تثير الدعوات الرسمية العربية العلنية للتطبيع مع "
إسرائيل"، وما يتكشف تباعا من علاقات سرية لبعض الدول العربية معها، تساؤلات حول جدوى تلك العلاقة، وما هو الأمر الذي تمتلكه تل أبيب لتهرول بعض الدول العربية نحوها من أجل
التطبيع.
علاقات ثنائية
ولم تكن دعوة وزير الاستثمار
السوداني، مبارك الفاضل المهدي، إلى التطبيع مع "إسرائيل" هي الوحيدة التي تنطلق في
العالم العربي، حيث عبر الوزير الذي هاجم الفلسطينيين الأحد الماضي، عن دعمه إقامة علاقات بين بلاده والاحتلال، والعمل على تطبيع العلاقات الثنائية بينهما.
اقرأ أيضا: وزير سوداني يهاجم الفلسطينيين ويدعو للتطبيع مع إسرائيل
وقال الوزير: "لا أرى مانعا من التطبيع مع إسرائيل"، معتبرا أن القضية الفلسطينية سبب في "تأخر العرب".
ويذكر أنه من حين لآخر، تتقاطر وفود عربية وخاصة خليجية على تل أبيب، من دول لا تقيم اتفاقيات سلام مع إسرائيل، بينها السعودية.
وحول هذا الواقع، أوضح الكاتب والمحلل السياسي توفيق أبو شومر، أن العلاقة بين الدول "أصبحت تبنى على المصالح بالدرجة الأولى وليس القيم، ولم يعد هناك في عالم اليوم شيء اسمه الأخلاق أو المحافظة على الثروة الوطنية والوحدة العربية"، على حد وصفه.
وأضاف في حديثه لـ"
عربي21": "كل هذه المسميات انتهت، وأصبحت هناك مصالح تجارية وحربية"، موضحا أن "إسرائيل تتصدر دول العالم في استقطاب التحالفات الضعيفة وأولها؛ استقطابها للعالم العربي التعيس والمشتبك"، كما قال.
اقرأ أيضا: حماس تنتقد وزيرا سودانيا دعا للتطبيع مع إسرائيل
ورأى أبو شومر أن حالة الاشتباك والتردي التي تجتاح العالم العربي، هي "المركز الرئيس التي تجعل العالم العربي يتهافت من كل مكان لإرضاء إسرائيل والتطبيع معها"، مضيفا: "التطبيع العربي مع دولة الاحتلال كان جاريا في الخفاء منذ زمن بعيد، ولكنه اليوم يظهر للعلن في كل العالم العربي، وهذه هي الحقيقة".
عصر ذهبي
ولفت المحلل السياسي المهتم بالشأن الإسرائيلي؛ إلى أن "إسرائيل تمكنت من زرع بعض المفاهيم لدى من يتحكمون بالدول العربية، حيث أوحت لهم أن سبب تأخركم هو تمسككم بالقضية الفلسطينية، حتى أصبحت تلك الدول مقتنعة بذلك، وهو ما دفعهم للتحالف مع الاحتلال".
ونوه إلى أن "تحالف بعض الدول العربية مع إسرائيل أصبح مقدمة على تحالف تلك الدول مع أي دولة عربية أخرى، وهذه هي الحقيقة المرة"، مضيفا: "إذا كانت تل أبيب لديها القدرة على التأثير في السياسة العالمية الأمريكية، فما بالنا في ساحة العالم العربي المفككة"، على حد قوله.
وحول نظرة دولة الاحتلال لهذه "الهرولة"، أشار أبو شومر إلى أن "هناك حظرا إسرائيليا، وتل أبيب ليست على عجلة من أمرها في هذا الجانب؛ لأن الوقت يجري في صالحها، مع تواصل تشظي وتقسيم العالم العربي، وهم يقولون إن مصير العالم العربي سيتحدد بموافقتنا".
وتابع: "ويمكن هنا ملاحظة حجم وأهمية الملفات التي يحملها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو معه إلى روسيا".
ونبه الكاتب إلى أن زيارة العديد من الوفود العربية لتل أبيب؛ جعلت من هذا الوقت "عصرا ذهبيا للاحتلال، حيث تعمل إسرائيل على استغلاله والاستفادة منه عبر إيجاد مبادرة عربية تحمل وجهة النظر الإسرائيلية، بهدف إرغام الفلسطينيين على قبولها، وبالتالي إنهاء وتفكيك القضية الفلسطينية بالمطلق، وهذا ما يجري الإعداد له"، وفق تقديره.
اقرأ أيضا: موقع إسرائيلي: نتنياهو يحذر من وقوع حرب إسرائيلية في سوريا
وأكد أبو شومر أن النتيجة المتوقعة لهذه الهرولة هي "إنجازات إسرائيلية بحتة متتالية، دون أن يحقق العرب شيئا، إضافة إلى زيادة فرقة العرب وضعفهم وانهيار اقتصادهم المتردي، وعلى رأس ذلك كله التخلص بالكامل من القضية الفلسطينية، وهذا ما يجري الآن بشكل تدريجي في الساحة العربية والفلسطينية".
سلام شامل
من جانبه، أشار الكاتب والمحلل السياسي زهير الشاعر، إلى أن "حال العرب اليوم كحال باقي دول العالم التي تبحث عن مصالحها الخاصة، حيث لم تعد فكرة التلاقي حول القومية العربية مغرية كما كانت تاريخيا".
وأوضح في حديث لـ"
عربي21"؛ أن "فكرة التطبيع موجودة ولم تكن يوما غائبة، ولكن الفرق بين اليوم والأمس، أنها كانت في السابق خجولة وأما اليوم فأصبحت علنية".
ورأى الشاعر أن هذا الواقع "جاء في سياق الحالة العربية الباحثة عن المصالح الذاتية المنفردة لكل دولة، بغض النظر عما سيلحق بالدول الأخرى"، لافتا إلى أن "إسرائيل باتت متفوقة بالفعل في العديد من المجالات الحياتية الهامة، وهو ما جعل الكثير من دول العالم بحاجة إليها وبحاجة لتطوير العلاقات معها"، كما قال.
ونوه المحلل السياسي إلى أن هذا التوجه نحو الاحتلال "لا زال يصطدم بالواقع السياسي القائم والخاص بالقضية الفلسطينية، التي لا زالت تواجه تحديات كبيرة، خاصة في ظل الانقسام الداخلي وضعف القيادة الفلسطينية التي باتت تعاني أزمة ثقة حقيقية بينها وبين الشارع الفلسطيني من جهة، ومن جهة أخرى بينها وبين حكومات الدول العربية، وهو ما ساعد في إضعاف تأثيرها على قرار الدول العربية في موضوع التطبيع وغيره قبل إتمام عملية سلام شاملة في المنطقة"، على حد قوله.