نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للزميل في مجال الأمن القومي في مجلس العلاقات الخارجية، وكان عمل مديرا سابقا للاستخبارات الأمنية، مايكل ديمبسي، يركز فيه الانتباه على الكارثة
اليمنية، ويقول فيه إن الأخبار من هذا البلد رهيبة، و"لكن دعونا نركز على ما يمكننا عمله".
ويقول ديمبسي: "الذين يتابعون منا أخبار الشرق الأوسط يقولون: من المحتمل أن يسوء الوضع قبل أن يزداد سوءا، وللأسف فإن هذا يصف الوضع في اليمن، فبعد ثلاثة أعوام على دخول متمردي الحوثي العاصمة صنعاء، وبعد عامين من بداية الحملة التي قادتها
السعودية لإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى السلطة، لا يزال الصراع يحتدم دون أفق للنهاية، وفي الحقيقة فإنه على الرغم من تقرير الأمم المتحدة من أن هناك حوالي 10 آلاف قتيل وأكثر من 40 ألف جريح، فإنه لم يتغير شيء على مسار الحرب منذ أكثر من عام".
ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "تسوية سلمية لا تلوح في الأفق، والإشارات كلها تظهر أنه لا
الحوثيون والا التحالف المؤيد لهادي يعتقدون أنهم يخسرون المعركة، مع اعترافهم بأن الطريق طويل لتحقيق النصر، وكلاهما له حلفاء خارجيون (
إيران بالنسبة للحوثيين والسعودية بالنسبة لهادي)، من يعتقدون أن اليمن هي الساحة صفر لصراعهما على النفوذ في المنطقة، ولن ينتهي الصراع قريبا، رغم التقارير التي ذكرت أن السعودية تبحث عن طرق للخروج وإنهاء النزاع، ولن يتخلى أي منهما عن الساحة في وقت قريب".
ويرى ديمبسي أن "ما يعقد الأزمة هو القتال الذي اتدلع الأسبوع الماضي في صنعاء بين الحوثيين وأنصار حليفهم الرئيسي علي عبدالله صالح، حيث اندلع القتال عندما تدخل المقاتلون الحوثيون لمنع حاجز قرب بيت نجل صالح، ما أدى إلى مقتل شخصين على الأقل، ومن الصعوبة بمكان التوصل لتسوية طالما هناك خلاف داخلي بينهما".
ويشير الكاتب إلى أنه "حتى لو لم تكن هناك إشارات إلى أن النزاع استنفذ نفسه، إلا أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لا يمكنهم تجاهل الكارثة الإنسانية والمخاطر الأمنية المتزايدة هناك، فهناك 10 ملايين شخص يحتاجون لمساعدة عاجلة، فيما ينقص 17 مليون من 25 مليون نسمة الطعام، وسجلت منظمة الصحة العالمية هذا الأسبوع أكثر من 540 ألف حالة إصابة بالكوليرا، وأكثر من ألفي حالة وفاة نتيجة للمرض داخل البلاد".
ويبين ديمبسي أنه "بسبب اتسام المؤسسات في البلاد بالضعف، وعدم قدرة عمال الإغاثة على الوصول إلى المناطق المنكوبة، فإن حجم الكارثة قد يكون أكبر، وإذا لم يكن هذا سيئا بالدرجة الكافية فإن الحرب تولد سلسلة من التهديدات المشؤومة على المنطقة بشكل عام، حيث شن الحوثيون في الأشهر القليلة الماضية سلسلة من الهجمات الصاروخية على السعودية، بما فيها هجوم زعمت الجماعة المتمردة أنه استهدف منشأة نفطية مهمة، وتهدد صواريخ الحوثي وقواربه السريعة أمن مضيق باب المندب، حيث تعبر منه معظم التجارة العالمية بين أوروبا وآسيا، ووصل حجم التجارة في العام الماضي إلى 700 مليار دولار".
ويحذر الكاتب من أن "طول النزاع قد يؤدي إلى هجوم كبير على السعودية أو ضد القوات الأمريكية العاملة في المنطقة، ويجب ألا ننسى آلاف الناشطين من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، ممن يستخدمون الاضطرابات من أجل التجنيد والتدريب والتخطيط للعمليات".
ويجد ديمبسي أن "المجتمع الدولي لم يستنفذ خياراته كلها، وكل ما يستطيعون عمله من الناحية الواقعية هو رعاية سلسلة من اتفاقيات وقف إطلاق النار المحلية (تقوم بالتوسط فيها دولة ذات مصداقية في المنطقة، مثل عُمان)، بالإضافة إلى تخفيف القيود على المساعدات الإنسانية التي تتدفق نحو البلاد، كما أن خططا لوضع ميناء الحديدة الذي تتحكم به جماعة الحوثي حاليا تحت إدارة الأمم المتحدة ستؤدي بالتأكيد إلى تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية الضرورية للبلاد".
ويفيد الكاتب بأن "الحوثيين يريدون تأكيدات من الأمم المتحدة بألا تكون إدارتها للميناء غطاء ليسيطر عليه التحالف السعودي، بالإضافة إلى أن خططا مماثلة لفتح مطارات البلاد ستؤدي إلى تدفق المساعدات الإنسانية، وقد تفكر الولايات المتحدة والأمم المتحدة في تنظيم جولة من المفاوضات تجمع الأطراف المتحاربة، حيث يتعامل الحوثيون مع قرار الأمم المتحدة، الذي مرر بالإجماع عام 2015، والذي يطالبهم بالانسحاب من المناطق كلها، بأنه ليس صالحا ليكون أرضية للنقاش".
ويلفت ديمبسي إلى أنه "على الصعيد الأمني يريد صناع السياسة الموازنة بين استهداف تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة (شنت الولايات المتحدة أكثر من 80 غارة منذ شباط/ فبراير)، والحد من سقوط المدنيين الذين يتساقطون نتيجة الغارات الجوية السعودية، ولدى الولايات المتحدة مصلحة واضحة في دعم حق المملكة الشرعي في الدفاع عن نفسها، والحد من التدخلات الإيرانية في المنطقة، ولها مصلحة في الحد من حدوث ضرر على المدنيين والبنى التحتية للبلاد، بالإضافة إلى البحث عن طرق لحل الأزمة التي تعد كارثية على الشعب اليمني وعلى المجتمع الدولي".
وينوه الكاتب إلى أنه "في الوقت الحالي، كلما طال أمد الحرب زاد الضرر لصورة أمريكا والمجتمع الدولي، خاصة أن هناك لوما على الولايات المتحدة لدعمها الحملة السعودية، التي تقف وراء الكابوس الإنساني في اليمن".
ويخلص ديمبسي إلى القول إن "المفارقة المثيرة للأسى في هذا النزاع أن كل طرف يعتقد أن الزمن يقف معه، وبالنسبة للشعب اليمني فإن الوقت ينفد من بين أيديهم".