نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للصحافية أليس سو، عن أحداث السفارة
الإسرائيلية في عمان، ومقتل محمد زكريا
الجواودة، الذي أرسله والده للقيام ببعض أعمال النجارة، في المكان الذي توجد فيه
السفارة الإسرائيلية في منطقة الرابية في عمّان.
وزارت الصحافية الخيمة التي نصبت للعزاء في بيت والده في جنوب عمان، حيث وضعت تحت صورته عبارة "شهيد السفارة الإسرائيلية"، وزار بيت العزاء الصحافيون والأقارب والجيران والملك عبدالله الثاني نفسه، ولاحظت سو أن أي شخص حضر العزاء كان يدوس على العلم الإسرائيلي "الموت لإسرائيل"، مشيرة إلى أن صاحب العمارة، جراح العظام بشار الحمارنة قتل في الحادث، فيما لا يزال سائق الشاحنة في العناية المركزة.
وتقول سو في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "الأخبار الأولى حول ما جرى كانت غامضة، حيث أشارت إلى أن هجوم الجواودة على حرس السفارة كان مخططا له، في ظل الغضب الذي يعيشه الأردن على أحداث الأقصى، والتظاهرات التي اندلعت في عمان على نصب بوابات إلكترونية أمام بوابات المسجد الأقصى، في الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون يواصلون احتجاجهم في القدس".
وتشير المجلة إلى أن قرب الأردنيين من النزاع الفلسطيني الإسرائيلي جغرافي وعائلي وعميق، وأن هناك نسبة 60% من الأردنيين يعودون في أصولهم إلى فلسطين؛ نتيجة للتشريد في عام 1948 و1967، بالإضافة إلى أن هناك مليوني شخص لا يزالون مسجلين على أنهم لاجئون، فيما يعيش 370 ألفا في المخيمات التي توسعت في العقود الماضية، وأصبحت مزدحمة، ودون خدمات كافية، لافتة إلى أن هناك الكثير من أبناء المخيمات ممن لهم أقارب يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتعلق الكاتبة قائلة إن "العلاقات العميقة والدماء في القدس لم تصل إلى الأردن قبل يوم الأحد -حادث السفارة- فالأردن هو المكان الذي يهتف فيه الفلسطينيون وأبناء عمومتهم وجيرانهم ضد الصهيونية، في وقت تتعاون فيه حكومتهم بهدوء مع إسرائيل، في قضايا الأمن والطاقة والسياسات الموالية للولايات المتحدة، وتتعاون الشرطة الأردنية مع الإسرائيليين؛ لتأمين الحدود بين البلدين، ويزور السياح الإسرائيليون البتراء، فيما يقوم السياح الشباب بالتخييم في صحراء جنوب الأردن، وفي عام 1994، وقع البلدان معاهدة وادي عربة للسلام، واستمرت رغم الأزمات التي ظهرت، مثل محاولة عملاء للموساد عام 1997 اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، وعندما قام جندي أردني بقتل تلميذات مدرسة إسرائيليات، (حيث سافر الملك حسين إلى إسرائيل، وناشد عائلات الطالبات العفو)، أو عام 2014 عندما قتل الجنود الإسرائيليون أردنيا على الجسر بين الأردن والضفة الغربية".
وتلفت سو إلى أن "غضب الأردنيين موجه هذه المرة للحكومة الأردنية، وليس لإسرائيل، ففي الوقت الذي أعلن فيه الإسرائيليون مباشرة أن الجواودة هاجم الحرس أمام السفارة، فإن الشرطة الأردنية التزمت بالصمت لمدة يوم آخر، ولم تستطع التحقيق في الحادث والتوصل للقصة الحقيقية؛ لأن الإسرائيليين زعموا أن القاتل يتمتع بالحصانة، ولا يمكن التحقيق معه".
وتستدرك المجلة بأنه "رغم تأكيد الشرطة التحقيق مع الحرس، إلا أن الأردنيين سمحوا ليلة الاثنين للحارس بالسفر إلى إسرائيل، وسمحوا بإخلاء السفارة بشكل كامل بعد التوصل إلى تسوية، حيث أخبر الحارس قصته للدبلوماسيين الإسرائيليين بحضور ضابط أردني، وفي الساعة 11 مساء من يوم الاثنين كان الحارس في إسرائيل، حيث استقبله رئيس الوزراء بنيامين
نتنياهو وعانقه".
وتذكر الكاتبة أن النواب خرجوا من البرلمان في يوم الثلاثاء، عندما كان وزير الداخلية يقدم تفصيلا حول ما حدث، مشيرة إلى أن وسائل الإعلام حفلت بالكثير من المقالات التي تنتقد الحكومة، ففي مقال تم تبادله بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي في موقع "حبر"، كتبته دعاء علي، قالت فيه إن الأردنيين لا يحتاجون إلى أدلة ليثبت لهم أن الإسرائيليين ينظرون إليهم على أنهم أنصاف بشر، وأن حادث الأحد أثبت أن حكام البلد ينظرون إليهم بالطريقة ذاتها.
وتنوه المجلة إلى أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قطع رحلته في هاواي، حيث عاد وانتقد طريقة استقبال نتنياهو للحارس باعتباره بطلا، فيما شهدت عمان يوم الجمعة تظاهرات حول السفارة، التي طالب فيها المتظاهرون بإغلاق السفارة، وإلغاء معاهدة وادي عربة، لافتة إلى أن المتظاهرين ربطوا الحادث بأحداث الأقصى، مع أن التحقيق الأردني قال إن المشاجرة بين الجواودة وحرس السفارة نشبت بسبب الأثاث الذي كانت تحمله الشاحنة.
وتورد سو نقلا عن عبدالله محمد (22 عاما)، الذي تعود أصول عائلته لمدينة جنين في الضفة الغربية، قوله: "كلها أمور مرتبطة ببعضها، الأقصى ووجود السفارة الإسرائيلية، ونحن كوننا أردنيين نقف مع القدس والفلسطينيين، ونرفض التطبيع أو التعامل مع الحكومة الصهيونية"، مشيرة إلى أن رجلا كبيرا، يدعى أبا سامر، وصف حادث السفارة بـ"المخجل"، حيث قال الرجل البالغ من العمر 83 عاما: "هذه الدولة الأردنية قذرة، كيف تسمح لقاتل بأن يقتل مواطنين وتتركه يهرب؟"، وأضاف: "الدول العربية كلها تتعاون مع إسرائيل، وهم مقتنعون أن عروشهم محمية من إسرائيل والشرطة تحميهم".
وتنقل المجلة عن حنان النجار (55 عاما)، التي كانت خارجة من المسجد، قولها: "لسنا إرهابيين، ولا نحب القتل، لكنهم سرقوا أرضنا وبلدنا ويقتلوننا الآن هنا"، وتضيف النجار، التي تعود في جذورها لمدينة نابلس، أنها جاءت للصلاة، و"لكنني أشعر بالغضب"، لافتة إلى قول رولا صافي (35 عاما)، التي كانت في مقدمة المحتجين، إنهم "كلهم شهداء وكلهم قتلوهم الصهاينة" في الأقصى والسفارة.
وتعلق الكاتبة قائلة إن "الغضب في الشوارع الأردنية ديني ووطني وسياسي، وخليط من الواجب المقدس لحماية المكان المقدس، واحتجاج وطني على القتل الذي لا معنى له لمواطنين أردنيين، وعدم قدرة الأردنيين خلال العقود الماضية على عمل شيء ضد إسرائيل غير الهتاف ورسم العلم الإسرائيلي على الأرض".
وتختم سو مقالها بالإشارة إلى أن عائلة حمارنة أقامت في عمان الغربية عزاء في الكنيسة الأرثوذكسية، حيث زار الملك العزاء، وقدم واجب العزاء لزوجته الألمانية وابنيه، ووعد شقيقه باسم بأن مقتل بشار لن يذهب دون عقوبة، مستدركة بأنه رغم أن الأقصى ليس له أي علاقة بمقتل الطبيب، ولم تشارك عائلته فيه، إلا أنها ليست ضد الاحتجاج، حيث قال باسم: "نحن الأردنيون -مسلمون ومسيحيون- ضد هذا"، أي ما يحدث للفلسطينيين.