أثارت دعوات أممية بإنشاء
لجنة تحقيق دولية حول الانتهاكات في
اليمن، جدلا واسعا، إزاء عمل اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات
حقوق الإنسان المشكل بموجب قرار جمهوري في العام 2015، ما يطرح تساؤلات عدة عن دوافع هذه الدعوات وما الإنجازات التي حققتها اللجنة الوطنية طيلة فترة عملها.
وقوبل طلب مفوضية حقوق الإنسان، بردة فعل قوية، حيث أعلنت قرابة 70 منظمة يمنية عاملة في مجال حقوق الإنسان باليمن، بيانا في الأيام القليلة الماضية، تضامنت مع اللجنة الوطنية، ودعت مجلس حقوق الإنسان إلى الاستمرار في دعمها، وحذرت من هدم جهودها المبذولة على مدى عامين من تشكيلها.
وكان الرئيس عبد ربه منصور هادي، قد أصدر قرارين جمهوريين بإعادة تشكيل اللجنة الأول في العام 2015، و الثاني في آب/ أغسطس من العام الجاري، وحدد في قراره الأخير فترة عملها بعامين مع جواز التمديد لها بقرار رئاسي.
جهود وقصور
وتعليقا على هذا الموضوع، يرى الصحفي والناشط الحقوقي اليمني، محمد الأحمدي، إن اللجنة الوطنية تقوم بجهود كبيرة، لكن هناك قصور تحتاج إلى تعزيز ثقة المجتمع الدولي وهو ما يتطلب دعمها ببعض الجوانب الفنية من طرف الحكومة والتحالف العربي الذي تقوده
السعودية.
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي21" أن على التحالف إشراكها في التحقيق بوقائع الغارات التي طالت مدنيين. واصفا هذه الخطوة بأنها ربما تساهم في التخفيف من وطأة الضغوط الدولية المتعلقة بتشكيل لجنة تحقيق دولية.
وأوضح الناشط الحقوقي الأحمدي أن مطالبات الهيئات الدولية بإنشاء لجنة تحقيق دولية، لا تخلو من أبعاد سياسية، إذا أخذنا بعين الاعتبار لجان التحقيق الدولية التي أخفقت بشكل كبير في حماية المدنيين أو محاسبة مرتكبي جرائم حقوق الإنسان كما هو الحال في سوريا.
ووفقا للأحمدي فإنه هذه المطالب يجب أن لا تثير فزع الحكومة الشرعية، لاسيما أن أي لجنة تحقيق لن تلغي اللجنة الوطنية، بل من الممكن أن تتحول إلى هيئة مستقلة لحقوق الإنسان وفقا لمبادئ باريس.
وأشار إلى أن اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، أنجزت الكثير من ملفات التحقيق ويعوزها مكتب اتصال فاعل لإقناع المنظمات الدولية والأمم المتحدة بجهودها وتعزيز الثقة بها.
حكومة هادي غير مؤهلة
وكانت المفوضية الأممية لحقوق الإنسان، قد طالبت قبل أيام، بتولي المنظمة الدولية مسؤولية التحقيق بانتهاكات حقوق الإنسان في الحرب الدائرة في اليمن، منوهة بأن حكومة "هادي" غير مؤهلة للقيام بهذه المهمة.
ودعا مكتب المفوضية في تقرير له، الأمم المتحدة إلى الموافقة على التحقيق في"الأعمال الوحشية" التي ارتكبت خلال ما وصفه بأنه "كارثة من صنع الإنسان بالكامل".
وأفاد تقرير الأمم المتحدة بأن اللجنة الوطنية التابعة لحكومة هادي "تأثرت سلبا بالقيود السياسية.. انحياز اللجنة الوطنية الملحوظ وقدرتها المحدودة على الوصول للأماكن منعها من تنفيذ تفويضها بشكل كامل".
بعد سياسي
وفي هذا السياق، قال عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان سابقا، عبد الرحمن برمان، أن دعوات إنشاء لجنة تحقيق دولية، أخذت بعدا سياسيا أكثر من البعد الإنساني والحقوقي.
وبحسب برمان الذي تحدث لـ"
عربي21" فإن هناك عدد من اللجان التي شكلت في انتهاكات حقوق الإنسان ومنها اللجنة الخاصة سوريا واللجنة الخاصة بالتحقيق في اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني.
ومضى قائلا : لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا، مضى على تشكيلها خمس سنوات دون أن تتمكن من إنجاز أي ملف أو أن تتمكن من دخول سوريا، بينما لا تزال تتخذ الأردن مقرا لها.
وأوضح عضو اللجنة السابق أنها حققت جزء لا بأس من الملفات ولم تنجز كل الأعمال. مؤكدا أن أي تقصير أو عجز في عمل اللجنة، فلا تتحمله وحدها، فالمسؤولية تقع على أطراف النزاع وكذا مفوضية حقوق الإنسان، وأي طرف يرفض التعاون معها.
لكنه لفت إلى عدد من التحديات التي تواجه عمل اللجنة منها "استمرار الحرب والنزاع، ورفض الحوثي وصالح في التعاون مع أي لجان تحقيق ولعل أبرزها "لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة"، في الوقت الذي يرفض تحالف الحوثي وصالح التعامل مع اللجنة الوطنية أو التعاون مع أي لجان تسعى للتحقيق في الانتهاكات باليمن.
وأشار الحقوقي برمان إلى أن مجلس حقوق الإنسان أيد في العام 2015 تشكيل اللجنة الوطنية، وكلف مفوضية حقوق الإنسان بدعمها، وخصص ميزانية لدعمها، لكنها لم توفر المفوضية الدعم اللازم والمطلوب، بل يكاد الدعم منعدما. موضحا أن المجلس أيضا في دورته الأخيرة في عام 2016 أقر ووجه بدعم لجنة التحقيق الوطنية، وحتى الآن، لم يقدم أي دعم يذكر للجنة يمكن أن يذكر أو أن يشاد فيه.
وكانت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، قد تمكنت من رصد وتوثيق نحو (17133) حالة انتهاك في مختلف المناطق. كما انتهت اللجنة وفقا لبيان صادر عنها في الأيام الماضية، من انجازها (3000) ملف، سيتم تقديمها أمام العدالة، وفقا لمعايير القانون الدولي.
خطوة متقدمة
وبموازاة ذلك، يرى المدير التنفيذي لمنظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان (محلية) عبد الرشيد الفقيه أن الطلب الأممي بتشكيل لجنة تحقيق دولية، خطوة متقدمة في طريق الحقيقة والعدالة والإنصاف والمساءلة.
وقال في حديث خاص لـ"
عربي21" إنه جميع الجهات الحقوقية الدولية المعتبرة مع إنشاء لجنة دولية في انتهاكات كافة أطراف الحرب في اليمن.
واعتبر الفقيه أن هذا الموقف من منظمات لها مركزها القانوني ضمن الآليات الدولية، علاقة بتقييم مهني لقدرات اللجنة المحلية (التابعة لحكومة الرئيس هادي)، ولعملها الذي لا يمكن الاعتماد عليه ضمن الآليات المتبعة دوليا، ولطريقة تشكيلها والتعديلات عليها الذي يفقدها صفة الاستقلالية والحياد.
وبحسب مدير منظمة مواطنة المحلية فإن الانتهاكات الجسيمة في اليمن بحاجة لخبرات دقيقة للغاية، عززت قدراتها على مدى سنوات طويلة علميا وعمليا.