تتناقض تصريحات حكومة عبد الفتاح السيسي بشأن مستقبل
الوقود في
مصر، بأنها ستصبح من الدول المصدرة للغاز مع بدء إنتاج حقل ظهر العملاق للغاز في نهاية العام الجاري، مع توجهاتها على أرض الواقع بالحديث عن زيادة أسعار
المحروقات مجددا.
وفي تصريحات صحفية، نهاية الشهر الماضي، أكد الوزير طارق الملا، أن الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات، في تموز/ يوليو، لا تعني أنها وصلت لأسعار التكلفة، ولكنها اقتربت منها قليلا، وأن حزمة الإصلاحات الاقتصادية تهدف إلى رفع أسعار المحروقات لكي تغطي تكلفتها، وهو ما يعني أن أسعارها ستزيد مرة أخرى لكي تصل إلى سعرها العادل، كما قال.
وفي أيار/ مايو الماضي، توقع السيسي أن توفر حقول
الغاز التي تم اكتشافها في الآونة الأخيرة؛ نحو 3.6 مليارات دولار سنويا، مع بدء الإنتاج.
ويبلغ إجمالي إنتاج مصر من الغاز 4.45 مليارات قدم مكعب يوميا. وتهدف مصر إلى زيادة الإنتاج إلى 5.35 مليارات قدم مكعب في العام المقبل، وإلى نحو 5.9 مليارات قدم مكعب في العام الذي يليه، ثم التوقف عن الاستيراد نهائيا.
مغالطات ومبالغات
وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، لـ"
عربي21"، إن "هناك التزاما مصريا تجاه صندوق النقد الدولي بتقليص دعم الوقود والسلع تدريجيا، من خلال مراجعة شاملة كل ستة شهور؛ من أجل الحصول على شرائح القرض التي تحتاجها البلاد".
وبشأن حجم اكتشافات الغاز الضخمة التي أعلنتها الحكومة المصرية قبل سنتين، أكد أن "هناك مغالطة لا بد أن يعرفها الناس؛ وهي أن حصة مصر من إنتاج حقل ظهر المقرر في نهاية العام الجاري هي 33 في المئة فقط، والباقي للشريك الأجنبي، وليس كله مصريا صرفا"، كما قال.
وتابع: "كما أن هناك مغالطة أخرى، يتم تضليل الناس بها، وهي إدراج كل ما يخرج من مصر تحت بند التصدير، ووضعه في الرقم الإجمالي للصادرات المصرية، في حين أنها لا تدخل خزانة الدولة بل خزانة الشركة الأجنبية المصدرة"، وفق تأكيده.
وقلل الولي من توقعات حكومة السيسي بأن يسهم إنتاج مصر من الغاز في إحداث طفرة في حجم الصادرات، قائلا: "يجب عدم المبالغة في الأرقام التي تتحدث عن تحقيق مليارات الدولارات سنويا، حصيلة تصدير الغاز، دعنا ننتظر ونرى حجم الإنتاج وسعر الغاز عالميا آنذاك".
ثروات مصر.. أرقام غائبة
أما أستاذ التمويل والاقتصاد، أشرف دوابة، فذهب إلى أنه لا يمكن الوثوق في الأرقام التي يعلنها نظام السيسي في مصر، خاصة فيما يتعلق بثروات البلاد. وقال لـ"
عربي21": "موضوع الثروات كلام يُحكى، ولكن الوقائع والحقائق غير معروفة؛ لأن طبيعة حكم العسكر تتسم بانعدام الشفافية، والغموض، وعدم المكاشفة"، على حد وصفه.
وانتقد ما اعتبره "تلاعبا" من نظام السيسي بالمصريين، قائلا: "تحدثوا عن أكبر حقل غاز في مصر، وفي الوقت نفسه تحدثوا عن نيتهم لرفع أسعار الوقود، بحجة أن التحرك وفقا للأسعار العالمية، وهي مغالطة كبيرة؛ لأن كل دولة تنظر إلى حالتها وفق العرض والطلب داخل الدولة، وظروفها الخاصة".
ورجح دوابة أن يستمر رفع أسعار الوقود بغض النظر عن حقيقة حجم إنتاج الغاز من حقل ظهر، وأرجع ذلك إلى "تنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي، من أجل الحصول منه على شهادة إشادة بالالتزام بالبرنامج الاقتصادي المحدد، ومن أجل الحصول على باقي مبلغ القرض البالغ 12 مليار دلار".
وانتقد استمرار عملية تحرير الاقتصاد المجحفة، مشددا على أنها "لا تراعي العدالة الاجتماعية، وهي للأسف مفقودة في مصر". ولفت إلى أن "ما يصدر من تصريحات من الحكم العسكري يأتي تارة لتخدير الناس، وتارة أخرى ليلهبهم بأمور أخرى"، كما قال.
"الخدعة الكبرى"
من جهته، انتقد رئيس مركز الحوار المصري الأمريكي بالعاصمة الأمريكية واشنطن، عبد الموجود الدرديري، تضارب تصريحات نظام السيسي بين امتلاك أكبر احتياطي للغاز في البحر المتوسط، واتجاهه لرفع أسعار الغاز.
وقال لـ"
عربي21": "هذا النظام خدع الجميع في الأربعة أعوام السابقه، والآن يخدع نفسه"، مضيفا: "الشعب هو الوحيد القادر على تغيير هذه المعادلة بتعميق الوعي والوقوف ضد هيمنة العسكر على الاقتصاد، وإيقاف نزيف الفساد المحمي من النظام"، على حد قوله.