مع تسلم حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية إدارة
قطاع غزة، أثيرت تساؤلات حول إمكانية امتلاك الحكومة موازنة قادرة على إدارة القطاع الذي يعتمد أكثر من ثلثي سكانه على المساعدات الإنسانية، وعن حجم العبء المادي الذي يقع على كاهل الحكومة في إدارة القطاع الذي يسكنه مليونا شخص ويعاني بنية تحية مدمرة، وما المطلوب عربيا ودوليا لدعم حكومة تعاني من عجز مالي يبلغ 750 مليون دولار.
وأكد عدد من
الخبراء والمختصين
الاقتصاديين لـ"
عربي21" أن حكومة الوفاق الوطني أمام امتحان صعب في ظل التبعات المالية الكبيرة، وما يتطلبه ذلك من تكاتف فلسطيني وعربي وغربي لدعم المصالحة وإنجاحها.
وتوقع الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم، سيناريوهان في هذا الشأن: السيناريو الأول، المتفائل باكتمال المصالحة بكل استحقاقاتها، بما في ذلك دمج جميع الموظفين للحكومة. أما السيناريو الثاني: يقوم على الاستمرار والمضي بالمصالحة بدون تغير في الوضع القائم.
وأضاف عبد الكريم في حديثه لـ"
عربي21"، "كل محور له تداعيات اقتصادية مختلفة، ففي حالة السيناريو الأول والمتمثل في حالة دمج جميع قطاع العاملين خارج قيد وزارة المالية والموظفين في القطاع المدني الذين عملوا تحت إدارة حركة
حماس والمقدر بـ 40 ألف موظف، فستتحمل الحكومة زيادة في فاتورة الرواتب الشهرية المقدرة ب 40 مليون دولار على اعتبار أن معدل الراتب الشهري المتوسط للواحد ألف دولار".
وتوقع أن الحكومة ستستخدم "قانون التقاعد المبكر في غربلة الموظفين سواء المستنكفين أو ممن هم على رأس عملهم، وستدرس ملفاتهم وستدفع بعضهم للتقاعد تحت مبرر عدم القدرة على استيعابهم ودمجهم في الهيكل الإداري، لأنه سيصبح تخمة بالموظفين، وازدواجية إدارية".
وأضاف، "أعتقد أنه لن يتم استيعاب جميع الموظفين الذين عينتهم حماس، واستمرار الدفع لـ28 ألف من المستنكفين؛ سيصل صافي العدد في القطاع المدني الذين سيتم التعامل معهم من 30 إلى 35 ألف موظف، يحتاجون 30 إلى 35 مليون دولار، يضاف إليهم بعض النفقات التشغيلية للوزارات، بالمجمل ستصل التكلفة الشهرية لقطاع غزة من 70 إلى 80 مليون دولار".
وسجل عبد الكريم، أنه سيتم التعامل التدريجي مع هذا الملف، "سيتفق الطرفان على إحالة الموضوع حسب اتفاق القاهرة للدراسة واستيعاب الموظفين بالتدريج وإعطاء الأولية لوزارات التعليم والصحة (القطاعات الاجتماعية) من خلال اللجنة الوزارية الإدارية في اجتماع القاهرة، وهذا سيأخذ وقتا في التنفيذ وفق الورقة السويسرية".
لذلك لا يتوقع عبد الكريم وجود أعباء مالية كبيرة في الأشهر القريبة، خاصة مع استعداد بعض الدول لتمويل "الفاتورة الجديدة أو جزء منها".
وأشار عبد الكريم إلى أهمية تطوير قطاع غزة، لاستثمار موارده التي كانت تشكل ثلث إيرادات السلطة، ودعا إلى عقد مؤتمر دولي لإعادة اعمار القطاع، وفتح باب الشراكة والاستثمار مع القطاع الخاص سواء المحلي أو العربي أو الأجنبي، وتشكيل لجنة وزارية تحضيرية من وزارات مختلفة، لتبدأ المشاورات لعقد هذا المؤتمر سريعا حتى تبدأ عملية الإعمار وتوفر فرص عمل للعاطلين عن العمل.
واتفق الخبير الاقتصادي نائل موسى مع ما قاله عبد الكريم، من زيادة العبء على ميزانية الحكومة، مشيرا أن الحكومة كانت تتحمل من قبل المصالحة أعباء مادية تجاه قطاع غزة، مثل معاشات الموظفين.
وأضاف قائلا لـ"
عربي21": "مع ذلك سيجلب لها الاتفاق نفقات جديدة ومنها الموظفين الجدد إذا تم الاتفاق على ذلك بين الأطراف، وسيتم معالجة ذلك من خلال خطة تقاعد مبكر لمن ليس لهم حاجة، ومع ذلك النفقات الجديدة على السلطة ستشكل ضغطا عليها".
وتابع، "ما سيحدث أن تجارة الأنفاق ستتحول من تحت الأرض إلى فوقها، لذلك هناك إيرادات ستحصل عليها السلطة من التجارة كون قطاع غزة قطاع سوق استهلاكي كبير، وبالتالي هناك سلع وخدمات".
إلا أن موسى أشار إلى أنه في حال استمر الحصار الإسرائيلي على غزة ستضطر الحكومة للإنفاق على القطاع دون تحصيل إيرادات، وهذا سيخلق مزيدا من العجز المالي عليها، على حد تعبيره.
وبرأيه يظل هنالك "تعويل على بعض الدول المانحة، بالرغم من وضع أمريكا وإسرائيل فيتو على حماس، وبالتالي عند استلام حكومة الوفاق الوطني المسؤولية سيكون هناك مرونة في الحصار أو تخفيضه".
وأشار موسى أنه في ظل التحدي المالي هناك "أبعاد مهمة وهي الأبعاد الوطنية والسياسية والجغرافية لمواجهة التحديات لدى الشعب الفلسطيني، وبالتالي جزء منها سيغطى من إيرادات غزة ومزيد من الدعم ستحصل عليه لمواجهة العبء الإضافي، كونها تتحمل مسؤولية الضفة والقطاع".
مؤتمر عالمي للدعم الاقتصادي
أما الصحفي الاقتصادي محمد خبيصة ، فقال لـ"
عربي21" إنه "بعيدا عن السياسة والعاطفة هنالك أمور لابد أن يعرفها المواطن، وهو أن المصالحة تحتاج إلى دعم مالي ضخم، بعد 11 سنة من حصار قطاع غزة و10 سنوات ونصف من الانقسام، وثلاثة حروب عاشها القطاع دمرت فيها الأبنية والبنية التحتية وتركت آلاف الضحايا".
وأضاف، "هذا يحتاج إلى موازنة كبيرة، وفعليا بدأت وزارة المالية بالإعداد لموازنة عام 2018، والتي ستكون الأضخم، في العادة الموازنة التطويرية للسلطة 350 مليون دولار، لكنها مع استلام قطاع غزة تحتاج إلى 5 أو 6 أضعاف هذا الرقم سنويا".
وأوضح أن مصادر الدخل الرئيسة للموازنة هي الضرائب، والمنح الخارجية التي تراجعت نحو 70 في المائة، ولا تتجاوز 620 مليون دولار سنويا، وهو رقم ضئيل جدا، ولا يكفي الضفة، وفق تعبيره.
ويرى خبيصة أنه إذا لم تستطع الحكومة الإيفاء بالتزاماتها "سيعتبر أول فشل في تطبيق المصالحة"، في ظل نسبة بطالة تصل 44 في المائة، واعتماد 80 بالمائة من السكان على المساعدات.
ودعا خبيصة جامعة الدول العربية إلى دعم المصالحة في جوانبها كافة، والاقتصادية خاصة، وأكد أن المطلوب الآن هو عقد مؤتمر اقتصادي لدعم المصالحة.
وتوقع أن يكون هنالك دعم عربي للمصالحة خاصة أنها تتم برعاية مصرية التي لها حلفاء سيقفون إلى جانبها في جهودها، إضافة إلى دعم أوروبي على نفقة الاتحاد الأوروبي.
وأشار أن كل ذلك مرهون باجتماع القاهرة يوم الثلاثاء بين حركتي
فتح وحماس، والذي يعتبر نقطة هامة لطي صفحة الانقسام.