تثير المواقف السياسية للمرشح الرئاسي الأسبق ورئيس حزب
مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح، الجدل في كثير منها، فبينما يعتبرها أنصاره مواقف متقدمة عن باقي أبناء جيله، يتعرض في المقابل لهجوم شديد من المختلفين مع أطروحاته.
بدأ أبو الفتوح نشاطه العام في كلية طب القصر العيني بالقاهرة، وأبرز ما في تلك المرحلة لقاؤه الشهير بالرئيس الراحل أنور السادات. وقد انخرط في صفوف جماعة
الإخوان المسلمين، وأصبح عضوا بمكتب إرشادها منذ عام 1987 حتى عام 2009، ثم ترشح في الانتخابات الرئاسية عقب ثورة 25 يناير، وحصل على أكثر من أربعة ملايين صوت، ليحوز المركز الرابع، ثم أنشأ حزب مصر القوية استكمالا لمشروعه السياسي.
عقب الانقلاب العسكري، تعرض أبو الفتوح للهجوم من أنصار الإخوان، كما يتعرض للهجوم من أنصار قائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي؛ بشدة.
ويوضح أبو الفتوح، في مقابلة مطولة مع "عربي21" تنشر على جزأين، ما جرى قبيل بيان الانقلاب في 3 تموز/ يوليو 2013، وتفاصيل لقائه بالمستشار عدلي منصور، ورؤيته للوضع السياسي والاقتصادي المصري الحالي.
وعلق أبو الفتوح على وفاة المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مهدي عاكف، في سجنه، مشيرا إلى أنه "أحد أبناء مصر الذين شاركوا في الحرب ضد الصهاينة في فلسطين عام 1948، ويحمل كل الوطنيين الشرفاء له التقدير بسبب هذا الأمر، وأيضا حبه لمصر وحرصه عليها أثناء فترة عمله سواء كان داخلها أو خارجها".
وحول خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال أبو الفتوح إن السيسي "يحاول أن يُظهر نفسه من يقود العالم في مواجهة الإرهاب والتطرف، وينسى أن أداءه منذ 3 تموز/ يوليو أحد أسباب صناعة التطرف".
وتحدث عن التقارب بين مصر وحركة حماس. وفي سياق الحديث عن الوضع المصري الحالي، طالب أبو الفتوح السيسي بالرحيل، فيما طالب الإخوان بالابتعاد عن المنافسة السياسية. كما أبدى تحفظه على القوانين الاستثنائية، ومنها مشروع قانون إسقاط الجنسية الذي اعتبر أنه "يمثّل منعطفا جديدا في إهدار النظام لقيمة الانتماء للوطن".
وإلى نص الحوار:
الأمم المتحدة والقضية الفلسطينية
* كيف تقيّم خطاب السيسي في الأمم المتحدة؟
- الخطاب كان روتينيا بالنسبة لأفكار السيسي. هو في خطاباته الخارجية كلها يحاول أن يُظهر نفسه من يقود العالم في مواجهة الإرهاب والتطرف، وينسى أن أداءه منذ 3 تموز/ يوليو أحد أسباب صناعة التطرف، ليس في مصر فحسب، بل في المنطقة؛ لأن الطبيعي أن العنف ينشئ عنفا مقابلا، وعندما واجه الحالة الإسلامية في مصر بهذا القدر من العنف من اعتقالات ومجازر واختفاء قسري ووضع أموال الناس تحت الحراسة وحصار الأحزاب وإغلاق المجال العام، فطبيعي أن تكون هناك ردود فعل لهذا الأداء العنيف غير القانوني والمختلف مع حقوق الإنسان، والعالم لا يصدّق ولا يقبل من نظام يؤدي بهذا العنف في وطنه أن يكون محاربا للإرهاب.
* كيف لا يصدقه وهو يتعامل معه بانفتاح واضح؟
- طبيعي أن يعامله العالم بانفتاح لأن الدور الذي يؤديه النظام المصري على مستويين، الأول سحق الحالة الإسلامية الدعوية بكل وسائل العنف، والثاني العلاقة الحميمة مع الكيان الصهيوني الذي يعتبر الابن المدلل للغرب، فهذا يجعلهم لا يعادون النظام المصري ولا يرفضونه بل يتعاونون معه.
خطورة هذا الأداء السيئ والفاشي للنظام المصري أنه من الممكن أن يؤدي لحدوث حالة فوضى في مصر، وهذا ليس خطرا على المنطقة العربية والشرق الأوسط فقط، بل خطورته على الأمن والسلام العالمي كله، والغرب منزعج مما حدث في سوريا وما أدى إلى الهجرة سواء المشروعة أو غير المشروعة، فما بالك لو حدثت فوضى في مصر؟ وبالتالي فالغرب يراوح في مواقفه غير الإنسانية وغير الشريفة بين تأييده غير المعلن للعدوان على الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر؛ وبين ظهوره متضجرا من هذا الأداء الذي يشجعه أو على الأقل يسكت حياله.
* بالنسبة للعلاقة مع الكيان الإسرائيلي، نحن لدينا موقفان متباينان أحدهما الصورة التي خرجت من لقاء السيسي ونتنياهو وتبدو فيها حميمية شديدة، وثانيهما التقارب المصري الحمساوي الأخير، فكيف تفسر ذلك التباين؟
- لا يوجد تباين، فقد سبق للسيسي، في أسيوط، أن تحدث عن السلام الدافئ في وقت لا يوجد فيه ما يدعو لهذا، فلم يقدم النظام الصهيوني أي موقف يشير إلى رغبته الحقيقية في إيجاد سلام مع الفلسطينيين، بل هو دائم العدوان على المقدسات الإسلامية والشعب والأسرى الفلسطينيين، فلا يوجد شيء إيجابي تم تقديمه للعالم العربي أو فلسطين بما يجعلنا نتفهم مطالبات التفاوض. والمطروح من قِبل النظام الصهيوني بمطالبته التطبيع مع الدول العربية مقابل بدء التفاوض وليس تنفيذ القرارات الدولية؛ مهين للنظم العربية، وكان الأولى بالسيسي أن يطالبهم بكف العدوان وليس تطبيع العلاقات.
أما التقارب مع حماس فحتما أنا أؤيده، لكنه منفصل عن التقارب مع إسرائيل، فمفهوم أن هدف التقارب مع حماس التعاون لمحاربة الإرهاب في سيناء، وهذا طبيعي، وأحيانا يهرب بعض من يقوم بعمليات مسلحة في شمال سيناء إلى غزة، ومطلوب ممن يسيطر عليها، سواء كانت حماس أو فتح، ألا يسمح بهذا، ويجب على الفلسطينيين ألا يكون لهم دور، ولو كان سلبيا، تجاه مصر، والعكس أيضا.
كذلك يجب أن نشيد بالأطراف التي تممت الاتفاق، أحدها جهاز المخابرات العامة الذي يؤكد ممارساته الوطنية في الحفاظ على أمن مصر، وللأسف يُضيّق عليه في أدائه، وثانيهما المكتب السياسي لحماس؛ الذي قلت عنه لأحد المسؤولين بالدولة إنهم مجموعة تحب مصر ولا يمكنها أن تتعاون مع من يضر بمصالحها، وهم يثبتون وطنيتهم وعروبتهم، وأبدوا حرصهم على هذا التعاون لإدراكهم أن مصر كشعب ودولة ليست عدوا لحماس، وما قدمه نظام 3 تموز/ يوليو من عدوان على الحركة ومحاولة وصمها بأنها إرهابية لم يكن صحيحا، وأثبت رجال حماس أنهم مع الأمن المصري، وأنهم ليسوا مرتبطين تنظيميا بالإخوان رغم الانتماء الفكري، فلا ينبغي للنظام أن يربط حماس بعدائه مع الإخوان.
* لم نجد حراكا سياسيا ضد تطبيع النظام المصري مع الكيان الإسرائيلي، فلماذا غابت القوى السياسية عن الاحتجاج؟
- القوى السياسية في مصر مصادرة وممنوعة، ونحن كحزب عندما نصدر بيانا ونرسله لكل الصحف لا يُنشر، فأين تعرف مواقف الأحزاب؟ وكل القوى الوطنية الإسلامية واليسارية والليبرالية ترفض العلاقة مع (الإسرائيليين) وتدعو لإغلاق السفارة في مصر.
30 حزيران/ يونيو
* أليست هذه القوى السياسية هي التي خرجت أثناء حيوية الشارع ودعت لإسقاط نظام الإخوان، ولم تكن لديها رؤية تمنع الارتداد عن مكتسبات ثورة 25 يناير؟
- لا يصح لبعض قيادات الإخوان أن يلووا عنق الحقيقة.. هذه المطالبات حينها كانت تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة لتجاوز انقلاب كان مؤكدا حدوثه. وفارق بين من يقول إسقاط النظام المنتخب بانقلاب عسكري، كجبهة الإنقاذ التي ذكر بعض قياداتها هذا لي، وبين من يقول في رده على كلامهم: ندعو لانتخابات مبكرة أو الانتظار حتى يأخذوا حقهم ونسقطهم بالانتخابات كما وصلوا للسلطة بهذه الآلية. وخلط توجه جبهة الإنقاذ - الذي خطّأناهم فيه - مع توجهنا، فيما كان يسمى التيار الثالث، محاولة لوصم الجميع بأنه خرج يطالب بإسقاط النظام المنتخب.
* ألا تعتبر وجود تيار ثالث في ظل مساريْن محتّميْن: انقلاب عسكري أو الحفاظ على نظام قائم بعيوبه، نوعا من أنواع السياسة الحالمة؟
- لا ليست سياسة حالمة؛ لأن فكرة التيار الثالث أو ما دعوتُ إليه أن ما ينقذ البلد من انقلاب عسكري هو انتخابات رئاسية مبكرة، وهو ما حدث بالفعل. صحيح أن جبهة الإنقاذ بمطالبتها بالانقلاب العسكري قدّمت المسوّغ، لكن هب أنهم لم يطالبوا به، هل كان ذلك سيمنع حدوثه؟ الانقلاب العسكري كان مدبرا ضد الإخوان من أول يوم، وهذا وضح منذ جنازة شهداء رفح التي مُنع الرئيس - الذي كان في أول مدته - من حضورها، وتم الاعتداء على رئيس الوزراء هشام قنديل فيها، وأنا كذلك، وتم تأمين قيادات الجيش. فهذه مؤشرات واضحة منذ البداية.
* ذكرت في مقال لك أنك تواصلت مع جهات عدة عقب صدور بيان الـ48 ساعة من القيادة العامة للقوات المسلحة منها الرئاسة ووزارة الدفاع، فماذا كانت رسالتك وما رد الفعل؟
- تواصلت مع مسؤول كبير في وزارة الدفاع، وقلت له: "معنى صدور بيان بهذه الصيغة أنكم تنوون عمل انقلاب على المسار الديمقراطي"، فقال: "لا يمكن أن يحدث هذا". وهذا كان خداعا بالطبع، فاتصلت بمرسي عبر رئيس مجلس الشورى لأطالبه بالخروج الفوري للدعوةلاستفتاء على الانتخابات المبكرة في سبتمبر التالي، لتفويت الفرصة على الإجراء المتوقع بعد انتهاء المدة. فدخل إليه د. أحمد فهمي واتصل بي بعدها وقال لي: "د. مرسي يقول لك اطمئن".
* ذهابك للقاء عدلي منصور أعطى الانطباع بأنك مؤيد للإجراءات المعلنة في بيان 3 تموز/ يوليو ؟
- هذا تحامل من بعض الأطراف، فالعبرة بمحتوى المقابلة وما قلته فيها. ودائما أقول إنني لا أتردد في مقابلة أي طرف سواء اتفقت أو اختلفت معه، وكان ينبغي أن أُسأل عن سبب ذهابي.
فأولا، أنا ذهبت بناء على دعوة من المستشار عدلي منصور بنفسه، فسألته عن الحاضرين غيري، فقال لي: "البرادعي والكتاتني"، فاعتبرتها فرصة جيدة لمحاولة الوصول لحل. وفي المساء تغيّر اسم الكتاتني. وبعيدا عن التفاصيل، طُرح اسم آخر من الإخوان، ولما ذهبت في اليوم التالي فوجئت بالحضور.
ثانيا، عندما ذهبت قلت للمستشار منصور إن ما جرى ليست له مشروعية، وهذا مُسجل في محضر الاجتماع، وأن الطريقة الوحيدة للمشروعية إجراء استفتاء على المبادئ الستة، فإذا وافق الشارع كان الموقف مشروعا، وإذا لم يوافق يعود مرسي كما هو. وطرحي ليس موافقة على ما حدث، بل لأننا وصلنا لأمر واقع نحتاج للخروج منه قبل ترسّخه.
الإخوان
* قد يُفهم من انتقادك الدائم للإخوان أنهم شر مُطلق، فهل هذا تقديرك الحالي لهم؟
- لا، فتنظيم الإخوان طوال فترة تواجدي فيه حتى 2009 كنت فخورا بتجربتي فيه، وكانت هناك أخطاء أواجهها وأرفضها. بعد 2009 تركت التنظيم تماما، ورفضوا هم التعامل معي وأنا كذلك. لكن بغض النظر عما جرى، فهم الآن يتعرضون لظلم كبير، بدءا من التشويه الإعلامي مرورا بالاعتقال والاختفاء القسري ومصادرة الأموال والإهمال الطبي، وانتهاء بالقتل وأحكام إعدام بالجملة؛ التي لا تصدر من قضاء طبيعي.
* كيف تركت الإخوان في 2009 وكنت حاضرا اجتماع مجلس شورى الجماعة في 2011 الذي تم إقرار عدم ترشح الإخوان للرئاسة؟
- اتصل بي د. بديع للقائي فذهبت دون أن يخبرني أنه اجتماع لمجلس الشورى. فلما ذهبت أخبرته أنني لم أعد عضوا بالجماعة منذ 2009، كما ذكرت لهم حينها، فقال لي نريد أخذ رأيك في مسألة، فلم أمانع. فبدأ أحد أعضاء مكتب الإرشاد يحكي ما دار في اجتماع القوى السياسية مع عمر سليمان، فقلت له اروِ لمجلس الشورى ما دار في اجتماعك الخاص ومعك أحد أعضاء مكتب الإرشاد بعمر سليمان، فنظر للمرشد وقال له: "ألم نتفق ألا نخبر أحدا بذلك؟". وثار الحضور، خاصة الأستاذ عاكف والأستاذ سيد نزيلي، لوجود اجتماع لم يعلم به مجلس شورى الجماعة. فدعا د. بديع الحضور لصلاة الظهر، وبعد الصلاة تم تغيير الحديث وأصروا على أن ما جرى في الاجتماع كان سرّا فانصرفت، وبعد انصرافي تحدثوا في قرار الرئاسة، لكن حدث تزييف ضدي بأنني كنت حاضرا المناقشات، ولم يحدث هذا.
* على ذكر الأستاذ عاكف، ما تعليقك على وفاته في محبسه؟
- الأستاذ عاكف أحد أبناء مصر الذين شاركوا في الحرب ضد الصهاينة في فلسطين عام 1948، ويحمل كل الوطنيين الشرفاء له التقدير بسبب هذا الأمر، وأيضا حبه لمصر وحرصه عليها أثناء فترة عمله، سواء كان داخلها أو خارجها، بعيدا عن بعض انفعالاته الكلامية. وكان الأولى بالسلطة - وهو مصاب بنوع فتاك من مرض السرطان وهو سرطان البنكرياس - أن تطلق سراحه ويُسلم لأهله ليستكملوا علاجه. وتدخل العديدون للإفراج عنه، وأنا منهم، وأيضا المجلس القومي لحقوق الإنسان وهو جهة حكومية، ولكن طغيان السلطة وعدم إنسانيتها على المستويات الأمنية والسياسية أبت إلا أن تتركه ينهشه السرطان حتى مات في محبسه.
أتصور أن الأستاذ عاكف لو أُسرَ أثناء حربه في فلسطين ضد الصهاينة وأصيب بهذا المرض؛ لكانوا أطلقوا سراحه، لكن للأسف النظام المصري يتعامل مع مخالفيه بأخلاق أسوأ من أخلاق الصهاينة في تعاملها مع أعدائهم. أعزي أهله والمصريين جميعا في وفاته، داعيا الله له بالرحمة والمغفرة.
(لقراءة الجزء الثاني من المقابلة اضغط
هنا)