نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا أعده أحمد العمران، تقول فيه إن التحالف الذي تقوده
السعودية ضد دولة
قطر قام بعسكرة القنوات الفضائية، بعدما فشلت الجهود الدبلوماسية في دفع قطر للاستسلام للمطالب التي تقدمت بها السعودية والدول المتحالفة معها.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن
الإعلام الخليجي، الذي يعاني من الرقابة الحكومية الشديدة، عادة ما يتسم بالاحترام عندما يقوم بنقل الأخبار المتعلقة بدول وملكيات الخليج، مستدركا بأن قرار قناة "العربية" عدم ذكر لقب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وذكره مجردا من لقبه، يظهر الكيفية التي تحولت فيها وسائل إعلام المنطقة إلى سلاح في الأزمة الدبلوماسية، التي وضعت السعودية وثلاث دول أخرى ضد قطر.
وينقل الكاتب عن الصحافي السعودي عواد الفياض، الذي يعمل في قناة "أم بي سي" المملوكة من السعودية، قوله: "من الناحية التاريخية كانت السعودية محافظة، إلا أنها في هذه المرة نزعت القفازات".
وتقول الصحيفة إن أزمة الخليج تعاني من انسداد منذ شهرين، بعدما قامت السعودية والإمارات العربية والبحرين ومصر باتخاذ إجراءات غير عادية، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وفرضت عليها حصارا جويا وبريا وبحريا، بعدما اتهمتها بدعم وتمويل الإرهاب، لافتة إلى أن الدوحة تنفي الاتهامات الموجهة إليها كلها، وترفض الاستجابة للمطالب التي طالبها بها أعداؤها، التي كان من بينها إغلاق قناة "
الجزيرة".
ويلفت التقرير إلى أن الرياض والدول المتحالفة معها صعّدت من الأزمة بشكل كبير، حيث لم تترك لنفسها أي خيارات واقعية لتقوم باتباعها، وتضغط من خلالها على قطر، وهي الدولة التي تملك المصدر الأول للغاز المسال في العالم، مستدركا بأن إطلاق العنان للإعلام المملوك من الدولة هو محاولة منها لإشعال نار الحرب الدعائية، وإبقائها حية؛ ليس فقط للاستهلاك المحلي، لكن للتودد إلى حلفائها الغربيين، والحصول على دعمهم.
ويفيد العمران بأن "التغطية الإعلامية تراوحت من الاتهامات الموجهة لقطر بدعم الإرهاب إلى اتهامات تبدو تافهة، حيث قامت (سكاي نيوز) العربية، وهي المشروع الإعلامي المشترك بين العائلة
الإماراتية الحاكمة في أبو ظبي و(سكاي نيوز) البريطانية، ببث شريط فيديو قالت إنه يثبت تورط دولة قطر بتنفيذ وتمويل هجمات أيلول/ سبتمبر عام 2001، وفي قصة أخرى نشرتها صحيفة (عكاظ) السعودية، زعمت فيها أن متجر هارودز في لندن، الذي تملكه العائلة القطرية الحاكمة، يقوم بأخذ معلومات لبطاقات الائتمان التي تعود للزبائن من دول التحالف المعادي لقطر".
وتنوه الصحيفة إلى أنه في المقابل، فإن وسائل الإعلام القطرية قامت بنشر قصص تقول فيها إن الحكومة السعودية ستعاقب كل من يرتدي قمصان نادي برشلونة الرياضي؛ لأنه مدعوم من الخطوط الجوية القطرية.
ويقول الفياض، وغيره من الصحافيين السعوديين، إن الحملة الإعلامية ضد قطر مبررة؛ لأنها جاءت بعد عقدين قامت فيها الدوحة ووسائل إعلامها، بما فيها "الجزيرة"، بمحاولة زعزعة استقرار المنطقة والمملكة السعودية، ويضيف الفياض: "اكتشفت الحكومة أن هذه المعركة يجب قتالها باستخدام الوسائل ذاتها".
ويورد التقرير نقلا عن بعض الصحافيين السعوديين، قولهم إنهم تعرضوا لضغوط من الحكومة لينتقدوا قطر، ووصف محرر صحافي سعودي كيف وجه المسؤولون الرسائل الهاتفية لمجموعة من الصحافيين وبينوا لهم كيفية التغطية، وحددوا لهم القصص التي يجب تغطيتها، وقال: "هذه أوامر وليست مقترحات".
ويذكر الكاتب أن الإعلام الخليجي كان دائما عرضة للرقابة الحكومية وسيطرتها، إلا أن إطلاق قناة "الجزيرة" عام 1996، أدى إلى تثوير المشهد الإعلامي العربي، حيث قامت القناة بنقد الدول الأخرى المجاورة لقطر وحول الشرق الأوسط.
وتشير الصحيفة إلى أن قناة "الجزيرة" تؤكد أن خطها التحريري مستقل، إلا أن الرياض وأبوظبي تنظران إلى شبكة "الجزيرة" العربية على أنها متحدث باسم الجماعات الإسلامية التي تدعمها الدوحة، وقامت السعودية بإنشاء قناة "العربية"، وأنشأت الإمارات العربية "سكاي نيوز عربية"؛ لمواجهة خطاب "الجزيرة".
وبحسب التقرير، فإن إشارات الأزمة الدبلوماسية الأولى بدأت في أيار/ مايو، من خلال الإعلام الإماراتي والسعودي، الذي نشر تصريحات منسوبة للأمير تميم بن حمد، زعم فيها أنه انتقد السعودية، وأثنى على حركة حماس، ووصف إيران بالقوة الإسلامية، وقيل إنها نشرت على وكالة الأنباء القطرية الرسمية، مستدركا بأنه رغم تأكيد الدوحة أن التصريحات المنسوبة للأمير ليست صحيحة، وأن وكالتها تعرضت للقرصنة، إلا أن الرياض وأبوظبي تجاهلتا ما قالته قطر، وظل إعلام البلدين ينشر الأخبار المنسوبة للأمير على أنها "حقائق"، فيما رفض المسؤولون في البلدين توضيحات الدوحة بأنها "أكاذيب"، وقال معلق مصري على قناة "العربية"، إنه يجب إرسال الشيخ تميم إلى مصحة أمراض عقلية.
ويلفت العمران إلى أنه بعد أقل من أسبوعين، فرض الحصار على قطر، وأغلقت مكاتب "الجزيرة" والمؤسسات الإعلامية القطرية الأخرى في دول التحالف، مشيرا إلى أن الدوحة اتهمت الإمارات بالوقوف وراء القرصنة التي تعرضت لها وكالة أنبائها الرسمية، فيما أكد مسؤولان أمريكيان، لم يكشفا عن اسميهما، لصحيفة "واشنطن بوست" أن الإمارات هي التي قامت بعملية القرصنة، مع أنهما لم يذكرا فيما إن قامت بالعملية بنفسها، أم أنها استعانت بمرتزقة من القراصنة الإلكترونيين.
وتذكر الصحيفة أن الصحف ووسائل الإعلام القطري وصفت الحصار بأنه فعل غير ناضج، و"تسكع سياسي" من دول قامت بفرض أنظمة بدوية على مؤسسات الدولة، منوهة إلى أن تقارير قطرية أكدت دعم السعودية للجماعات الجهادية، وهو ما رفضته الرياض، حيث قال الصحافي القطري عبد الله العذبة لـ"الجزيرة": "تم إنشاء تنظيم الدولة وأصبح كبيرا عندما كانت السعودية مسؤولة عن التعامل مع الأزمة السورية".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن البعض يشعر بالملل من حرب الكلمات، حيث كتب أحمد عبد الملك في جريدة "الشرق" القطرية الشهر الماضي، قائلا إن الخطاب الإعلامي لوّث سماء الخليج منذ 5 حزيران/ يونيو، وزاد من القسوة والظلم، اللذين تسببت بهما الإجراءات السياسية التي أضرت بسكان المنطقة.