نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا؛ قالت فيه إن
محمد دحلان الذي طرده محمود عباس من فلسطين في سنة 2011، أصبح مستشار الظل لمحمد
بن زايد، الحاكم الفعلي لدولة الإمارات، وهو يتواجد اليوم في قلب المؤامرات السياسية والمالية التي تعصف بالشرق الأوسط.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن شبح محمد دحلان عاد ليخيم على قطاع
غزة، حيث إن المدير السابق لجهاز مكافحة الإرهاب الفلسطيني، والذي تم منعه سابقا من دخول القطاع بعد أن طردت "
حماس" قوات حركة فتح في سنة 2007، أصبح اليوم واحدا من أبرز المؤثرين في اللعبة الجغراسياسية الكبرى في المنطقة.
واعتبرت الصحيفة أن ما يجري الآن هو عبارة عن لعبة شطرنج تخوضها فلسطين ومصر والإمارات، تهدف إلى استعادة السيطرة على هذه المنطقة الحدودية من سيطرة الإسلاميين، الذين تعرضوا لاستنزاف شديد بعد عشر سنوات من الحصار وثلاث حروب ضد إسرائيل.
وذكرت الصحيفة أن دحلان هو الذي أطلق هذه المناورة الضخمة في بداية الصيف الماضي، حيث إنه بدعم من الإمارات، بدأ بتوزيع الأموال في غزة. كما أنه بالتنسيق مع مصر تعهد بتخفيف الحصار المفروض على القطاع، وإعادة فتح معبر رفح، في مقابل السماح بعودته إلى غزة.
وأشارت الصحيفة إلى أن اقتراب دحلان من العودة إلى غزة أثارت حفيظة عدوه اللدود محمود عباس، الذي كان قد اتهمه في 2011 بمحاولة الانقلاب عليه.
ولذلك سارع عباس للتحرك في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، عبر إرسال رئيس وزرائه رامي الحمد الله إلى غزة من أجل تقديم مبادرة للمصالحة مع "حماس". وهي نقطة شجعتها هذه الأخيرة، التي تسعى للاستفادة من حالة الانقسام الشديد داخل حركة فتح.
وحذرت الصحيفة من أن دحلان يكون بذلك قد خسر المناورة الأولى، ولكنه لا يزال لديه الكثير من الأوراق. حيث إن هذا القيادي السابق في فتح، والذي يكنى بأبي فادي، نجح منذ طرده من فلسطين في ربط الصلة بعديد الجهات المؤثرة.
وذكرت الصحيفة في هذا السياق أن دحلان التقى في عديد المرات مع عبد الفتاح السيسي، في إطار المفاوضات الجارية مع الخرطوم حول بناء سد على نهر النيل، كما أنه التقى بخليفة حفتر، الذي يعتقد أنه يموله بالسلاح والمرتزقة، كما أنه اجتمع ببعض فصائل المعارضة السورية في القاهرة، وعقد أيضا لقاءات مع بعض الأطراف المشاركة في الانتقال السياسي في تونس.
ونقلت الصحيفة عن أحد معارف دحلان في فرنسا، تأكيده أن أبا فادي وصل نفوذه إلى درجة حضوره خطاب دونالد ترامب في أيار/ مايو الماضي في الرياض، إلى جانب حوالي 50 من زعماء الدول العربية والإسلامية.
واعتبرت الصحيفة أن هذا الصعود المذهل لأبي فادي، يعود الفضل فيه لمحمد بن زايد آل نهيان، حاكم أبو ظبي، الذي اتخذه مستشارا مقربا منه.
ونقلت الصحيفة عن مصدر دبلوماسي عربي قوله: "إن دحلان عندما يصل إلى باريس تفتح له السفارة الإماراتية هنالك قاعتها الشرفية في المطار وترسل إليه سيارات ليموزين، إذ إنها تعامله مثل أحد الشيوخ من أعضاء العائلة الحاكمة، وتعتبره أكثر أهمية من الوزراء.
ونقلت الصحيفة عن صحفي فلسطيني في رام الله قوله إن "الإمارات جعلت من دحلان وكيلا لها في حربها المعلنة ضد الإخوان المسلمين، ومن بين كل قيادات الجيل الثاني الفلسطينية يعتبر هو الأكثر نفوذا وعلاقات في المنطقة، حيث إنه تحول إلى أخطبوط حقيقي".
وذكرت الصحيفة أن أول لقاء بين محمد دحلان وبن زايد جرى في سنة 1993، بمناسبة زيارة ياسر عرفات إلى أبو ظبي. وقد كان حينها دحلان يستعد لتسلم مهمة إدارة جهاز الأمن الوقائي، وهو واحد من أهم الأجهزة الأمنية في غزة، وقد استغل هذا المنصب من أجل جمع أموال كثيرة، عن طريق فرض الإتاوات على شاحنات البضائع التي كانت تدخل القطاع، وتمكن أيضا من ربط الصلة بعديد الأجهزة الاستخباراتية مثل "الشين بيت" الإسرائيلي.
وذكرت الصحيفة أن دحلان بعد هروبه إلى أبو ظبي، وجد إلى جانبه العديد من الوجوه الأخرى التي لفظتها بلدانها بعد ثورات 2011، على غرار رئيس الوزراء المصري أحمد شفيق، والمستشار الليبي محمد إسماعيل، وابن الرئيس اليمني المخلوع أحمد صالح.
وأضافت الصحيفة أن دحلان رفض الاستسلام لهذه التطورات، وشرع فورا في وضع المخططات من أجل عرقلة صعود الإخوان المسلمين، الذين فازوا بالانتخابات التي تم تنظيمها في مصر وتونس.
وبحسب الصحيفة، فقد أصبح دحلان أحد أهم الأذرع التي تستعملها الإمارات لتحقيق أهدافها، عبر الدبلوماسية السرية وقوة الأمر الواقع.
وأوردت الصحيفة أن محمد بن زايد ودحلان عملا في مصر على تقويض حكم الرئيس محمد مرسي، الفائز في الانتخابات الرئاسية في 2012، حيث قاما بتمويل المظاهرات التي تم تنظيمها في إطار الإعداد لانقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي.
وذكرت الصحيفة أن دحلان اقتحم أيضا المجال الإعلامي، حيث شارك في إطلاق قناة الغد التي يديرها الصحفي عبد اللطيف منياوي، الذي يعرف بحنينه الشديد لنظام مبارك.
وأكدت الصحيفة أن دحلان متورط أيضا في المعارك الدائرة في ليبيا، وخاصة في منطقة برقة، حيث كشفت تسريبات صوتية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن دحلان سافر في طائرة خاصة من القاهرة إلى ليبيا. ويعتقد كثيرون أن تلك الرحلة دليل على أن دحلان هو أحد أبرز المشرفين على تهريب الأسلحة الإماراتية إلى معسكر الجنرال خليفة حفتر.
وذكرت الصحيفة أن دحلان نجح أيضا في إقامة علاقات متشعبة في منطقة جمهوريات يوغوسلافيا السابقة، مستفيدا من العلاقة الوثيقة بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية، وبات على علاقة مع المافيا، وقد نجح في عقد العديد من الصفقات المربحة وامتلاك أصول ضخمة، كما أنه يحمل جواز سفر صربي.
وأشارت الصحيفة إلى أن دحلان لدى سؤاله حول دوره في ليبيا، كان قد نفى هذا الأمر برمته في سنة 2016، ولكنه قال: "وحتى لو كانت الإمارات ترسل أسلحة إلى ليبيا، فما الضرر في ذلك؟"، وهو يتناسى بذلك قرار الأمم المتحدة بشأن حظر تصدير السلاح إلى ليبيا.
وأضافت الصحيفة أن محمد بن زايد حاول أيضا التقرب من وجوه سياسية في تونس، خاصة من رجال النظام السابق وقيادات اليسار التونسي المتطرف، الذي يناصب العداء لحركة النهضة الإسلامية.
وأوردت في هذا السياق أن من أبرز هؤلاء رفيق الشلي، المدير السابق للأمن في زمن زين العابدين بن علي، ومحسن مرزوق الذي ساهم في تأسيس حزب نداء تونس، الذي يقوده الآن الرئيس الباجي قائد السبسي.
وأشارت الصحيفة في هذا السياق إلى أن الإمارات ومحمد دحلان يسعيان لممارسة الضغوط على نداء تونس، من أجل إجباره على إنهاء التحالف السياسي مع حركة النهضة.