تزايدت في الآونة الأخيرة، رغبة بعض الأقاليم حول العالم في
الانفصال عن الدول التابعة لها وإقامة دولة خاصة، أحدثها إقليما
كردستان في
العراق، وكتالونيا في إسبانيا.
وتسعى عدة مناطق في أوروبا إلى الانفصال، "فنيتو" و"جنوب تيرول" وجزيرة صقلية في إيطاليا، و"جزر الفارو" في الدنمارك، و "منطقة الباسك" في إسبانيا، و "فلاندرز" في بلجيكا، و "بافاريا" في ألمانيا، وفقا لتقرير نشرته "واشنطن بوست" الأمريكية.
وعادة ما تمتلك الأقاليم التي ترغب في الاستقلال موارد اقتصادية جيدة مقارنة بباقي أقاليم الدولة المركزية، فعلى سبيل المثال يمتلك إقليم
كتالونيا قوة اقتصادية هامة لإسبانيا، ووفقا لتقرير وكالة الصحافة الفرنسية، يساهم الإقليم بـ 19% من إجمالي الناتج المحلي الإسباني عام 2016، إلى جانب جذبه لنحو 14% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في إسبانيا، فضلا عن مميزات الإقليم في قطاعات السياحة والصناعة والتصدير والأبحاث.
ويزخر إقليم كردستان بثروات نفطية كبيرة، ومقدرات اقتصادية تميزه عن أقاليم عراقية أخرى، حيث يمتلك 57 حقل نفط، و45 مليار برميل احتياطيات النفط، و5.7 مليار متر مكعب غاز طبيعي (ما يعادل 3% من الاحتياطي العالمي )، وينتج 600 ألف برميل نفط يوميا، منها 50 ألف برميل للاستخدام المحلي، و550 مليار برميل يتم تصديره يوميا عبر ميناء جيهان التركي، ويبلغ متوسط دخل الفرد بالإقليم نحو 2100 دولار سنويا، وبلغ دخل الإقليم من السياحة عام 2016 نحو 500 مليون دولار، وتستثمر في الإقليم 40 شركة نفطية من 30 دولة، إلى جانب 53 عقدا نفطيا مع شركات عالمية، منها إيكسون موبايل، وغاز بروم.
ومع اختلاف تأثير الانفصال على شعوب تلك الأقاليم، وتنوع دوافع الانفصال من إقليم لآخر، يبقى السؤال إلى أي مدى تلعب ثروات الإقليم دورا في قرار الانفصال؟ وكيف يدير الإقليم ثرواته بعد الاستقلال؟ وما هو التأثير الاقتصادي على مواطني الإقليم؟.
خبراء اقتصاد أكدوا لـ
"عربي21" أن اقتصاد الإقليم وثرواته يلعب دورا محوريا في تسويق قرار الانفصال جماهيريا، عن طريق تغذية سكان الإقليم بأن ثرواتهم تذهب لخدمة ورفاهية آخرين، مشددين على أن الموارد الاقتصادية التي يمتلكها الإقليم ليست معيارا لنجاح الاستقال.
وأضافوا: "تختلف تأثيرات الانفصال الاقتصادية على الشعوب من إقليم لآخر، لكن تبقي الدوافع السياسية والقومية والعرقية هي الأكثر تأثيرا عن الجانب الاقتصادي"، مشيرين إلى وجود أقاليم فشلت اقتصاديا بعد استقلالها رغم امتلاكها ثروات ومقدرات اقتصادية كبيرة، وأقاليم أخرى نجحت اقتصاديا على الرغم من عدم امتلاكها موارد كبيرة.
وقال المحلل الاقتصادي، أحمد مصبح، إن الاقتصاد يلعب دورا مهما في الترويج لقرار الانفصال، مؤكدا أن السياسيين يستثمرون الحالة الاقتصادية لتحقيق أهدافهم الانفصالية (المبنية في غالب الأمر على دوافع قومية أو سياسية).
وأضاف مصبح في تصريحات خاصة لـ
"عربي21": "على سبيل المثال، نجد أنه تم الترويج لقدرة إقليم كردستان العراق الاقتصادية لما يملكه من ثروات وقدرات تمكنه من الاستقلال وبناء دول مستقلة، مع بعض التجاهل للصعوبات التي سوف تصاحب قرار مثل قرار الانفصال في ظل الاضطرابات السياسية المحيطة بالعراق داخليا وخارجيا الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا للإدارة القائمة على الاقليم، وبالمثل نجد أن لدى إقليم كتالونيا قدرات اقتصادية كبيرة تمكنه من بناء دولته المستقلة بعيدا عن التبعية الاقتصادية لإسبانيا إذا ما استطاع الحصول على الاعتراف والدعم الدولي".
وتابع: "على النقيض من ذلك، تقوم العديد من الأحزاب السياسية التي تحقق مكاسب من وراء الانفصال باستثمار حالة الضعف الاقتصادي والمشاكل الاقتصادية المتفاقمة بالدولة المركزية، في الترويج إلى الانفصال على أنه هو إكسير الحياة الذي يجب شربه لمثل تلك المشاكل (مثل إقليم صقلية، وإقليم دارفور).
وأكد مصبح أن امتلاك الثروات أو غيابها ليس هو المقياس لنجاح هذه الأقاليم بعد الانفصال، وأن العامل البارز هو العامل السياسي في الإقليم ومدى تجاوب الدول المحيطة مع هذا الانفصال.
وتساءل: "ما فائدة الثروات في كردستان في ظل انعدام المنافد وفي ظل الحصار؟، وهل لدى سكان إقليم كتالونيا القدرة على دفع فاتورة الانفصال خصوصا في ظل رفض دول الجوار الإسباني له؟"، موضحا أن غياب الثروات وتفاقم المشاكل الاقتصادية لا يمثل عائقا كبير لمثل هذه الاقاليم.
وأشار مصبح إلى أن "غياب الثروات وتفاقم المشاكل الاقتصادية لا يمثل عائقا كبيرا لانفصال الأقاليم إذا ما توفرت خطط التنمية والإصلاحات في ظل وجود الحاضنة الدولية له مثل ما حدث في سنغافورة"، قائلا "رب انفصال لا يزيد إلا بعدا وتيها".
وأردف: "في تصوري أن انفصال إقليم كتالونيا سيكون له تأثير كبير على المستوى الإقليمي (الأوروبي) خصوصا في ظل وجود العديد من الأقاليم في دول أوروبية متنوعة ترغب في الانفصال عن دولها، ( حيث أن نجاح كتالونيا في الانفصال سوف يشكل حافر كبير لتلك الاقاليم) وسوف يكون الشرارة الأولى لبداية تفتت القارة العجوز وانهيار اتحادها".
وبعد إعلان حكومة إقليم كردستان نتيجة استفتاء الانفصال عن العراق، بنسبة تصويت بلغت 90%، حثت بغداد الدول على تعليق الرحلات الجوية الى الإقليم، وطالبت أربيل بتسليم السيطرة على مطاراتها والمعابر الحدودية أو مواجهة الحصار.
وهددت تركيا، باتخاذ إجراءات مماثلة، ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستفتاء بـ"الخيانة"، وقال إن الإقليم "لن يجد الغذاء أو الملابس" في حال تطبيق العقوبات ضده.
ويعتمد إقليم كردستان بنحو 75% من البضائع والحاجيات اليومية على الاستيراد من تركيا وإيران، خاصة في ما يتعلق بالسلع الاستهلاكية اليومية، كما تعتمد حكومة الإقليم على البنزين ومشتقات الوقود الأخرى التي تستوردها من تركيا، وهو ما دفع المواطنين لتخزين كميات كبيرة من مشتقات الوقود. وتبلغ الاستثمارات التركية في كردستان العراق نحو 40 مليار دولار، حسب تقديرات غير رسمية.
وفي المقابل، يرى مراقبون، أن إقليم كردستان قد لا يضطر إلى الاعتماد فقط على النفط، لافتين إلى أن أراضيه الزراعية الخصبة وموقع الإقليم الجغرافي يمكن أن يجعلا منه مركزا للتجارة الإقليمية، ومع مزيد من التركيز والاهتمام الدولي فإن من شأن ذلك أن يخفف من أي حصار من جانب البلدان المجاورة في المستقبل.