصرية في عهد الرئيس محمد مرسي.
وقال
القرة داغي، في مقابلة خاصة مع
"عربي21"، إن الرئيس مرسي، رحب بالبرنامج بعد الاضطلاع عليه والتأكد من ملاءمة تطبيقه في مصر، وأمر بتشكيل لجنة للبدء في تنفيذ هذا المشروع، الذي يستهدف القضاء على
الفقر في مصر، وانتشال مليون أسرة مصرية من تحت مستويات خط الفقر المدقع في أقل من 10 سنوات، لكن جاء الانقلاب العسكري وتوقف كل شيء.
وأضاف أنه عرض أيضا هذه البرنامج على الحكومة التونسية بعد الثورة مباشرة، لكن تغيير الحكومات أدى إلى تجميد البرنامج أيضا، مشيرا إلى أن البرنامج يتم تطبيقه كنموذج مصغر حاليا في قطاع غزة برأس مال لا يتجاوز الـ3 ملايين ونصف، وهو مشروع ناجح هناك على الرغم من ظروف الحصار وضعف التمويل.
وأوضح القرة داغي أن البرنامج الذي أطلق عليه اسم "كاف"، مأخوذ من استراتيجية خامس الخلفاء الراشدين، عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، لتحقيق التنمية الشاملة في مدة زمنية قصيرة امتدت فقط لسنتين و6 أشهر و17 يوما و11 ساعة، (هي فترة ولايته).
وأكد الأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، أن برنامج كاف، أخذ في الاعتبار دراسة كافة العقبات والتحديات التي يمكن أن تواجه تنفيذ البرنامج وتطبيقه على أرض الواقع، ووضع حلولا لها، بالمشاركة مع إحدى المؤسسات التابعة للأمم المتحدة.
وأشار إلى أن "كاف" هو برنامج تنموي لا يقتصر على المسلمين فقط وإنما هو برنامج عام لجميع المواطنين على مستوى العالم (مسلمين وغير مسلمين)، مضيفا أنه برنامج يعتمد على الشراكة المجتمعية والاقتصادية مع المؤسسات الأخرى في المجتمع سواء كانت حكومية أو قطاعا خاصا، وليس المؤسسات الإسلامية فقط.
ويستهدف "كاف"، بحسب القرة داغي، القضاء على أمراض المجتمع، والارتقاء بمستوى الفقراء، وتشغيل الأيدي العاطلة والتخفيف من البطالة، وتشغيل نصف المجتمع (النساء) في البيوت، وحماية الأطفال من الضياع، وحماية المجتمع من الانحرافات، إلى جانب المساهمة في تكوين أمة الرحمة وأمة التكافل وبالتالي الأمة الموحدة المتماسكة القوية.
ولفت القرة داغي، إلى أن مجالات التشغيل والاستثمار التي يستهدفها "كاف"، تشمل 13 نوعا، يندرج تحت كل نوع أنواع عديدة، أبرزها على سبيل المثال مشاريع الخياطة، والمنسوجات اليدوية، وتجميع الصناعات الصغيرة كـ (لعب الأطفال والراديو والتليفزيون).
وتابع: "حينما تولى عمر بن عبد العزيز، وضع استراتيجية لتحقيق التنمية الشاملة في المجتمع الإسلامي الممتد في ذلك الوقت".
وأضاف، أن استراتيجية عمر بن عبد العزيز، استهدفت في السنة الأولى، انتقال الفقراء من مرحلة الفقر المدقع إلى مرحلة الكفاف، وبالفعل أصدر أوامره لكل أمراء العالم الإسلامي، وطالبهم بالبحث عن كل شخص يكون قادرا على عمل أو يدرب على عمل وأن يعطوه وسائل الإنتاج ومنها على سبيل المثال إن كان قادرا على التجارة فأعطوه ألف دينار (ما يعادل في ذلك الحين 4225 جرام ذهب).
وأردف: "في هذه السنة وصلت عمر بن عبد العزيز ثلاث رسائل من ثلاث دول هي اليمن والعراق ومصر، يؤكدون أن لديهم فائضا عن المعيار المحدد للسنة الأولى، بلغ 33% في اليمن، و25 % في العراق، و20% في مصر، وهذه الدول الآن تعاني تفشي الفقر بها الآن".
واستطرد: "وفي السنة الثانية كانت الاستراتيجية هي انتقال الناس من حد الكفاف إلى حد الكفاية، وقام بوضع معايير لحد الكفاية، ثم في السنة الثالثة (خلال الـ 6 أشهر الأولى من العام) انتقل الناس من مرحلة الكفاية إلى تمام الكفاية أي أن الفرد لا يخاف الفقر طوال عمره، بحيث يرتب له عمل، أو يوفر له أداة من أدوات الإنتاج، أو أنه يعطى ما يكفيه لكامل عمره، عشرون أو ثلاثون عاما".
وقال القرة داغي، إن التنمية الشاملة يمكن تحقيقها بركيزتين الأولى هي الزكاة والثانية القرض الحسن، مؤكدا أنه يوجد في القرآن الكريم 12 آية تتحدث عن القرض الحسن، المقصود به هو الصدقة التنموية التي توجه لتنمية المجتمع، وليس القرض العادي بمفهومنا الحالي.
وشدد على أن الصدقة التنموية تجعل من القرض الحسن فريضة وليست سنة، وفقا لسياق الآية الكريمة (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا..)، مضيفا: "والقرض الحسن هو ما يسمى بالأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي وكلاهما فريضة".
وأكد القرة داغي، أنه تم تلخيص برنامج كاف في 5 برامج يمكن تطبيقها على 5 مراحل متتابعة، لتفادي معوقات ومخاطر التطبيق، سعيا للوصول إلى تحقيق التنمية الشاملة والتنمية المستدامة.
ووفقا للأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تتمثل البرامج الخمسة بشكل مختصر على النحو التالي:
كاف1: يتكون من مؤسستين فقط الأولى هي مؤسسة القرض الحسن للمشروعات الصغيرة وهذه المؤسسة يمكن أن تكون حكومية أو أهلية أو مختلطة، وممكن أن تجمع مواردها من الصدقات ووقف النقود وفي رأيي الشخصي حتى من الزكاة.
والمؤسسة الثانية هي صندوق الحماية: أهم شيء وأخطر شيء في مؤسسات القرض الحسن أن المبالغ المخصصة المرصودة للقرض الحسن تنتهي مباشرة بعد فترة وجيزة، تأكلها النفقات ومشاكل التعثر، ولذلك أنا وضعت هذه المؤسسة بمثابة صندوق التكافل، وحتى لا يكون محرما فنأخذ من المقترض 2% أو 3% ولكن ليس للمقرض حتى لا يكون ربا وإنما لهذه المؤسسة الخيرية التي هي مؤسسة تكافلية وبالتالي تحمى هذه الأموال في حالة العجز والتعثر أو الموت وبالتالي تبقى هذه الأموال محفوظة.
كاف2: تتكون من ثلاث مؤسسات وهما المؤسستان السابقتان (القرض الحسن وصندوق الحماية) بالإضافة إلى محفظة استثمارية نستثمرها في الأصول، هذا لحماية التضخم، وبالتالي نكون قد عالجنا قضية النفقات والتعثر من خلال صندوق الحماية وعالجنا قضية التضخم من خلال محفظة الاستثمار.
كاف3: يتكون من أربع مؤسسات، المؤسسات الثلاث، بالإضافة إلى إنشاء مؤسسة للمشروعات الصغيرة كبنك له أرباح لكن بطريقة إسلامية، ويكون الهدف منه تمويل الحرف والمهن والمشروعات الصغيرة.. وبذلك يصبح لدي مؤسسة تمويلية تستطيع تمويل الشخص الذي نجح في تنمية القرض الحسن، ويحتاج إلى تطوير، ولا تستطيع مؤسسة القرض الحسن إقراضه.
كاف4: يتكون من خمس مؤسسات، المؤسسات الأربع السابقة بالإضافة إلى مؤسسة الزكاة، وأموال الزكاة حسب تأصيلي الشرعي تقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول لغير القادرين على العمل من الفقراء والمحتاجين، والثاني لشراء أدوات الإنتاج وهذا جائز عند جميع المذاهب، لكن بصورة أو بأخرى هل أنت تشتري أم تفرض علي أن أشتري، والقسم الثالث تحويلها إلى صندوق الحماية لعلاج التعثر لهؤلاء المقترضين المتعثرين، وحينما أحول الثلث أو العشر مثلا من صندوق الزكاة إلى صندوق الحماية تكون الرسوم التي آخذها من المقترض لصالح صندوق الحماية قليلة جدا، فإذا كان في المرحلة الأولى ثلاثة أو أربعة في المئة فيمكن في هذه المرحلة تخفيضها إلى مثلا واحد في المائة أو أقل، وبالتالي تساهم الزكاة في حماية صندوق القرض الحسن وفي نفس الوقت جزء منها تنموي والجزء الثاني استهلاكي.. وبذلك يمكنني أن أحقق خلال عشر سنوات تنمية في هذه المنطقة التي توجه هذه المؤسسات الخمس إليها.
كاف5: يتكون من ست مؤسسات، المؤسسات الخمس السابقة، إلى جانب مؤسسة الوقف التنموي العلمي الحضاري.
وفي ما يتعلق بمصادر تمويل البرنامج، قال القرة داغي، لـ
"عربي21": "البنوك الإسلامية والمنظمات الداعمة والأفراد والمؤسسات الاقتصادية المختلفة سواء كانت حكومية أو قطاعا خاصا".
وأكد أنه أجرى دراسة دقيقة في العام 2007، تبين فيها أن حجم الزكاة في دول الخليج فقط في ذلك العام بلغ 100 مليار دولار، مضيفا: "وما أمكن حصره أو الوصول إليه فيما يتعلق بحجم الزكاة في العالم الإسلامي كله يصل إلى نحو 400 مليار دولار، وهو رقم كبير يمكن أن ينتشل العالم الإسلامي من الفقر إذا تم توجيهه إلى مسارات تنموية صحيحة، وعندها لن يبقى فقير واحد لدينا – بحسب تعبيره-.
وأكد الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن العالم الإسلامي قادر على تحقيق تنمية شاملة دون الحاجة إلى الاستيراد من الخارج، أملا في أن يتم تطبيق برنامج كاف في عدد من الدول الإسلامية التي يتواصل معها حاليا لدراسة آليات وسبل تطبيقه.